الكواكب تخترق حياة اليمنيين

البحث عن الطمأنينة بين العلم والخرافة
سعيدة عبد الغني
July 14, 2024

الكواكب تخترق حياة اليمنيين

البحث عن الطمأنينة بين العلم والخرافة
سعيدة عبد الغني
July 14, 2024
.

تزوجت هناء من شخص، "ووقت عقد الزواج طلب تغيير اسمي من أجل السعادة والتوافق بيننا، وتم اختيار الاسم عبر منجم معروف في القرية. وقتها أهلي وافقوا ولم يكن عندهم أي اعتراض لأنهم يتمنون لي السعادة." في حين تفاجأت سلوى يوم زفافها بصرامة الوقت المحدد من قبل أسرة عريسها الذين "تنجموا" بموعد خروجها من بيت أهلها ودخولها منزل زوجها، فقد قالوا إنها ساعة "السعادة والخير."

ممارسات قديمة لا تزال تمارس في بعض المناطق والقرى اليمنية وهي الاستعانة "بالمنجمين" في أمور حياتهم، فيتم تسمية المولود عبر "المنجم" لقيامه بعمليات حسابية لاسم الأم والأب، وبرجهما، واختيار الاسم الذي يتناسب معهما حسب تاريخ الميلاد للمولود.

تقول منال أحمد لـخيوط: "أول ما ولدت ابنتي أطلقت عليها اسما محددا، لكنها كانت تبكي بشكل متواصل، فقالو لي غيري اسمها لأنه ثقيل عليها، وفعلا غيرته لاسم آخر وهدأت البنت."

يصل الأمر في هذه الاعتقادات، التي تثير جدلا واسعا لكونها خرافات يلاحظ تلاشيها بالنظر إلى التطورات العلمية ووصول الإنسان إلى الفضاء وفي ظل الاختلاف حولها بين العلم والخرافة، إلى حياة اليمنيين ومناسباتهم وأفراحهم وأعمالهم ومختلف متعلقات حياتهم اليومية كاختيار وقت الزواج، وشراء المنازل والعقارات، والزراعة والحصاد وأعمال التجارة بحثا عن الطمأنينة والسعادة.

اليمنيون وعلم الفلك

انتشر الاهتمام بالأبراج في أوساط الشباب بشكل لافت سعيا كما يعتقد البعض لفهم الذات، وكذلك لتوضيح طبيعة العلاقات بين الأشخاص، إذ يوضح الباحث الاجتماعي، والأكاديمي في جامعة صنعاء، الدكتور عبد الكريم غانم، لخيوط علاقة الإنسان اليمني بالفلك، فقد ارتبطت الكواكب والنجوم بحياة اليمنيين وأنشطتهم الاقتصادية وطقوسهم ومعتقداتهم الدينية منذ القدم.

هناك من يرى أننا بحاجة إلى بعض المعارف للخرافات القديمة لتكشف لنا انتصار المذهب العقلي على المعتقدات غير العقلية وخلافا لذلك يكون التأريخ ناقصا، بينما يعتقد آخرون أن "الفلك" علم أساسه معادلات رياضيات وهندسة، وفيزياء، وهو علم ثابت له أسس ومبادئ وقوانين، كل قانون له اتصال فلكي، لكنه ليس علم غيب.

فعلاوة على ما للنجوم والكواكب من أهمية، وفق حديث غانم، في تحديد الجهات للقوافل التجارية وللملاحة في البحار، وكلها أنشطة اقتصادية برع فيها اليمنيون، فقد اعتمدت الزراعة، وهي النشاط الرئيس في اليمن، على ما تجود به السماء من مياه الأمطار، الأمر الذي جعل للشمس والقمر والزهرة وغيرهم من النجوم والكواكب مكانة متميزة في حياة اليمنيين، ترقى إلى مستوى التقديس، وليس أدل على ذلك من ارتباط معبد (ألمقه) أي القمر، ومعبد الشمس بأعظم الحضارات اليمنية القديمة، وهي حضارة سبأ.

