يتجه المواطنون في أحياء مدينة إب إلى سوق الخضروات يوميًّا، لابتياع ما لزم من الخضار، لكنهم غالبًا ما يتجاوزون المحاصيل المزروعة في منطقة "ميتم"، حسب إفادة المواطن رشيد إسماعيل (50 عامًا) الذي يتجنب شراء البطاطس والملفوف والخس والطماطم، وغيرها من المحاصيل القادمة من هذه المنطقة؛ خوفًا من مخاطر تناولها، بسبب ريّها بمياه الصرف الصحي المتجمّع في سائلة ميتم المجاورة لمحطة معالجة الصرف الصحي.
تعدّ مشكلة تجمع مياه المجاري واحدة من التحديات البيئية والصحية التي تواجهها المناطق الحضرية في اليمن. واحدة من هذه المناطق هي وادي ميتم الواقعة على بعد 8 كيلومترات شرق مدينة إب، حيث يشهد تجمّعًا كبيرًا لمياه المجاري الناجمة عن النشاطات البشرية في المحافظة؛ بسبب قربة من محطة معالجة مياه الصرف الصحي، الأمر الذي يتسبب بالعديد من الأضرار على المستوى البيئي والصحي للمنطقة وسكان الحي.
معالجة ناقصة
تميز وادي ميتم بالطبيعة الخلابة، حيث يمر الوادي عبر مناطق زراعية مهمّة في المحافظة، ويعتبر مصدرًا رئيسيًّا للمياه والري في المنطقة، ويوجد العديد من الآبار والمزارع المروية بمياهه، إلّا أنّ محطة معالجة مياه الصرف الصحي تقع أسفل الوادي، تحديدًا في قرية "ذي الشاط"، التي تستقبل مياه الصرف الصحي من المديريات والعُزل القريبة من مدينة إب، ويتم استقبالها ومعالجتها في محطة المعالَجة، التي تعاني من تدهور وحدة المعالجة بسبب تركيبها قبل 32 عامًا، حيث لم يكن هناك أي إعادة تأهيل أو ترقية لمرفق المعالج هذا، منذ بَدء تشغيله، حسب عمر عبدالله، المهندس في مؤسسة المياه والصرف الصحي بمحافظة إب.
استقبل مركز الوئام الطبي في منطقة "ميتم" خلال السنوات الأخيرة، حالات عديدة تعاني من الإسهالات الشديدة، بما يقارب 50% من إجمالي الحالات التي استقبلها هذا المركز الطبي، التي قد تتطور إلى الفشل الكلوي وتعطُّل وظائف الكبد، فالمنطقة أصبحت غير آمنة؛ بسبب مياه الأمطار التي تنجرف إلى سائلة ميتم وتسحب معها مياه الصرف الصحي المتجمعة.
يضيف عبدالله، لـ"خيوط"، أنّ محطة المعالجة تستقبل 23000 متر مكعب يوميًّا، بينما ما يتم معالجته لا يتعدَّى 4000 متر مكعب، وهي كمية قليلة جدًّا مقارنةً بالكمية التي تستقبلها المحطة، نظرًا لزيادة كميات الصرف الصحي المتجمعة، التي تفوق الطاقة الاستيعابية للمحطة؛ ما ينتج عنها معالجة غير مكتملة، وأعقب أنّ لدى المؤسسة خططًا ومشاريع لتوسعة المحطة وحل المشكلة .
أوبئة مزدوجة
يعيش نذير الجماعي (30 عامًا)، بأحد المنازل القريبة من محطة المعالجة، حيث يصف في حديثه لـ"خيوط"، خُضرةَ المنطقة المجاورة للمحطة على مدار السنة وكأنها مسقاة من بئر، معللًا ذلك بأنّ المزارعين يقومون بري الأراضي الزراعية من مياه الصرف الصحي المتجمّع بماكينات شفط، غالبًا، رغم محاربتهم هذا الأمر ورفع الشكاوى للسلطة المحلية التي لم تصدر منها استجابة .
يؤدّي تجمع مياه المجاري في وادي ميتم، إلى تلوث المياه الجوفية والسطحية؛ مما يؤثر سلبًا على جودة المياه ويعرّض السكان المعتمدين على هذه المياه للخطر الصحي، ويؤكد الطبيب عبدالحكيم الضاوي في ميتم، لـ"خيوط"، أنّ الحالات التي يستقبلها غالبًا تتوزع بين "إسهالات" وحُمَّى وملاريا وأميبيا، وأنواع من البكتيريا والطفح الجلدي.
