في صباح يوم الجمعة الـ16 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تفاجأ المواطنون في صنعاء بانتشار كثيف لعناصر مرورية مسلحة بصحبتها عربات عسكرية مكتوب عليها عبارة "الضبط المروري"، لم يهتم المواطنون بكثافة انتشار هذه العناصر بقدر اهتمامهم بهيئتها وأشكالها التي توحي أنها تتهيأ لحالة من حالات الطوارئ قد تطرأ في أي لحظة.
بالإضافة إلى حمل السلاح ووضع أصابعهم على زناد سلاح مفتوح الأمان، فإن وجوه هذه العناصر مغطاة بالكامل، ولا يظهر منها شيء، بحيث يصعب التعرف على هوية هؤلاء الأشخاص أو التحدث معهم، إذ إن الحديث ممنوع معهم بحسب المواطنين الذين قابلتهم "خيوط"، والطريقة الوحيدة لتمييزهم هو ملابس المرور التي يرتدونها فقط.
انتشرت هذه العناصر في شوارع مختلفة بأمانة العاصمة صنعاء، لتنظيم حركة المرور وضبط المخالفات، وتتمركز في الشوارع العامة والجولات ومداخل صنعاء بصورة تبدو مرعبة للبعض ومرضية للبعض الآخر.
وضع حازم
تفاجأ محمد سعيد، سائق دراجة نارية، بانتشار عناصر مرورية تغطي وجهها وتحمل السلاح في شارع (الزبيري) وسط صنعاء. بدا المشهد حازمًا إلى درجة كبيرة، التزم سعيد بالسير في خطه دون أي عجل أو تجاوز، وبالمثل التزم السائقون الباقون بذلك، يضيف سعيد في حديث لـ"خيوط" أن أشكال تلك العناصر مرعب إلى حدٍّ ما، لكن ما تقوم به من تنظيم حركة السير، وفضّ الازدحام مقبول. إن السائقين لا يهمّهم أشكال من ينظم السير بقدر اهتمامهم بما يقومون به!
يرى عبدالرشيد الفقيه، أن فكرة وجود جهاز مدني يحتك بالناس في الشارع بأقنعة، تضع الناس رهن تصرفات أشخاص لا يخضعون للمحاسبة، منوهًا إلى أن موظفي إنفاذ القانون، أحد الشروط الأساسية التي يفترض أن يتمتعوا بها؛ أن يكونوا بهُوية واضحة عند القيام بمهامهم.
ويشير سعيد إلى أن هذه الحملة قد تكون صائبة وفي محلها إذا استمرت في تنظيم السير وضبطه، لكنه يخشى أن تتحول إلى وسيلة لاستغلال وابتزاز السائقين، وهنا تكمن المشكلة. في حين يؤكد بسام الدبعي، سائق تاكس أجرة، أن ظهور هذه العناصر بهذا الشكل يثير الرعب لدى المخالفين وسائقي السيارات، لا سيما بعد توقف رواتب الموظفين، وهو ما دفع بكثير من رجال المرور لترك العمل؛ الأمر الذي فاقم من الاختلالات المرورية التي تسببت بدورها في إزهاق أرواح الكثير من الضحايا معيقةً حركة السير؛ خاصة أن الهدف من هذه الحملة إخضاع المخالفين لتسديد مبالغ المخالفات وجبايات أخرى لصالح إدارة المرور حسب الدبعي أثناء حديثه لـ"خيوط".
ترهيب أو ضبط
من جهة أخرى تتباين آراء المواطنين حول الحملة؛ بين مبارِك ومستنكِر، إذ يقول رامي العبسي لـ"خيوط"، إن جماعة أنصار الله (الحوثيين) تعمدوا نشر هذه الوحدات العسكرية بهذا الشكل، من أجل بث الرعب لدى المواطنين، وقمع أي احتجاجات أو تظاهرات مستقبلية، لا سيما بعد خروج مظاهرات في تعز وعدن تندد بالوضع الاقتصادي والمعيشي المزري هناك، ويؤكد العبسي أن الوضع المعيشي في المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين) لا يختلف عن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، وهو ما جعل السلطات هنا تفكر بنشر هذه القوات بهذا الشكل بغرض ترهيب الناس، ويستشهد بالحالة الأمنية في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين) والتي لا تحتاج بالضرورة إلى الكم الهائل من هذه القوات مقارنة بالوضع الأمني في المناطق الأخرى.
يتفق كثير من المواطنين في صنعاء مع ما قاله العبسي ويختلف آخرون، بحسب استطلاع أجرته "خيوط" مع مجموعة من المواطنين في شوارع العاصمة، فهناك من يرى أن وجود عناصر الضبط المروري بهذا الشكل في شوارع صنعاء يساعد على تنظيم السير وإعادة هيبة رجل المرور التي قد كانت تلاشت لأسباب كثيرة، ووصل الحال إلى الاعتداء عليهم من قبل البعض، وكان آخرها قتل رجل مروري في شارع عمران على يد مسلح، في شهر أكتوبر الماضي.
في سياق متصل، كانت وسائل إعلام، وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، قد توقعوا أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) يسعون إلى تسريح موظفي المرور واستبدالهم بعناصر الضبط المروري، لا سيما بعد أن قامت باستبدال إعلاميين بآخرين جدد في الكثير من المؤسسات الحكومية، وقبله كانت قد عمدت إلى تغيير الكوادر التعليمية في كثير من المدارس الحكومية واستبدالها بمتطوعين شباب ليس لديهم أي خبرات معرفية أو مهارات تعليمية وأكاديمية مسبقة.
وكالة الأنباء الرسمية سبأ التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، كانت قد نشرت في الـ14 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي خبرًا عن تخرج الدفعة الأولى من وحدة الضبط المروري من مدرسة تدريب الشرطة والإدارة العامة للمرور، ولم يتم نشر أي توضيحات أخرى، عن دور هذه القوات أو عملها.
حاولت "خيوط" التواصل مع إدارة المرور بأمانة العاصمة لمعرفة هُوية هؤلاء الأشخاص والغرض من وجودهم بهذا الشكل، والإجابة عن تساؤلات المواطنين والإشاعات والأخبار المختلفة، إلا أن المسؤولين هناك رفضوا التحدث بشكل قاطع.
من جهته يقول عبدالرشيد الفقيه، المدير التنفيذي لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، لـ"خيوط"، إن العلاقة بين المواطن وأي موظف حكومي، علاقةٌ يحكمها القانون ويضبطها بالمساءلة، ويضيف الفقيه: "إن فكرة وجود جهاز مدني يحتك بالناس في الشارع بأقنعة، تضع الناس رهن تصرفات أشخاص لا يخضعون للمحاسبة"، منوهًا إلى أن موظفي إنفاذ القانون، أحد الشروط الأساسية التي يفترض أن يتمتعوا بها؛ أن يكونوا بهوية واضحة عند القيام بمهامهم، ويحرصوا على تقديم أنفسهم وهوياتهم بطريقة واضحة، مشيرًا إلى أن العصابات فقط هم من يكونون بحاجة لإخفاء هُوياتهم للنجاة من أي محاسبة.