انسداد قنوات سدّ مأرب

تراجع الإنتاج الزراعي مع تدهور الري وتوسع الحفر العشوائي
إسحاق الحميري
August 9, 2024

انسداد قنوات سدّ مأرب

تراجع الإنتاج الزراعي مع تدهور الري وتوسع الحفر العشوائي
إسحاق الحميري
August 9, 2024
قنوات مياه خاصة بسد مارب- خيوط

بعد قرون مديدة من انهيار سد مأرب التاريخي -الذي تفرّقت بسببه أيادي سبأ، كما جاء في المأثور- أُعيد بناء سد جديد، بالقرب من بقايا آثار السدّ التاريخي قبل أربعة عقود، للاستفادة من مياه السيول الكثيرة المتدفقة من جبال صنعاء الشرقية وأودية الجوف، وغيرها من المناطق المتاخمة لمأرب. وعلى مقربة من بحيرة السد الجديد، استصلحت الكثير من الأراضي الزراعية التي تُنتج أنواعًا متعددة من الخضار والفواكه والحبوب وتتغذّى عبر قنوات السدّ، لكن مع مرور الزمن، تعرضت هذه القنوات للتدهور؛ بسبب الإهمال وانعدام الصيانة وأصبح كثيرٌ منها مسدود بالمخلفات والرمال، ممّا أدّى إلى خلق معاناة إضافية للمزارعين، بسبب شحة المياه في المزارع القريبة من أكبر سد مائي في اليمن، وهو ما أثر على انخفاض وتراجع الإنتاج الزراعي.

يقول كارم العباسي، مزارع في مأرب، لـ"خيوط"، إنّ العديد من قنوات سد مأرب، قد تعرضت للتدهور بسبب الإهمال وتكدس الكثبان الرملية فيها، وكذا تكدس القمامات ومخلفات البناء والأتربة في هذه القنوات ومجرى المياه المتدفقة من سد مأرب إلى مَزارع مأرب في مديرية الوادي.

تسبّب ذلك في معاناة كبيرة للمزارعين الذين يعتمدون بشكل كامل على هذه القنوات للري، فقد اضطر المزارعون، ومنهم العباسي، إلى البحث عن بدائل لري المحاصيل الزراعية والحقول الممتدة على مساحة كبيرة من مناطق الوادي؛ أهمّها اللجوء إلى الحفر العشوائي للآبار. 

في حين يرى جبران طاهر، عامل في مجال الزراعة بمأرب، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ هناك قصورًا من الجهات المعنية في تنظيف وإزالة كل المخلفات من هذه القنوات الناقلة للمياه على امتداد كافة المَزارع، إضافة إلى عدم صيانة القنوات التي تضررت وخرجت عن الخدمة.

أسباب تفاقم القنوات الرئيسية والفرعية

بحسب مزارعين وخبراء وباحثين، فإنّ قنوات السد لم تتدهور فقط بسبب الإهمال، فهي في الوقت نفسه لم تستكمل، إذ أثرت وضعيتها المتردية كثيرًا على الإنتاج الزراعي، وأدت إلى تقلص المساحة الزراعية مع بروز أهم مشكلة في هذا السياق، تتمثل بعملية استنزاف المياه نتيجة لتوسع حفر الآبار العشوائية.

في تصريح خاص لـ"خيوط"، يؤكد مدير سد مأرب، المهندس أحمد العريفي، أنّ مشكلة القنوات لا تكمن في تدهورها بل في عدم اكتمالها بدرجة رئيسية، كما أنّها لم تُستثمر ولم تُستغل بطريقة صحيحة.

الحلول المطروحة تتمثل في إجراء الصيانة الدائمة لهذه القنوات في نهاية كل موسم، وتوصيل الماء إلى فروع القنوات الفرعية بطريقة صحيحة، غير أنّ ما يحدث يُرجعه المسؤول الأول في سد مأرب إلى عدم الوعي، والأهم عدم وجود قانون في منطقة قبَلية، فالعبث والتخريب الحاصل للقنوات الفرعية يتسبب في إهمالها وحاجتها للصيانة، ومن ثم تدميرها على المدى البعيد.

تمتد قنوات سد مأرب ضمن خمسين قناة، بين قنوات رئيسية وقنوات فردية، بينما هناك أخرى لم يتم استكمالها، بحسب العريفي، مشيرًا إلى عدم استغلال القناة الرئيسية في عملية الري نتيجة لما قال إنّها "ظروف قبَلية"، إلى جانب عدم اكتمال القنوات الثنائية.

وفق مدير سد مأرب، فقد أدّى ذلك إلى تراكمها وتخريبها من بعض من لا يريدون أي مصلحة فيها إفادة أن تتحقق، فبعضهم يأخذ الماء بطريقة خاطئة من القناة الرئيسية، وهي ليست معدّة من أجل أخذ الماء، بل هي للتوصيل بين القنوات الفرعية.

مخاطر الحفر العشوائي للآبار 

يرجع المهندس الزراعي، محمد كابع، في حديث لـ"خيوط"، سبب توسع الحفر العشوائي للآبار، إلى المزارعين الذين تقل حيازتهم عن هكتارين، حيث إنّ كل مُزارِع يملك حيازة صغيرة، يقوم بحفر بئر.