في حين قد يتعرض شخص لجرح عادي، لكن عند تعرضه للمياه الملوثة يزداد الوضع سوءًا، وفق الدكتور الضاوي، ويعد سكان المنازل القريبة من السائلة الأكثرَ ضررًا ونقلًا للأمراض المعدية والتقاطها، حتى بمجرد ملامسة المياه الملوثة، إذ يعد ذلك عاملًا للإصابة بأمراض خطيرة، كالتيفوئيد والكوليرا.
استقبل مركز الوئام الطبي في منطقة "ميتم" خلال السنوات الأخيرة، حالات عديدة تعاني من الإسهالات الشديدة بما يقارب 50% من إجمالي الحالات التي استقبلها هذا المركز الطبي، والتي قد تتطور إلى الفشل الكلوي وتعطُّل وظائف الكبد، ويؤكد بكر السقاف، مدير المركز، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ الحالات أصبحت مزدوجة مؤخرًا، فضلًا عن أن المنطقة أصبحت غير آمنة؛ بسبب مياه الأمطار التي تنجرف إلى سائلة ميتم وتسحب معها مياه الصرف الصحي المتجمّعة في محطة المعالجة، في الوقت الذي يعتمد فيه أهالي المنطقة والمزارعين عليها.
يتابع: "إنّ الآبار التي على يمين ويسار السائلة بمسافة 100 و200 متر، وهي مسافة قريبة، يجعلها تختلط بمياه السائلة الملوثة، منوهًا أنّ الوضع بات يتطلب تكاتفًا وحلًّا جذريًّا من الجهات الحكومية المعنية، وتوعية المواطنين والمزارعين، خصوصًا أنّ المحاصيل المروية بالمياه الملوثة تعدّ سببًا لانتشار السرطانات".
مخاطر بيئية
لم تعد تقتصر المشكلة على موسم الأمطار أو غيره، ففي فصل الشتاء تجف مياه الآبار فيلجأ سكان ومزارعي ميتم إلى المياه الملوثة، بينما في فصل الصيف وموسم الأمطار تختلط الآبار ومياه الأمطار المتجمّعة مع مياه الصرف الصحي.
يصل مدى المشكلة الناتجة عن تجمع مياه الصرف الصحي، إلى النباتات والمحاصيل الموجودة في الوادي، ويمكن أن يؤدّي التلوث الناجم عن المواد الكيميائية الموجودة في المياه الملوثة إلى تدهور التنوع البيولوجي في المنطقة، ويشكّل مخاطر على الأراضي الزراعية، حيث إنّ المواد الكيميائية الموجودة في المياه، تُتلِف النباتات.
تؤدي كذلك -حسب إفادة المهندس الزراعي عبدالحكيم المفتي- إلى تدهور الإنتاج الزراعي، فهي عناصر ثقيلة تتراكم في التربة والمياه الجوفية، وتدهور خصوبة التربة على المدى البعيد، إضافة إلى مخاطر وتأثيرات استخدام المياه غير المعالَجة في الري، على الإنسان والحيوان والتربة والمحاصيل الزراعية، خاصة تلك التي ثمارها المأكولة تحت التربة، مثل البطاطس، إضافة إلى أنّ المياه الملوثة تؤثر على خواص التربة الكيميائية والفيزيائية، ومن ثَمّ تؤثر على اكتساب النباتات العناصرَ الغذائية اللازمة؛ مما يؤثر على جودة المحاصيل، إذ يؤكّد المفتي أنه لَطالما تم إرشاد وتوعية المزارعين بحملات توعية من مكتب الزراعة بخطورة الري بالمياه الملوثة، لكن دون جدوى وشعور بالمسؤولية.
يعدّ وادي ميتم أحد أهم المناطق الزراعية الرئيسية في المدينة، ومع ندرة المياه وارتفاع التكاليف، لجأ بعض المزارعين إلى استخدام مياه الصرف الصحي لري محاصيلهم الزراعية، لقرب محطة المعالجة منهم. يقول محمد الغيثي، أحد مزارعي الوادي، لـ"خيوط"، إنه وغيره من المزارعين يسقون الأراضي الزراعية، سواء "القات" أو الخضروات، من مياه محطة المعالجة باستخدام "مولد شفط"، مضيفًا: "حتى لو تلقينا توعية وإرشادات أحيانًا، نحن مضطرون بسبب عدم توفر المياه الصالحة للري".
