قد يكون لديك شبيه في الواقع، وربما رأيت شخصًا ما يُشبهك، أو سمعت من غيرك أنّ هناك شبيهًا لك بشكل كبير، لكن لو قِيل لك إن هناك نظيرًا لك في الشكل والأفعال، لَمَا صدقت واعتبرت ذلك مجرد خيال.
ما قد يبدو خيالًا قد يُصبح حقيقة مستقبلًا مع ما تخطط له شركات التكنولوجيا العملاقة، والتي تتسابق فيما بينها لتطوير ما يُعرف باسم الميتافيرس (Metaverse)، وهو فضاء افتراضي يحاكي واقعنا ليكون لكل شيء فيه توْءَم رقمي، سواء أكان شخصًا أم مؤسسة أم شيئًا آخر.
بدأت هذه التوائم مجرد نماذج حاسوبية متطورة ثلاثية الأبعاد، ثم أصبحت بفضل الذكاء الاصطناعي والجيل الجديد من الإنترنت أكثر تطورًا ومحاكاة، ما يمكّنها من ربط الأشياء المادية بالشبكة الرقمية.
التغيير الكبير
لكن رغم هذه القفزة التقنية، فإن التوائم الرقمية التي تحاكي البشر لا تزال منخفضة الدقة، بسبب أنها تحتاج لقدر هائل من المعلومات الخاصة بتفضيلات الفرد وسلوكه وكل ما يتعلق بخياراته، فضلًا عن بيئته المادية والاجتماعية التي تساعد جميعها في تقديم استنتاجات صحيحة.
وبالتالي، فإنّ الوصول لمرحلة توائم رقمية حقيقية قد لا يكون ممكنًا إلا قبل نهاية العقد الحالي، بحسب خبراء التكنولوجيا.
ووفقًا لتوقعات المختصين، فإنّ التغيير الذي ستحدثه هذه التقنية الجديدة سيكون كبيرًا على حياتنا، إذ سيكون بمقدور المستخدمين الذين يرتدون نظاراتهم الافتراضية حضور الحفلات الموسيقية أو اجتماعات العمل أو الذهاب في رحلة ترفيهية إلى مدينة يحبونها، أو التسوق للبحث عن احتياجاتهم المختلفة.
سهولة التعلم
ويلفت مصطفى خالد، صانع محتوى رقمي، إلى الفوائد المتوقعة للميتافيرس على التعليم، في حديث لـ"خيوط"، قائلًا: "من المرجح أن يتيح الميتافيرس تقنية تدعم التعليم، حيث من الممكن دمج الجانب العملي والنظري معًا، إذ سيكون بإمكان الطالب -على سبيل المثال- أن يرى أحداثًا كبيرة في دروس التاريخ من خلال نماذج تتيحها له تلك التقنية أثناء ارتدائه نظارة الواقع الافتراضي، وتتيح للمعلم اختيار البيئة التعليمية الجاذبة للطلبة".
ويضيف أنّ هذه التقنية تتميز بسهولة الاتصال والتواصل والتفاعل بين المعلم وتلاميذه، حيث سيكون التعلم عن بُعد، كأنه يدار في الفصل الدراسي ذاته للجميع.
تطور التجارة
وفي مجال التجارة، يمكن أن تتحول المواقع الإلكترونية لمبيعات التجزئة من صفحات ويب إلى مراكز تسوق افتراضية ثلاثية الأبعاد، يستوقفك عند بواباتها مرشد يدلك لجناح السلع المرغوبة، ويقدم لك النُّصح إذا رغبت.
وتشير دراسة أعدتها شركة ديلويت للاستشارات عن الميتافيرس، وإمكانياته المحتملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أنه يمكن أن يساهم في تحقيق أكثر من 50 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بحلول سنة 2035.
إنترنت ذكي
من جانبها، تقول سيدة الأعمال، صباح الفقيه لـ"خيوط": "الميتافيرس هو الإنترنت المقبل الذي سوف يتميز بأدوات حديثة وتقنيات تجعل الإنترنت أكثر ذكاء وأكثر فاعلية، مثل البلوكشين والعقود الذكية والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي"، مشيرة إلى أنه سيكون هناك تطبيقات متطورة وخدمات جديدة ستغير طريقة تفاعلنا مع الأشياء.
وتضيف الفقيه، وهي من كبار المسوقين في منصة (ذا فيو)، في حديث لـ"خيوط"، أنه "منذ عقود حتى الآن، ونحن نساهم في تطوير عالم جديد يسمى (الميتافيرس) الذي صنعته عقول البشر، والذي سيحوّل بدوه الواقعَ إلى خيال والعكس، حيث يتفاعل البشر بعضهم مع بعض في فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد مشابه للعالم الحقيقي، وسيكون بمقدور المرء التنقل في هيئة شخصية رقمية".
ويُتوقع أن تفضي خطط تطوير (الميتافيرس) إلى جعل تنظيم الاجتماعات واللقاءات أكثر سهولة وفاعلية مما هي عليه اليوم في تطبيقات التقنية الحالية، حيث سيكون بمقدور ممثلي الشركات أو المؤسسات، اللقاء والاجتماع في قاعات افتراضية، مع إمكانية استخدام تقنية الهولوغرام مستقبلًا، ما يتيح الاستغناء عن نظارات الواقع الافتراضي.
موجة المستقبل
وبحسب حديث سيدة الأعمال اللبنانية، هبة الحايك، لـ"خيوط"، فإن الميتافيرس قد يحل محل الهواتف النقالة، إذ سيكون العالم داخل الإنترنت وليس خارجه. ندرس افتراضيًّا، نسافر افتراضيًّا، نشتري أراضيَ افتراضيًّا، ونقوم بالاجتماعات افتراضيًّا، وحتى حفلات الزفاف ستقام افتراضيًّا.
من ناحيتها، تقول خلود المحرقي، رسامة ومنتجة أفلام رقمية، لـ"خيوط": "لا يمكن أن يعيش اليمن بمعزل عن هذه التطورات، قد يتأخر في الانضمام لهذا العالم المتسارع في التطور، لكنه حتمًا سيكون جزءًا منه".
ولفتت المحرقي الانتباه إلى السلبيات التي ستصاحب الانتقال لعالم الميتافيرس، وعلى رأس هذه السلبيات تعزيز العزلة الاجتماعية، وتنمية العنف، والبقاء تحت رحمة الشبكة العنكبوتية، أمر حذّر منه علماء الاجتماع وعلم النفس والتكنولوجيا.
-____________________________