فازت الكاتبة والروائية الفرنسية آني إرنو (82 عامًا) بجائزة نوبل للأدب لهذا العام 2022، التي تمنحها أكاديمية نوبل السويدية، لتصبح المرأة السابعة عشرة التي تحصل عليها من أصل ما مجموعه 119 فائزًا بفئة الآداب، منذ منح الجائزة للمرة الأولى عام 1901، كما أنّها الفائز الفرنسي السادس عشر في تاريخ نوبل.
لجنة نوبل أكّدت أنه تم اختيار الروائية الفرنسية إرنو، نظرًا لما أظهرته من "شجاعة وبراعة" في "اكتشاف الجذور والبُعد والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية".
واعتبرت إرنو، في تصريحات تلفزيونية، فوزَها بالجائزة بمثابة "شرف كبير"، إضافة إلى كون هذه الشهادة التي نالتها عبارة عن مسؤولية من أجل "الإنصاف والعدالة" فيما يتعلق بالعالم.
وتتسلم الكاتبة الفرنسية جائزة نوبل من الملك كارل السادس عشر غوستاف، خلال احتفال رسمي يقام في ستوكهولم في 10 كانون الأول/ ديسمبر، تزامنًا مع الذكرى السنوية لوفاة العالم ألفرِد نوبل عام 1896، الذي أنشأ الجوائز في وصيته الأخيرة.
وتُعدّ إرنو من الكتّاب والروائيين البارعين في القارة العجوز، ولديها مجموعة مهمّة من الروايات الشهيرة، مثل: (الخزائن الفارغة)، (ما يقولونه أولًا)، (المرأة المتجمدة)، (الحدث)، كما أنّ أغلبها عبارة عن سير ذاتية.
تجربة مميزة وبارعة
بحسب ما نشره كتّاب عنها، فإنّ (آني) أنشأت لنفسها بيئة خاصة بها بعيدة عن بيئة والديها، واستطاعت أن تؤسِّس أدبًا ينبع من ذاتها كعلاج لآلامها وعقدها الدفينة، وهكذا فإنّ أعمالها تبدو وكأنها نوع من السيرة الذاتية.
في عام 1996، كتبت المؤلفة ليندا باريت أوزبورن: "يمكن لعمل آني إرنو أن يثير نفس الاستجابة التي يثيرها بعض الفنّ الحديث لدى المشاهدين؛ نظرًا لأنه يبدو بسيطًا أو مباشرًا في التكوين، إذ ليس من السهل استطاعة أي شخص خلق نفس الأشكال والانطباعات، إضافة إلى قدرتها على تحسين التجربة العادية، وتجريدها من اللامبالاة والاستطراد".
واستوحت إرنو نتاجها من حياتها الشخصية في المقام الأول، وتأرجح بين مواضيع الأسرة، والطبقية، والسياسة، والجندر. وعند إعلان أندرس أولسون، رئيس لجنة نوبل، فوزها الخميس 6 أكتوبر/ تشرين الأول، قال إنّ "عملها لا يقبل المساومة، ومكتوب بلغة سهلة، وواضحة، ونقية".
بحسب أولسون: "عندما تكشف (إرنو) بشجاعة كبيرة وبراعة في المعالجة، عن احتضار تجربة الطبقية، وواصفةً الخزي، والإذلال، والغيرة، أو عدم القدرة على إدراك من أنت- تكون قد حقّقَت أمرًا مثيرًا للإعجاب، ومستدامًا."
وأشارت الأكاديمية السويدية إلى أنّها لم تتمكن من التواصل مع إرنو قبل الكشف عن فوزها، لكنها تأمل أن تكتشف ما حقّقته قريبًا.
وتحدّثت وسائل إعلامية ومنابر ثقافية أوروبية وعالمية بإسهاب عن إرنو، التي تكتب الروايات عن الحياة اليومية في فرنسا، بالإضافة إلى القصص الواقعية، وهي واحدة من أكثر المؤلفين شهرة في بلادها.
وُلدت إرنو عام 1940، ونشأت في بلدة يفيتوت الصغيرة في نورماندي. درست في جامعة روان، ودرست لاحقًا في المدرسة الثانوية. من عام 1977 إلى عام 2000، كانت أستاذة في المركز الوطني للتسمية بالمراسلة، إذ تؤكّد إرنو أنّ "طريقها إلى التأليف كان طويلًا وشاقًّا".