 من النجوم التي اقترن اسمها باليمن "نجم الشعرى اليمانية" الذي يظهر فوق اليمن، ويستدل المسافرون به على اتجاه اليمن، وهو أحد النجوم التي حملت صفة "الألوهية" لدى اليمنيين وغيرهم من العرب قديما، وقد ورد ذكره في القرآن، إضافة إلى "سهيل اليمن،" وهو من أسطع النجوم، فإن ظهوره في شهر أغسطس/آب يعد مدعاة للتفاؤل بالخير والأمطار الغزيرة والثمار الوفيرة.

يضيف غانم:

 إن اليمنيين استخدموا النجوم باتجاهين، الأول عقلاني يتمثل بالاستدلال بها على الجهات، واستخدامها في تحديد مواقيت الزراعة، فإلى جانب السنة القمرية، كانت هناك الشهور الشمسية التي يعتمد عليها المزارع في تحديد المواسم الزراعية المختلفة.

أما الاتجاه الثاني لاستخدام الفلك والنجوم لدى اليمنيين فيتمثل في الجانب الطقوسي التعبدي. وعلى الرغم من حلول الديانات السماوية محل هذه المعتقدات اليمنية القديمة المرتبطة بعبادة بعض الكواكب والنجوم فإن رواسب هذه المعتقدات ما تزال عالقة بالمخيال الجمعي لبعض اليمنيين كما يقول غانم، لا سيما كبار السن في الأرياف، وهو ما يفسر اعتقاد هذه الفئة بضرورة اختيار المنجم، وهو بمقام الكاهن قديما، لاسم المولود، وتحديده للساعة المناسبة لزفاف العروس، وغير ذلك من الممارسات الحياتية التي حرص جيل الآباء والأجداد على ربطها بحركة النجوم والأجرام السماوية، إيمانا منهم بقدرتها على النفع أو الضر، وهي معتقدات تلاشت بشكل كبير وتكاد أن تنقرض، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة ارتباط هذه الممارسات بمعتقدات يمنية قديمة.

الأجرام ومجريات الأحداث

خُلِق الإنسان جزءا من هذا الكون الواسع، وأخذ يتأمل ويتفكر بكل شيء حوله، فقد كانت السماء هي المعلم الأول للإنسان الذي استخدم الأفلاك في حياته اليومية، وقام بمراقبة الشمس والقمر والنجوم حتى توصل لعلم الفلك، وهو أحد أهم العلوم الطبيعية القديمة. يذكر الدكتور مصطفى محمود في برنامجه الشهير "العلم والإيمان" أن علم الفلك هو علم قديم يقال إنه نزل على النبي إدريس قبل 500 ألف سنه، لكن هذا العلم تعرض للتحريف وما تبقى منه هو علم مختلط، إذ إن "الفلك" هو علم يتحدث عن مواقع النجوم وأهميتها فلكيا وعلميا. فالمواقع هذه هي مفاتيح أسرار ومؤشرات كاشفة عن حقائق فلكية كبرى.

 استُخدمت هذه الأفلاك لتحديد مواقيت "الصلاة" لدى المسلمين، واتجاه القبلة، ووجد الإنسان منذ القدم ارتباطا وثيقا بينه وبين الأفلاك. واستُخدم علم الفلك في جوانب عديدة في حياة الإنسان، وارتبطت الظواهر الطبيعية على سطح الأرض بحركة الأفلاك، وقد أثبت العلم الحديث ذلك الارتباط وفقا لقوانين هندسية وفيزيائية .

يقول الدكتور محمد بن أحمد الدوغان، في كتابه «الفلك، رؤية أدبية في التراث الفلكي العربي» الصادر عن دار أروقة، الطبعة الأولى 2014، شارحا أهمية النجوم عند العرب، بطريقة جامعة: "لا نستطيع أن نتصور أهمية النجوم في الاستهداء عند العرب إلا إذا تمثلنا رهبة الصحراء، وشح الماء، وانعدام المعالم، وانقطاع الطريق، وبعد الشقة، وتوهج الحرارة أو شدة البرودة. حينئذ نعرف كيف تمثل لهم النجوم، وكيف تصبح هي المعالم والأدلة التي لا تخطئ، والسراجات التي تضيء الطريق؟ وكم كانوا - حين يتيهون في أسفارهم - يسرون بصفاء السماء، ويحزنون إذا غامت وانطمست معالمها، لأن ذلك يؤدي إلى المتاهة المحققة والهلاك المؤكد، ولذا سموا الصحراء المهلكة."

