بدأ عبدالله العريفي، شاب يمني من محافظة تعز، في تكوين متحف صغير، في منطقة الباب الكبير في قلب مدينة تعز القديمة، حيث يضم المتحف العديد من المقتنيات التراثية، كان قد جمعها على
مدى عقدين من الزمن، بشغف متوارث عن أبيه وأسلافه، كهواية باتت جزءًا لا يتجزأ من حياته الشخصية وروتينه اليومي.
ورث العريفي العمل في الحرف اليدوية، وتحديدًا في صياغة الفضة، عبر مراحل متسلسلة بدءًا من جده، ثم والده، وانتهاء به. عن شغفه بهذه الحرفة وعن هذه البدايات يتحدث العريفي لـ"خيوط"، قائلًا: "بدأت في صياغة الفضة منذ أكثر من 20 سنة، تأثرًا بجدي وأبي اللذين توارثاها بدورهما عن أسلافهما، إذ أقوم بجمع المقتنيات كهواية وجزء من مهامي الروتينية، ثم قمت بتأسيس متحفٍ صغير ضم العديد من القطع التراثية، مثل السيوف والبنادق والصناديق الخشبية والمشغولات الجلدية، والمشغولات الفضية، وكثير من المقتنيات التي توجد في المعرض، وتمثل حقبًا تاريخية متعددة، بدايةً من عهد العثمانيين وما قبل العثمانيين حتى الآن".
"واجهت العديد من التحديات خلال قيامي بجمع المقتنيات وإنشاء هذا المتحف الصغير، وعلى رأس هذه التحديات: شحة التمويل، ومشكلة عدم الإدراك والإلمام الكامل من قبل الجهات المختصة بأهمية فكرة إنشاء متحف مفتوح، إضافة إلى قصور في فهم أهمية التراث من قبل المجتمع، بما في ذلك عدم التشجيع للمهتمين، وعدم تسليط الضوء من قبل وسائل الإعلام تجاه الأعمال التي تختص بجمع التراث الثقافي اليمني".
جهود ذاتية
عمل دؤوب قام به العريفي الذي تخطى العديد من المعوقات التي صادفته أثناء مشواره في جمع المقتنيات، ناقلًا صورة مشرقة، عكسه النجاح الذي تحقق منذ إنشاء متحفه المنظم.
ويضيف العريفي: "جاءت فكرة إنشاء المتحف انطلاقًا من حرصي وعائلتي على جمع التراث الثقافي للوطن والحفاظ عليه، إذ أزعم أنّ هذا المتحف يشكل جزءًا من الهوية الوطنية وأحد مقوماتها الأساسية".
ويتابع: "واجهت العديد من التحديات خلال قيامي بجمع المقتنيات وإنشاء هذا المتحف الصغير، وعلى رأس هذه التحديات؛ شحة التمويل، ومشكلة عدم الإدراك والإلمام الكامل من قبل الجهات المختصة بأهمية فكرة إنشاء متحف مفتوح، إضافة إلى قصور في فهم أهمية التراث من قبل المجتمع، بما في ذلك عدم التشجيع للمهتمين، وعدم تسليط الضوء من قبل وسائل الإعلام تجاه الأعمال التي تختص بجمع التراث الثقافي اليمني".
وأضاف: "أعتقد أني أمثل نموذجًا للفرد المدرك لأهمية المحافظة والحرص على الآثار الثمينة الدالة على عمق الموروث وأصالته، خصوصًا بعد أن تعرضت العديد من المتاحف للإهمال والسرقة والنهب والتدمير في ظل الحرب الدائرة في البلاد، منذ ما يزيد على ثماني سنوات".
إصرار وشغف
لم تقف التقسيمات الجغرافية أمام شغف الشاب العريفي في جمع المقتنيات من مناطق شتى بنفقة شخصية بحتة؛ وفي هذا السياق، يقول: "بقيت أجمع المقتنيات التراثية القديمة والتاريخية من أماكن ومناطق مختلفة من مالي الخاص، ثم قمت بترتيبها في أماكن خاصة بدقة ومرونة وعناية بالغة، حسب تاريخها وتسلسلها الزمني، دون الخلط بين الواحدة والأخرى، محاولًا من خلال العرض أن تعكس هذه التحف أهميتها وقيمتها عبر إبراز ملامح وتفاصيل وأحداث عاشها البلد على مر العصور".
مشيرًا إلى أنّ المتحف الذي يملكه يحتوي على مجموعة نادرة تم صيانتها وصناعة البعض منها في مركز المظفر للحرف اليدوية، الذي يشغل مديره العام.
يستطرد العريفي: "بحكم خبرتي في صناعة الفضة والحلي والمقتنيات الفضية، التي كانت لوقت قريب -قبل اندلاع الحرب- تمثل مصدر دخل قومي وركيزة اقتصادية هامة، تمكنت من إضفاء بصمة خاصة على المتحف، علاوة على أن المتحف يضم العديد من القطع الأثرية القديمة التي تعود إلى حقب زمنية مختلفة، منها ما صنع في اليمن، ومنها ما تم جلبه من دول أخرى".
مؤكّدًا أن ما يجمعه لا يقتصر على بعض قطع الزينة، إنما يمتد ليشمل كافة الأشياء والأدوات التي كانت متواجدة في منازل اليمنيين قديمًا، والتي كانت تستخدم في مناسباتهم المختلفة، خاصة تلك المتعلقة بهوية التاريخ التعزي.
دكان ثقافي
شكل المتحف الصغير ما يشبه (الدكان الثقافي) الذي يساهم في الحفاظ على التراث الوطني والثقافي لليمن، ونشر الوعي بأهمية المحافظة على العراقة والتاريخ العريق للبلاد.
في هذا الجانب، يتحدث المهندس محبوب الجرادي، مدير مكتب الآثار في تعز، لـ"خيوط"، عن أهمية الحفاظ على التراث الثقافي للمحافظة، ويعرب عن تشجيعه للكوادر التي تحافظ على هذا التراث، متطرقًا إلى أهمية خلق شراكة حقيقية بين الهيئة وبين هذه المبادرات، في سبيل صون التراث، مؤكدًا على أهمية دور القطاع الخاص في هذا المجال وتشجيعه ودعمه لهذه المشاريع الخاصة، خاصة في ظل ما تعيشه البلاد من فوضى واحتراب.
وشدّد الجرادي على أنّ الحفاظ على التراث الثقافي للمدن والمناطق هو أمر ضروري للحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية لهذه المناطق وللبلاد ككل، منبّهًا على أهمية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، في إنشاء مواقع إلكترونية للتراث الثقافي والسياحي، لجذب المزيد من الزوار والمهتمين بهذا المجال.