إبراهيم جلال(*)
ترجمة: عبدالله قائد
لطالما ظلت محافظة حضرموت (شرق اليمن) تتمتع بهُوية محلية متميزة، وقد أكّدت الخطوات الأخيرة، بما في ذلك التوقيع على ميثاق الشرف الحضرمي وتشكيل مجلس حضرموت الوطني، تطلعات الحضارم نحو مزيدٍ من التمكين والحكم الذاتي، في وقتٍ يتزايد فيه التنافس والتسابق، محليًّا وإقليميًّا.
في تاريخ 28 نوفمبر 2023، أعلن رئيس اللجنة التأسيسية لمجلس حضرموت الوطني، بدر باسلمة، عن خطوة مهمة تم إحرازها قُدمًا بتشكيل هيئة رئاسة للمجلس من 23 شخصًا، واستكمال الوثائق التنظيمية الداخلية.
وأتى ذلك بعد ما يقرب من خمسة أشهر من اختتام المحادثات الحضرمية الداخلية في الرياض في شهر يونيو 2023، عندما أعلنت مجموعة من الشخصيات المحلية البارزة عن ميثاق شرف حضرمي لدعم التطلعات المحلية، وأعلنت عن نيتها إنشاء مجلس حضرموت الوطني. واستمرت محادثات الرياض، التي عُقدت بناءً على دعوة سعودية، مدة شهر تقريبًا، وامتدت من أواخر شهر مايو إلى أواخر شهر يونيو، وضمّت سياسيين حضرميين ومسؤولين عسكريين ومثقفين وشيوخ عشائر وشخصيات اجتماعية.
وبالرغم من أنّ هذه التحركات الأخيرة، تؤكّد تطلعات الحضارم للتمكين تحت شعار "حضرموت أولًا"، فإن الجهود المبذولة لإنشاء منبر لتكتل محلي، تأتي على خلفية المنافسة المتزايدة من المشروع الانفصالي للمجلس الانتقالي الجنوبي، واتساع الشقة بين الرؤى والطموحات السعودية والإماراتية.
حضرموت أولًا
منح ميثاق الشرف الحضرمي الصادر في يونيو 2023، ووقعته 86 شخصية، الأولويةَ لـ"المصالح العليا لحضرموت"، فوق المصالح الفئوية والسياسية والشخصية. وتضمّن تكليفَ لجنة، برئاسة وزير النقل السابق باسلمة، بصياغة القانون الأساسي وتطوير هيكل داخلي في غضون شهرين. وشدّد الميثاق على أهمية تماسك ووحدة صنع القرار الحضرمي.
وفي حين أنّ إنشاء مجلس حضرموت الوطني لا يحل محل الحركات الحضرمية الحالية، بل يسعى بدلًا من ذلك إلى أن يكون بمثابة مظلة تنسيقية للطموحات الحضرمية، فإنّ الاستقالة الفورية للشيخ عمرو بن حبريش، رئيس مؤتمر حضرموت الجامع، من هيئة الرئاسة، تشير إلى الحاجة إلى إجراء محادثات منتظمة لتأمين قَبولٍ محليّ أكبر. ومن بين صفوف مجلس حضرموت الوطني، مسؤولون سابقون دائمون (مثل سعد الدين بن طالب)، وشيوخ نافذون (مثل الشيخ يحيى باجيري)، وأكاديميون (مثل عبدالقادر بايزيد، وفهمي فرارة).
تنبع أهمية حضرموت من أسسها الثقافية والتاريخية والاقتصادية والجغرافية الغنية. كانت المنطقة موطنًا لدولٍ مستقلة في الماضي، مثل مملكة حضرموت (استمرت من 1100 قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي)، وفي العصر الحديث هي أكبر محافظة، ليس فقط في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) بل وأيضًا في الجمهورية اليمنية الموحدة. تمثل المحافظة أكثر من ثلث أراضي الجمهورية (36٪)، وتشترك في أكثر من 600 كيلومتر من الحدود مع المملكة العربية السعودية، وكانت أكبر منتِج للنفط في البلاد منذ الاكتشافات الإضافية في تسعينيات القرن العشرين.
تقف حضرموت على مفترق طرق، عالقة بين المشاريع السياسية المتنافسة، بما في ذلك محاولة المجلس الانتقالي الجنوبي للانفصال، والفيدرالية غير المكتملة للحكومة اليمنية، ودولة الحوثيين الوحدوية المتخلفة الطامعة باستخراج المعادن.
السياق والدوافع
تشكّلَ مجلسُ حضرموت الوطني على خلفية المنافسة والخصومة المتزايدة على المستويين الإقليمي والمحلي. إقليميًّا، لا تعكس تحركات المملكة العربية السعودية الأخيرة في شرق اليمن، سياستها طويلة الأمد تجاه حضرموت فحسب، بل تعكس أيضًا الانقسام السعودي الإماراتي حول عددٍ من الملفات الرئيسية، بما في ذلك اليمن. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يعدّ الحفاظ على مجال نفوذ لها عبر حدودها المشتركة الطويلة مع حضرموت ضرورة استراتيجية، تتشكّل أهميتها من خلال الجغرافيا، والعمق الاستراتيجي، والعلاقات بين الشعبين، والثقافة، والتاريخ، والتجارة، والجغرافيا السياسية.