وفي بعض الأحيان يكون هؤلاء المزارعون ورثة؛ فمثلًا عندما يكون هناك ستة ورثة، بعد تفتت حيازاتهم بسبب وفاة المالك وتقسيم هذه الحيازة بينهم، يبدأ كل واحد مالك جديد ذي حيازة قليلة بين هكتارين و3 هكتارات بحفر بئر مستقلة، والحائز الآخر مثله، لتصبح ستة آبار في حيازة كل واحد يمتلك فقط هكتارين أو 3 هكتارات.

في حين تكفي البئر الواحدة مساحة 10 هكتارات، بينما لو قاموا بتوزيع المياه بينهم على عدد أيام الأسبوع، فسيكون الأمر هنا أفضل مما هو متبع حاليًّا، إذ تتمثل المشكلة -وفق كابع- بعدم وجود قوانين ملزمة لحفر الآبار وتحدّ من الحفر العشوائي. 

أما بخصوص تدهور الإنتاج الزراعي، فإنّ جزءًا كبيرًا من أسبابه -كما يرى هذا المهندس الزراعي- يعود إلى ما يجري من تعميقٍ للآبار بشكل كبير، نتيجة لخلل بميزان استهلاك المياه، حيث إنّ المياه المستهلكة أكثر من المياه المخزنة جوفيًّا أو سطحيًّا؛ ممّا نتج عنه تدهور نوعية المياه وظهور المياه المالحة التي تحد كثيرًا من توسع الزراعة، بالنظر إلى أنّ معظم المحاصيل لا تتحمل الملوحة، ومن ثم الاتجاه إلى زراعة محاصيل متوسطة التحمل للملوحة، غير أنّه في هذه الحالة يكون إنتاجية وحدة المساحة أقل، بخلاف ما إذا كانت تروى بمياه عذبة؛ وفقًا لكابع.

كما أنّ من أسباب تراجع وانخفاض الإنتاج الزراعي، ما يتمثل في توقف القنوات في منتصف الموسم الزراعي؛ لأسباب عدم كفاية المياه بحوض السد، ولعدم وجود سيول قادمة من أماكن تغذية سد مأرب .

البحيرات وعمليات الصيانة لحماية الإرث

من الحلول المطروحة؛ إجراء الصيانة الدائمة لهذه القنوات في نهاية كل موسم، وتوصيل الماء إلى فروع القنوات الفرعية بطريقة صحيحة، غير أنّ ما يحدث يرجعه المسؤول الأول في سد مأرب إلى عدم الوعي، والأهم عدم وجود قانون في منطقة قبَلية، فالعبث والتخريب الحاصل للقنوات الفرعية يتسبب في إهمالها وحاجتها للصيانة، ومن ثم تدميرها على المدى البعيد. 

يتابع العريفي: "الصيانة التي نقوم بها تبدأ بالتنظيف بشكل رئيسي، حيث إنّ هناك أماكن تعرضت للـ(تشرخات) وتحتاج للصيانة والإصلاح، حيث نعمل على ذلك بمساعدة بعض المنظمات الذين يقومون بعمليات التنظيف والإصلاح، في حين يتمثل دورهم في إدارة السد بتحديد أماكن القنوات الرئيسية التي تحتاج إلى صيانة". 

وبالنسبة لعملية التنظيف والصيانة التي تتم عبر المنظمات، فإنها تحافظ على ما مقداره 50 كيلومترًا من مساحة القنوات؛ أي إنها ساهمت في الإبقاء على نحو 24 قطاعًا منها، في حين هناك 24 قناة لم تنفذ حتى الآن.

يقول العريفي: "بدأنا بصيانة ثلاث قنوات عبر منظمة الهجرة الدولية، وسيتم الاستمرار بالعمل حتى يكتمل المشروع الذي يحتاج في الوقت نفسه إلى اهتمام ودعم مؤسسات الدولة".

فيما تعمل السلطة المحلية بمحافظة مأرب حاليًّا، على بعض جوانب الصيانة، مثل الأجزاء المكسورة نتيجة صدام سيارات، أو الإهمال، أو بسبب تسرب المياه وهبوط التعري الطبيعي. 

وعن دراسات بناء بحيرة في منطقة وداي عبيدة، يؤكّد العريفي وجود دراسات لنحو 10 بحيرات في الوادي لتغذية المياه الجوفية، لكن قبل ذلك يجب استغلال المياه السطحية للري، فلو تم استغلال المياه السطحية عبر القنوات للري المباشر لتم إيقاف الآبار، ومن ثم عدم حاجة المزارعين في هذه الأماكن إلى المياه الجوفية، إلّا في عمليات الري التكميلي فقط.

في حين، يظل الأمر الأهم -وفق كابع- يتمثل في ضرورة استشعار الجميع ما يعنيه سد مأرب، الذي يعتبر من أهم المعالم التاريخية في اليمن، وله دور مهم في توفير الماء للزراعة، وهي أهمية تلزم جميع الجهات المعنية القيامَ بدورها في حماية سدّ مارب، وإصلاح القنوات المتضررة؛ للحفاظ على هذا الإرث التاريخي، وضمان استمرار الزراعة في المنطقة.

•••
إسحاق الحميري

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English