خبزٌ يُميِّز المحويت عن غيرها

من (مَلُوج) صنعاء و(كَدِر) تهامة إلى (خَمِير) لحج
سعاد طاهر
October 8, 2023

خبزٌ يُميِّز المحويت عن غيرها

من (مَلُوج) صنعاء و(كَدِر) تهامة إلى (خَمِير) لحج
سعاد طاهر
October 8, 2023
الصورة لـ: محمد زياد

وهبته الثقافة اليمنية مكانة خاصة، فاختلفت أنواعه من مدينة لأخرى، فهو يمثل العنصر الغذائي الأول لمعظم السكان، وكذلك وجبة أساسية لملايين الناس في العالم أجمع، حيث يوجد أكثر من 138 نوعًا من الخبز على مستوى العالم، أما على مستوى اليمن، فكل منطقة لها أصنافها من الخبز، ويوجد في كل مدينة ما يقارب الـ20 نوعًا على الأقل، باختلاف نكهاته ومكوناته وكذلك مسمياته.

فالخبز هو المادة الغذائية الوحيدة التي يتفق عليها الفقراء والأغنياء، كلٌّ حسب تفضيلاته، حيث تشير الدراسات التاريخية إلى إنّ الإنسان اكتشف الخبز وصنعه منذ 8000 سنة قبل الميلاد؛ أي منذ بداية النشاط الزراعي وزراعته للقمح وأنواع الحبوب الأخرى، ومن ذلك الحين تعدّدت المخبوزات واختلفت مسمياتها من منطقة إلى خرى. 

إضافة إلى ذلك، يعدّ الخبز من أهم الوجبات الغذائية اليومية في اليمن، حيث لا تكاد تخلو موائد الأُسَر والأفراد في المطاعم من أي نوع من المخبوزات، حيث يعتبر المصدر الرئيسي للطاقة والبروتين، حيث يمثل 70 أو 80% من احتياجاته اليومية لكلٍّ منهما على التوالي؛ وبالتالي كان لزامًا على الجهات أن تستورد كميات كبيرة من القمح، للتغلب على الفجوة الغذائية الناجمة عن انخفاض الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح والحبوب.

ويسهم التنوع الجغرافي والمناخي والعادات الثقافية في اليمن، في تميز الخبز وتعدد أنواعه وأشكاله ونكهاته وطرائق تحضيره من منطقة إلى أخرى، يضاف إليها ميزة أخرى، وهي طريقة تحضيره باستخدام التنور (الفرن الخاص بإعداد الخبز)، في المنازل، عوضًا عن شرائه جاهزًا من الأفران. 

ويتوفر التنور الحديث، المصنوع من الحديد والمعدن ويعمل بالغاز، أو الطيني الذي يعمل بالحطب، في معظم بيوت اليمن، فهو الأداة التي تستخدم لإعداد أهم وجبة يومية لكل الموائد.

اللحوح المحويتي

الخبز الذي أشهر المحويت

تعد محافظة المحويت الأكثر شعبية بإعداد أصناف متعددة من الخبز، خصوصًا "اللحوح" الذي يعتبر الوجبة الأساسية لأبناء المنطقة، حيث لا تخلو المنازل فيها من تحضير هذا النوع من المخبوزات المشهورة على مستوى اليمن.

يحتوي الخبز اليمني على أنواع مختلفة من القيم الغذائية، كما تشير دراسات بحثية صادرة عن جامعة صنعاء، تحديدًا كلية الزراعة، وذلك بالنظر إلى تنوع الحبوب المستخدمة، فأغلب المخبوزات تصنع من الذرة، والشعير، والعدس، واللوبيا، والذرة الشامية (الجريش الرومي)، بعيدًا عن القمح الأبيض الذي يحتوي على سعرات حرارية تضر بصحة الإنسان.

تقول أم منير، وهي من سكان المحويت لـ"خيوط"، إنّ النساء في كل منزل عليهن إجادة صناعة خبز "اللحوح"، مشيرةً إلى أنّ عملية إعداده وصناعته تمر بعدة مراحل، تبدأ من فترة المساء المرحلة الأولى، عملية خلط المكونات بالماء حتى يصير سائلًا ثم تركه يتخمر في أوعية خاصة (طينية أو معدنية). 

في حين توضح صفية، مواطِنة أخرى من سكان المحويت لـ"خيوط"، أنّ العملية الأهم تتم في الصباح الباكر بصناعة الخبز وإنضاجه على الحطب، أو الغاز باستخدام صاجٍ خاصّ لإعداده.

ويعتبر "اللحوح" من أهم المخبوزات والوجبات التي لا تكاد تخلو من أي منزل يمني، ليس فقط في شهر محدد، لكنها أصبحت وجبة أساسية دائمة على مختلف موائد اليمنيين، خصوصًا في مناطق شمال وغرب اليمن.

تشرح أم فؤاد، وهي في العقد الرابع من عمرها، لـ"خيوط"، أنّ هذا الخبز يدخل في صناعة وإعداد العديد من الوجبات، وبالأخص "الشفوت"، الذي يتكوّن من اللحوح مع إضافة الزبادي واللبن الرائب (الحقين) إليه وبعض أنواع الخضرة، كما أنّ لكل مدينة تقاليدها في إعداد هذا الطبق باختلاف عاداتهم وتقاليدهم، في حين يبقى العنصر الأساسي في الطبق هو اللحوح.

