تأثير الحرب على الصحة النفسية في تعز لا يمكن تجاهله. فإن الكثير من السكان هناك يواجهون مشاكل نفسية خطيرة، مثل الاكتئاب، والقلق، نتيجة فقدان الأحباء، أو فقدان الممتلكات. في حين تؤدي الظروف الاقتصادية السيئة إلى زيادة معدلات الاضطرابات النفسية.
تعتبر الصحة النفسية من القضايا الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر على الأفراد والمجتمعات، خاصة في بلد مثل اليمن، حيث النزاع المستمر وتدهور الظروف الحياتية. إذ تعد الحروب والأحداث المؤلمة جزءًا من الحياة اليومية، مما يؤثر سلبًا على نفسية السكان، خاصة الفئات الأكثر ضعفًا مثل النساء والأطفال.
سنستعرض في هذا التقرير الأثر العميق لهذه الأوضاع على الصحة النفسية في تعز، وسنستند إلى تصريحات عدد من المختصين في المجال النفسي.
تأثير النزاعات
تؤكد شيماء العز، أخصائية نفسية، لخيوط أن "الحرب في تعز تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للمواطنين، خصوصًا الفئات الأكثر ضعفًا مثل النساء والأطفال." إذ تعاني هذه الفئات من زيادة مستويات التوتر والقلق نتيجة للضغوط النفسية الناجمة عن فقدان الأهل والنزوح. كما تشير إلى أن "الصدمات النفسية الناتجة عن التجارب الصعبة، مثل مشاهد العنف، تؤدي إلى ظهور أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة."
ويوضح منصور العامري من ناحيته، وهو أستاذ في قسم علم النفس في جامعة تعز، لخيوط أن "الحروب والكوارث تؤثر بشكل كبير جدًا على نفسية الفرد، لأنه هو اللبنة الأساسية في هذا المجتمع." ويضيف أن "كل حدث يحدث على مستوى المجتمع يؤثر به تأثيرًا مباشرًا." وهذا يبرز أهمية فهم العلاقة بين الأحداث المجتمعية وتأثيرها على الصحة النفسية للأفراد.
تعتب الصحة النفسية في مدينة تعز قضية معقدة تتطلب اهتمامًا خاصًا من جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومة، والمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، من خلال تعزيز الوعي،و توفير الدعم النفسي، وتوسيع نطاق الخدمات. إضافة إلى أن العمل على تحسين الصحة النفسية ليس مجرد حاجة إنسانية، بل هو استثمار في صحة المجتمع واستقراره النفسي.
تبرز في مثل هذه الظروف أهمية دور الأسرة والمجتمع، وفق تأكيدات المختصين، خاصة دور الأسرة الذي يجب أن يكون كبيرًا جدًا في احتواء المريض النفسي.
يقول العامري إن المجتمع يجب أن يكون لديه نظرة إيجابية تجاه الصحة النفسية، ويكون على دراية بكيفية التعامل مع الاضطرابات النفسية. وفي الوقت نفسه، تتفق شيماء العز مع هذا الرأي حين تشير إلى أن "العنف الأسري، وتدهور العلاقات الأسرية، يزيدان من الضغوط النفسية، مما يؤدي إلى ضعف الصحة النفسية."
التحديات الرئيسة
تشير البيانات إلى أن تحديات عدة تواجه مدينة تعز في مجال الصحة النفسية. ويفسر العامري هذه التحديات "بالثقافة النفسية الضعيفة لدى المجتمع،" فزيارة طبيب نفسي تُعتبر نوعًا من وصمة العار." هذا ما يؤدي إلى تهميش القضايا النفسية ويعوق الأفراد عن طلب المساعدة.
ويؤكد الصلوي أن عدم تكامل الخدمات أحد أبرز التحديات التي تواجه الفرق العاملة في الصحة النفسية. فقد يحصل المريض على جلسات نفسية في جهة معينة، بينما يحتاج أيضًا إلى دعم اقتصادي واجتماعي. كما يعاني المرضى في المناطق الريفية من صعوبة الوصول إلى خدمات الصحة النفسية المتاحة في المدن، وذلك بسبب تردي الطرق وارتفاع تكاليف السفر. ويشير الصلوي إلى أن النساء والفتيات بشكل خاص يعانين من هذه الصعوبات. فهن يحتجن إلى مرافقين للوصول إلى خدمات الصحة النفسية.