أما على الصعيد المحلي، فيتمتع الحضارم بشعور قويّ بالهُوية المحلية وتطلعات، على الأقل، إلى الحكم الذاتي خارج الهيكل الحالي للدولة، سواء هيكلها في الوقت الحاضر أو السابق في ظل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. إنّ إعلان مجلس حضرموت الوطني -الذي يهدف إلى توحيد مجموعة واسعة من الحركات الحضرمية التي تدافع، على الأقل، عن قدر أكبر من الحكم الذاتي وحصة عادلة من الموارد والسلطة - جاء في وقت يوسع فيه المجلس الانتقالي الجنوبي وجوده ونفوذه.
داخليًّا، يشير تشكيل مجلس حضرموت الوطني إلى استياء متزايد من تطلعات المجلس الانتقالي الجنوبي للتوسع شرقًا، فضلًا عن مشروعه الانفصالي الأوسع، الذي يهدف إلى استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على طول حدود 1967-1990. كما تستند المطالب الحضرمية بمزيد من الحكم الذاتي وتقاسم السلطة وتوزيع الثروة بشكل عادل، إلى مظالم تاريخية طويلة الأمد، سواء في ظل الجمهورية الحالية أو قبل وأثناء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وقد تعاظمت هذه العوامل من خلال أربعة مسببات رئيسية حديثة، هي: أولًا، النهج المعتمد في الحوار الجنوبي-الجنوبي الذي يقوده المجلس الانتقالي. ثانيًا، وصول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وهو أيضًا عضو في مجلس القيادة الرئاسي، في موكب عسكري كبير، إلى المكلا في 18 مايو 2023. ثالثًا: قرار عقد الدورة السادسة لجمعية المجلس الانتقالي الجنوبي في المكلا، بغض النظر عن مستوى القبول. ورابعًا، نشر الجماعات المسلحة الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي على طول ساحل حضرموت وفي الوادي. وقد أحيت هذه الأخيرة على وجه الخصوص، مشاعر انعدام الأمن والمظالم القديمة في أقصى شرق حضرموت حول قضايا مثل العنف السياسي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو تأميم رؤوس الأموال. أدّت الاحتجاجات والتعبئة الصغيرة الأخيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي في المهرة والمكلا وسيئون، فضلًا عن الآراء الانتقادية للصحفيين المؤيدين للمجلس الانتقالي الجنوبي، لمجلس حضرموت الوطني، إلى تفاقم الأمور، كما تشير إلى أنه إذا لم تتم معالجة الوضع بعناية من خلال الحوار، فلا يمكن استبعاد التصعيد العسكري.
يبحث جزءٌ كبير من الحضارم الآن، عن بديل ليس فقط للانفصال، بل أيضًا للشكل الوحدوي للدولة الذي أراد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي معالجته في عام 2014 من خلال اعتماد الفيدرالية. بعبارة أخرى؛ تقف حضرموت على مفترق طرق، عالقة بين المشاريع السياسية المتنافسة، بما في ذلك محاولة المجلس الانتقالي الجنوبي للانفصال، والفيدرالية غير المكتملة للحكومة اليمنية، ودولة الحوثيين الوحدوية المتخلفة الطامعة باستخراج المعادن. وتجدر الإشارة إلى أنّ قوات النخبة الحضرمية ومحافظة حضرموت تحت إشراف البحسني، تجنّبت الدخول في صراعات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي في عامي 2019 و2020، بما فيها عندما أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارةَ الذاتية قبل انضمام البحسني إلى صفوفه نائبًا للرئيس.
ووسط الاستقطاب المتزايد، التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، شخصيات حضرمية في أواخر شهر يونيو 2023 في الرياض، الذين -على حدّ تعبيره- "يجسدون روح المسؤولية في إبعاد محافظتهم والمناطق المحررة عن أي صراعات"، قبل أن يزور المحافظة بعد بضعة أيام لإظهار الدعم. ثم أعلن العليمي دعمَه للحكم الذاتي في حضرموت –وهو جهد قال إنه يأمل أن يكون "نموذجًا تجريبيًّا للامركزية"– وقدم حزمة من المشاريع والبرامج بقيمة (1.2) مليار ريال سعودي (320 مليون دولار)، بدعم من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
خارجيًّا، جاءت محادثات الرياض التي استضافتها السعودية منتصف عام 2023، وسط انقسام سعودي إماراتي متزايد حول العديد من الملفات الإقليمية، بما في ذلك اليمن. يبدو أنّ تحول المملكة العربية السعودية إلى دعم المجالس المحلية هو محاولة لتطوير جيوب دعم وإعادة تشكيل توازن القوى، والترجيح ضد التطورات غير المواتية المحتملة. نظرًا لقرب المملكة العربية السعودية الجغرافي، والعلاقات العميقة بين الشعبين، والمصالح الجيوسياسية، حاولت الرياض تقليص نفوذ أبو ظبي المتنامي والمشروع الانفصالي الذي يدافع عنه المجلس الانتقالي الجنوبي، وقد أوضح ذلك الإعلانُ عن مجلس حضرموت الوطني في نوفمبر، الذي وضع علم الجمهورية خلف المنصة، وكذلك محاولات إعادة الانتشار التدريجي لقوات درع الوطن المدعومة من السعودية في حضرموت.