وأصبحت قصة مكان الرجل وقصة المرأة، التي نُشرت في الأصل عام 1988 بالفرنسية، من الكلاسيكيات المعاصرة في فرنسا، كما تصفها صحيفة الغارديان البريطانية. فازت إرنو بجائزة Prix Renaudot في فرنسا عام 2008 عن سيرتها الذاتية The Years، والتي كانت ضمن القائمة المختصرة لجائزة Man Booker International في عام 2019، عندما تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.
وقالت أنكيتا تشاكرابورتي، في صحيفة الغارديان، إنّ كتاب Getting Lost، وهو كتاب يسجل علاقتها المهووسة مع دبلوماسي روسي: "سيصبح نوعًا من الإلهام للعشاق؛ دليل لمساعدتهم في العثور على مركزهم الذي فقدوه في الحب".
وذكرت الـ"واشنطن بوست" الأمريكية أنّ إرنو ابنة أبوين من الطبقة العاملة، نشرت كتابها الأول في العام 1974، "Cleaned Out"، وهو سرد خيالي لإجهاضها. لديها ولدان، وتعيش في سيرجي في الضواحي الشمالية الغربية لباريس. حصلت على العديد من الجوائز الأدبية باللغة الفرنسية، بما في ذلك جائزة "Prix Renaudot".
تيار جديد
في عام 1996، كتبت المؤلفة ليندا باريت أوزبورن: "يمكن لعمل آني إرنو أن يثير نفس الاستجابة التي يثيرها بعض الفنّ الحديث لدى المشاهدين، نظرًا لأنه يبدو بسيطًا أو مباشرًا في التكوين، إذ ليس من السهل استطاعة أي شخص خلق نفس الأشكال والانطباعات، إضافة إلى قدرتها على تحسين التجربة العادية، وتجريدها من اللامبالاة والاستطراد، واختزالها إلى نوع من الأيقونات لروح أواخر القرن العشرين".
ويعتبر كتّاب وأدباء ومثقفون الكاتبةَ الروائية الفرنسية، آني أرنو، من الكاتبات المتميزات بأسلوب خاص تنسج من خلاله مناخًا منفردًا في معركة تخوضها من أجل نفسها.
وتلقي إرنو -التي استطاعت أن تؤسّس لتيار جديد في الرواية الفرنسية، بالرغم من تأثرها بالروائية الشهيرة سيمون دي بوفوار- بأعباء نفسها على الورق في أسلوب يشعر فيه القارئ بمشاركة وجدانية ليست قائمة على أسلوب المتعة الروائية، بقدر ما هو إحساس بالتعاطف والمشاركة في البحث عن المعاني الإنسانية للتخلص من الألم الذي يرهق الروح ويؤلمها.
وتأصّلت في داخلها تجربتها الشخصية المستوحاة من الشعور بالذنب الذي أصابها وظلَّ يلازمها طيلة سنوات حياتها في عملية الإجهاض غير الشرعي الذي تعرّضت له وهي في العشرين من عمرها، وفي هذا الأمر شعرت بقسوة واضطهاد لا مثيل لهما جسّدتهما في روايتها (الحدث)، التي وصفت فيها كيف أنّ ذلك يترك المرأة فريسة للألم الجسدي والروحي.
الروائي اليمني المقيم في فرنسا، حبيب عبدالرب السروري، كتب في صفحته على الفيس بوك، بعد وقت قصير من إعلان فوزها، عن تأثيرها الأدبي في تجربته السردية: "عبرتُ عن سروري الصادق؛ كونها من أول من قرأتُ له بالفرنسية. أدبها (تخييل ذاتي: يعني خلطة من السيرة الذاتية والتخييل) في منتهى الروعة، مرتبط بقضايا المجتمع كثيرًا. أثر عليّ كثيرًا في بداياتي. ثم هي إنسانة يسارية، ذات مواقف رائعة ضد العنصرية، مع قضية الشعب الفلسطيني، (وبالمصادفة هي من مواليد مدينة قريبة جدًّا لسكني، درستْ في الجامعة نفسها التي درستُ فيها، لكن قبل حوالي ٢٠ سنة منّي!)".