ماذا قدّم المثقف، الحزب، المتعلم، المدرسة، المسجد، الخطباء؟ لا بد من هذا السؤال، لا بد.
بعد 66 سنة، نجد أولادنا يستعرّون من مجرد أن تتصل بهم أخواتهم البنات! فقط لأنهم رجال، يا مصيبتنا! إذا كانت هذه نتيجة الثورة، فماذا ستكون نتيجة الردّة عنها، أو ما يروّج له: تصحيح مسارها! أيُّ مسار هذا سيصلحه المعوج من أصله! أعرف أنّ كثيرين يمرّون هنا مرور الكرام؛ لأنهم عاجزون عن النقاش في الأمور الجادّة، ولا يزال كثير منهم مثل تلك التي نشرت بناء على رغبة رجالها صورة عمتها التي تُوفيت كما ترون، وكتبت رحمة الله على عمتي التي ترونها في الصورة، لا تدري هنا هل تضحك أو تبكي أو تستقدم الجنون بالرجاء.
ماذا قدّم الصف الكبير لهذه البلاد؟ وبالذات الأحزاب التي ظلت طول أعمارها توزع منشورات؛ أيام العمل السري، وبيانات الإدانة أيام ما تسمى "الديمقراطية"، وأيام اتحاد نساء اليمن التي تجد معظم عضواته تردّدن في الخطاب "نحن المَكْلَف".
المثقّف في هذه البلاد عجيبة من عجائب الدنيا السبع، لا قَدّمَ ولا تَقَدّم، واقف مثل بيت الوقف، لا فهم الواقع وبدأ يعمل على تغييره وبما يناسب معطياته، ولا قدر أن يُعَرِّف نفسه، وهنا المصيبة
تتمنى أن يقدم أي حزب وبجرأة كشفًا بالحساب، يجيب عن السؤال المهم: ماذا قدمنا كحزب؟ هل ساهمنا في حل معضلة الأمية - الجهل - الصحة - الثقافة؟
في كل مناحي الحياة، للأسف فاقد الشيء لا يعطيه، في الأحزاب، يسارية وقومية، ظلت وإلى اللحظة حبيسة القوالب الجامدة، وتمجّد في الماضي الذي لن يعود. وإذا عاد سيعيده رجاله الذين إليه ينتمون وتحت العباءة المغرية دائمًا (الدين).
أحزاب لم تُضِف شيئًا في الواقع غير الشعارات والتنافس على ضمّ المغرر بهم وإلى أين؟ إلى لا شيء.
المثقف في هذه البلاد عجيبة من عجائب الدنيا السبع، لا قَدّمَ ولا تَقَدّمَ، واقف مثل بيت الوقف، لا فهم الواقع وبدأ يعمل على تغييره وبما يناسب معطياته، ولا قدر أن يُعَرِّف نفسه، وهنا المصيبة.
نحن نعيش خواء لا نهاية له، ونلوك ليل نهار شعارات جوفاء لا علاقة لنا بها، وانظر كم عدد الحزبيّين والمتعلمين وبعض من يمكن أن نسمّيهم مثقفين، فقط سنوات من النوم والاسترخاء، وكأنّ هذه البلاد لا تعنيهم.
يكررون أنفسهم، يكررون خلافاتهم، يدورون حول أصنامهم. ليس في الأمر الحكاية إياها "أنت متشائم يا رجل، لا تزرع اليأس في نفوسنا"، يرددون كالببغاء ما هم مقتنعون به؛ أن ليس في الإمكان أحسن ممّا هو كائن.
أنا يائس من الجديد، ربما نعود مثلما كنّا، عبثٌ في كل شيء، لكن دولة وحلم ومستقبل، لا أعتقد.