على المجلس الانتقالي أن يتجنب المضيّ قُدمًا في التوسع العسكري إلى حضرموت وإثارة مظالم الماضي، فضلًا عن حقيقة أنّ فشله في تطوير نموذج للأمن وتقديم الخدمات في عدن، أثار تساؤلات حول ما يمكن أن يقدّمه للجمهور في حضرموت، حتى مع الأخذ في الاعتبار التفاوت في الموارد.
ماذا بعد؟
في حين أنّ الدوافع النهائية لمجلس حضرموت الوطني واستراتيجيته ورؤيته، لم تتضح بعد، فإنه من المأمول أن تظهر كمظلة شاملة للتنسيق بين الحركات الحضرمية، على عكس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي حاول توحيد مجموعة واسعة من الكيانات الجنوبية تحت قيادته.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الأموال الحضرمية أو السعودية ستمول مجلس حضرموت الوطني، وما إذا كان سيصبح كيانًا سياسيًّا سلميًّا أو سيكون له جناح عسكري، نظرًا للطبيعة الهجينة للمشاريع السياسية الأخرى في جميع أنحاء البلاد. كما أنّه من غير الواضح، نظرًا لتعدّد الحركات الاجتماعية والسياسية الحضرمية، كيف ستؤدّي الشخصيات العامة التي تنتمي إلى أكثر من حركة واحدة منها أدوارَها ومسؤولياتها، فضلًا عن كيفية تنسيق مجلس حضرموت الوطني بين مختلف الحركات، شريطة أن يكون هناك قبول كافٍ، بما في ذلك مع القيادة العليا لمؤتمر حضرموت الجامع. وفي حين أن مستوى الدعم الشعبي لمجلس حضرموت الوطني لم يتضح بعد، فإنّ المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يضم الآن ما لا يقل عن 26 مجموعة عضوة، بما في ذلك حركتا البيض وباعوم الجنوبيتان، يراقب التطورات بحذر، ويقيّم الآثار المترتبة عليها، وربما يعيد ضبط نهجه.
ولهذا المشهد المعقد العديدُ من الآثار على حضرموت وخارجها؛ أولًا، سيتعين على الحضرميين اجتياز مرحلة التوحد، نظرًا إلى درجة المنافسة والإغراء الاقتصادي، على الصعيدين المحلي والإقليمي. ثانيًا، هناك حاجة ماسة إلى مراقبة مسببات الصراع عن كثب، ومتطلبات خفض التصعيد، وإعادة الانتشار العسكري لتطوير آليات الإنذار المبكر وتجنب الصراع للحفاظ على السلام والاستقرار محليًّا. ثالثًا، لا ينبغي الاستهانة بالمجلس الانتقالي، نظرًا لأهدافه وسعيه إلى النفوذ.
يجب على الانتقالي أن يتجنّب المُضيّ قُدمًا في التوسع العسكري إلى حضرموت وإثارة مظالم الماضي، القديمة والحديثة على حدٍّ سواء، خشية أن يخاطر بخسارة المعركة في كسب قلوب وعقول السكان المحليين، فضلًا عن حقيقة أنّ فشله في تطوير نموذج للأمن وتقديم الخدمات في عدن، أثار تساؤلات حول ما يمكن أن يقدمه للجمهور في حضرموت، حتى مع الأخذ في الاعتبار التفاوت في الموارد. رابعًا، لكي يضمن الحضرميون تمثيلهم في أي عملية سلام شاملة، ينبغي عليهم أولًا أن يهدفوا إلى تعزيز مجلس حضرموت الوطني كمظلة تنسيقية -أو أي بديل توافقي آخر- من خلال الحصول على تأييد غالبية الحركات الحضرمية الرئيسية. خامسًا، إنشاء مجالس محلية، كما يتضح من إعلان المجلس الشرقي في يناير 2024، من المرجح أن يؤدّي إلى تركيز أكبر على السياسات القائمة على الهوية والجهود المبذولة لضمان الوصول الأكثر عدالة إلى الفرص والثروة والسلطة. ومع ذلك، فبالنسبة للحضارم، سيكون الاختبار المهم هو حول ما إذا كان مجلس حضرموت الوطني خطوة استراتيجية واستباقية أم ردّة فعل في ظلّ التنافس المحلي والإقليمي المتنامي.
المادة موجودة على الرابط:
https://www.mei.edu/publications/hadramawt-national-council-strategic-move-or-tactical-reaction
________
* إبراهيم جلال، باحث واستشاريّ في معهد الشرق الأوسط الأمريكي، متخصص باليمن والشرق الأوسط.