ويوضح الغيثي: "نحن لا نحتال على المواطنين، فهم يعرفون أنّ هذا "القات" أو البطاطس أو غيره، تم تسقيته من مياه المجاري، لكننا نريد أن نعيش ونسترزق من أراضينا، فالحياة أصبحت صعبة".
توصيات وحلول
مصدر في مؤسسة المياه والصرف الصحي -تحفظ عن ذكر اسمه- يوضح لـ"خيوط" دورَ المؤسسة وواجبها في حل المشكلة، بالقول إنّ هناك مشاريع نُفِّذت خلال العامين السابقين، كثيرٌ منها حلت مشكلة التلوث، كما في سائلة "قحزة" مثلًا، مؤكدًا أنّ عملية الري بمياه المجاري لدى المزارعين، خفت كثيرًا مقارنة بالسنوات الماضية.
ينطوي تجمع مياه الصرف الصحي في سائلة ميتم واختلاطها بالمياه النقية، على مخاطر صحية وبيئية خطيرة؛ الأمر الذي يتطلب وعي وتكاتف وتعاون كافة الجهات الرسمية والشعبية لإنهاء المشكلة تمامًا، وتعاون كافة الجهات، والإعلاميين والباحثين والأكاديميين، لشرح وتوضيح المشكلة وأخطارها.
إضافة إلى أنّ محطة المعالجة لا تعاني من أي تلوث، ويُرجع هذا المصدر التلوثَ الحاصل في السائلة إلى الشبكات العشوائية التي تُربط (يتم إيصالها) إلى السائلة؛ نظرًا لعدم وجود مناسيب (موصّلات حديدية تستخدم في السباكة) تصل إلى محطة المعالجة، مثل الجهة الشمالية من الوادي، أما المياه الملوثة القادمة من المدينة والمربوطة للمحطة فيتم معالجتها يوميًّا، في الوقت الذي تعمل فيه المحطة نحو 24 ساعة بالمولدات، حيث تعمل المؤسسة على مشاريع معتمدة من منظمة "اليونبس"، من ضمنها تشغيل المحطة بالطاقة الشمسية .
يضيف المصدر أنّ الأمر يتطلب وعي وتكاتف وتعاون كافة الجهات الرسمية والشعبية لإنهاء المشكلة تمامًا، خصوصًا أنّ مؤسسة المياه ليست المرجع الوحيد لحل المشكلة، وليست السبب في قطع أرزاق المزارعين.
كما تقتضي الأهمية تعاون كافة الجهات، والإعلاميين والباحثين والأكاديميين، لشرح وتوضيح المشكلة وأخطارها، وتحمل جميع الأطراف المعنية المشاركة في صياغة الحلول والمشاريع بحسب طبيعة عمل كل جهة، أما ما يتعلق بتوعية المزارعين وملاحقتهم، فقد اتُّخِذت تجاههم -وفق هذا المصدر المسؤول- كافة الإجراءات، حيث رفعت المؤسسة للجهات الأمنية والسلطة المحلية بالمخالفين، وأحيل بعضهم إلى النيابة العامة، وتم ضبط بعضهم الآخر، لكنهم يعودون إلى استخدام المجاري للري .
بدوره، يوضح مدير مكتب الأشغال والطرق في المنطقة الثانية، "أبا ذر محمد"، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ صحة البيئة في مكتب الأشغال ليست معنية بمشكلة تجمع مياه الصرف الصحي في سائلة ميتم، فدورها يتمثل في منع ري المحاصيل، كالبطاطس والكوسة والبصل وغيرها في "ميتم"، من المياه الملوثة، لافتًا إلى قيامهم بحملات عدة للتوعية.
ينطوي تجمع مياه الصرف الصحي في سائلة ميتم واختلاطها بالمياه النقية، على مخاطر صحية وبيئية خطيرة؛ لذا يتطلب ذلك جهودًا متكاملة من الجهات المعنية، ابتداء من حملات التوعية، وإنشاء محطات معالجة تستوعب الكميات المضاعَفة من الصرف الصحي للمحافظة؛ لحماية صحة الإنسان والبيئة على حد سواء.