ويوضح الفلكي اليمني فهد البراق، في حديثه لخيوط، أن علم الفلك يهتم بدراسة جميع الأجرام السماوية والعناصر الأُخرى بما فيها النجوم والثقوب السوداء، بينما التنجيم علم يهتم بدراسة تأثير الأجرام السماوية ومنها الأبراج والنجوم وغيرها من الأجرام السماوية على البشر ومجريات الأحداث على الأرض.

التنجيم وعلم الفلك 

يذكر حميد مجول النعيمي في كتابه أثر الأجرام السماوية بالإنسان بين الفلك والتنجيم أن التنجيم ساهم في تقدم علم الفلك والأنواء بسبب اعتماده على رصد الظواهر العلوية، وهذا يتطلب استنباط الرياضيات التي تصفها، وابتكار آلات الرصد الدقيقة، ورصد الظاهرات الكونية الاستثنائية، بينما يرى جورج سارتون "أننا بحاجة إلى بعض المعارف للخرافات القديمة لتكشف لنا انتصار المذهب العقلي على المعتقدات غير العقلية وخلافا  لذلك فيكون التأريخ ناقصا."

وتؤكد الفلكية اليمنية فيروز علي، في تصريح لخيوط، أن "الفلك" علم أساسه معادلات رياضيات وهندسة، وفيزياء، وهو علم ثابت له أسس ومبادئ وقوانين، كل قانون له اتصال فلكي، لكنه ليس علم غيب .

تضيف فيروز:

إن الإنسان يتكون من "صلصال كالفخار،" فطبيعة تكوينه هي ماء وطين، والماء يتأثر بالعبورات الفلكية، مشيرة إلى أن تكوين الإنسان ينقسم الى خمس تقسيمات، البرج الشمسي، القمري، برج ساعة الولادة، برج علم الحرف (الاسم،) برج بيئة التربية.

بينما يلفت البراق إلى علاقة الإنسان بعلم الفلك بالنظر إلى أن الفلك يؤثر حتى على استقراريه الأرض والمناخ والزلازل، بالرغم من عدم وجود أي مقياس مادي لذلك، لكن وفق حديث البراق: علينا أن ننظر حولنا وسندرك العلاقة الوثيقة .

يذكر الدكتور مصطفى محمود، وهو  كاتب مصري معروف بغزارة التأليف:

" إن الإنسان ليس منفصلا عن الكون، فالطفل الذي يولد مثل ترانزستور صغير يأخذ من الكون ويعطيه. في حين تطرق إلى علاقة الإنسان بالشمس، وكيف ظهرت الانقلابات والحروب في فترة الانفجارات الشمسية.

كما يذكر أن حدوث مثل هذه الظواهر يؤكد على تأثير الشمس على الأرض، وعلى الحالات النفسية للناس، وحروبهم وسلامهم، وهذا ثابت بالإحصاءات أن فترة النشاط الشمسي تزداد فيها الثورات والحروب وحالات الجنون والهستيريا.

ويوضح الفلكي ثابت الحسن في السياق ذاته أن العلماء قد ربطوا بين الأحداث كالفيضانات بعلم الفلك واستخدموا علم الفلك لمعرفة أوقات الزراعة ومواسمها، إذ كانوا يراقبون تأثيرات القمر وكيف يؤثر عند اكتماله على مشاعر الإنسان، فقد لاحظ الباحثون أن الكواكب لها تأثيرات معينة في انتقالاتها على الإنسان والطبيعة بشكل كلي.

•••
سعيدة عبد الغني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English