وتعتبر الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض النفسي من أهم التحديات، ذلك أنها تعتبر عائقًا إضافيًا أمام المرضى. ويشير الصلوي إلى أن بعض الأسر تفضل اللجوء إلى الطب الشعبي، أو المشعوذين، بدلاً من البحث عن مساعدة نفسية متخصصة، مما يؤخر تقديم العلاج ويؤدي إلى تفاقم الحالات المرضية. وتوضح شيماء العز أن "الوصمة الاجتماعية تشكل عائقًا كبيرًا أمام المصابين بالأمراض النفسية. ذلك أن المجتمع يتعامل معهم بشكل سلبي إذا ذهبوا إلى طبيب نفسي، ما يزيد من شعورهم بالعزلة والقلق."
كما يواجه الأطباء والمختصون النفسيون في تعز تحديات عديدة تعيق قدرتهم على تقديم الرعاية والدعم النفسي للمرضى. يشير سامي عبد الجبار الصلوي، أخصائي نفسي، لخيوط، إلى أن الوضع الحالي للصحة النفسية في تعز يفتقر إلى الكوادر المؤهلة، مما يتسبب في وجود خدمات نفسية ضئيلة لا تواكب احتياجات السكان، مضيفًا أن هناك حاجة ملحة لتأهيل الأخصائيين النفسيين في مجال تقديم الخدمات النفسية، وينبغي أن تتضافر الجهود من منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية لإعطاء الأولوية لهذه الخدمات.
المنظمات والدعم
أصبحت المنظمات غير الحكومية تلعب دورًا محوريًا في تقديم الدعم النفسي، بحسب العامري الذي يشير إلى أن "المنظمات غير الحكومية تعمل بشكل كبير في مجال الصحة النفسية والتوعية."
يأتي ذلك، وفق حديثه، بالرغم من أنها تعاني من محدودية الإمكانيات، مشددًا على أن دورها يعتبر مؤشرًا إيجابيًا في هذا الجانب، ويجب تعزيز جهودها.
ويؤكد الصلوي، بدوره، أن الدعم الدولي والمحلي، رغم أهميته، لا يكفي لتلبية احتياجات الصحة النفسية في تعز. ويحتاج المجتمع إلى جهود مستمرة من قبل المنظمات المحلية والدولية لتعزيز الخدمات النفسية وتدريب الأخصائيين النفسيين.
الحلول المقترحة
للخروج من هذه الأزمة، يبرز العامري الحاجة إلى "خطوات لتعزيز الصحة النفسية، تشمل الدعم النفسي، والعلاج النفسي، والثقافة النفسية الصحيحة في التربية الأسرية." وتقترح شيماء العز أهمية توفير "برامج الدعم النفسي والاجتماعي للفئات الضعيفة،" مشددة على ضرورة مساعدة النازحين على تجاوز الأوقات الصعبة.
هناك أيضًا حاجة ملحة لتدريب الأطباء والعاملين في مجال الصحة النفسية على تقنيات العلاج النفسي المتقدم. فالتدريب المتاح حاليًا يركز غالبًا على الدعم النفسي الأولي، بينما تظل التدريبات المتخصصة نادرة. ويشدد الصلوي على أهمية تطوير برامج تدريبية تشمل جميع مستويات الرعاية الصحية النفسية.
تعتبر الصحة النفسية في مدينة تعز قضية معقدة تتطلب اهتمامًا خاصًا من جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، من خلال تعزيز الوعي، توفير الدعم النفسي، وتوسيع نطاق الخدمات.
إضافة إلى أن العمل على تحسين الصحة النفسية ليس مجرد حاجة إنسانية، بل هو استثمار في صحة المجتمع واستقراره النفسي. ومع تضافر الجهود، يمكن أن يصبح المستقبل أفضل للجميع، خاصة الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع. كما يؤكد العامري أن "الوعي بالصحة النفسية سيجنبك الكثير من هذه المشكلات،" لذا يجب أن يكون العمل الجماعي هو السبيل لتحقيق ذلك.