وتتعدد قصص كفاح النساء والناس من سكان مثل هذه المناطق في اليمن، في سبيل توفير لقمة العيش ومواجهة ظروف الحياة القاسية التي فرضتها الحرب والصراع في اليمن، بالتزامن مع الاستمرار في الحفاظ على خصوصيات ومميزات المجتمع في كل منطقة.

كفاح النساء

يؤكّد كثيرٌ من سكان مناطق وقرى مديريات محافظة المحويت، أنّ حياتهم أصبحت قاسية بسبب مجموعة من المشاكل والأزمات التي فاقمت من معاناتهم، كوعورة الطرقات، إذ يعد معظمها غير صالحة للتنقل والاستخدام، ولجوئِهم -خصوصًا النساء- إلى تحمّل مشقة قاسية لتوفير الحطب من الجبال لاستخدامها في الطبخ، إلى جانب حمل المستلزمات وجالونات الماء على الأكتاف والرؤوس.

ولم تحظَ محافظة المحويت (شمال غرب اليمن) بأي اهتمام، وكان دائمًا حضورها شبهَ مغيّبٍ، مقارنة بالمحافظات الأخرى، على مستوى المشاريع التنموية، عدا اهتمام محدود تركّزَ في بعض المديريات، وشمل المدن والقرى ذات المواقع الجغرافية المستوية، تاركة خلفها سكان قرى جبلية لا تحصى، يتجرعون أسوأ صنوف المعاناة، جراء انعدام أبسط الخدمات العامة، المتمثلة في طريق سيارة تصل إليهم.

خمير لحجي - محافظة لحج

تنوع غذائي 

يحتوي الخبز اليمني على أنواع مختلفة من القيم الغذائية، كما تشير دراسات بحثية صادرة عن جامعة صنعاء، تحديدًا كلية الزراعة، وذلك بالنظر إلى تنوع الحبوب المستخدمة، فأغلب المخبوزات تصنع من الذرة، والشعير، والعدس، واللوبيا، والذرة الشامية (الجريش الرومي)، بعيدًا عن القمح الأبيض الذي يحتوي على سعرات حرارية تضر بصحة الأنسان، والحديث هنا عن الخبز الذي يُصنع في البيوت وليس في الأفران التجارية.

ووفقًا للشيف لولوة أحمد، في حديثها لـ"خيوط"، فإنّ التنوع والاختلاف يعود لاختلاف المكونات التي يحضّر منها الخبز، إضافة إلى اختلاف كل منطقة؛ فبعض المناطق تعتمد على الحبوب الكاملة وبعضها على البقوليات الداخلة في تكوين بعض أنواع الخبز، مثل (البلسن) الذي يُعدّ من العدس الأسمر، لهذا تختلف باختلاف المناخ.

وتواصل حديثها بالقول: "مثلًا نجد خبز "الكدم" في مناطق تهامة (غرب اليمن) يحتوي على جريش اللوبيا والقمح وشكله كروي، لكن في دوعن بمحافظة حضرموت يحتوي على الذرة البيضاء وشكله دائري مسطح، بينما في الشمال -تحديدًا صنعاء وصعدة- يحتوي على القمح والشعير وشكله كروي، كما أنّ خبز الملوج يحتوي على بعض من مسحوق الحلبة عند أهالي منطقة صنعاء وعمران، لذلك تعرف المخبوزات اليمنية بوصفاتها المختلفة، وهو الذي ينطبق أيضًا على المطبخ اليمني وأطباقه التي انتشرت في الكثير من الدول.

أما أنواع الخبز المعروفة في اليمن، فهي:

المَلُوج، خبز التنور، الرَّشوش، الطّاوة، اللحوح، الخَمِير، الكدر، البِلسن، الفَطير، الصُّلَع، الكُدَم، الذَّمول، التّمِيْز، إلى جانب السَّبايا، وبنت الصحن، وغيرها.

فخبز المَلُوج -بفتح الميم وضم اللام- على سبيل المثال، من أهم أنواع الخبز الصنعاني الذي يُخبز على التنور الحطب أو الغاز، وأتت تسميته من الطريقة التي يصنع بها، حيث يتم أخذ كمية من العجين اللين باليد ثم يتم ملجه بطريقة دائرية في سطح التنور بأحجام ومقاسات مختلفة، ويؤكل على وجبة الإفطار مع السمن والعسل، وكذلك البعض يتناوله مع المأكولات الشعبية، كالفحسة والسلتة ومطبوخات الخضار.

كدر تهامي - محافظة الحديدة

مخبوزات مميزة

أما الكدر فتقول فاطمة، وهي من سكان المناطق التهامية (غربي اليمن)، وتعمل في الخبز منذ فترة طويلة لـ"خيوط": "إن الكدر من أبرز أنواع الخبز في تهامة، حيث يُصنع من حبوب الذرة ومن الدُّخن مضافًا إليه الدجر مع تركه لفترة ليخمر، وبعدها يشكل بشكل دائري أو مستطيل، ويؤكل على وجبة الإفطار مضافًا إليه السمن، والبعض يأكله مع اللبن أو الزبادي". 

ويتفنن أهالي محافظة تعز بصناعة خبز الصاج أو كما يسمى "الطاوة" الذي اكتسبوه من الأجداد، فيقدّم مع الشاي أو الشاي بالحليب كوجبة للفطور أو العشاء، وهذه الوجبة أساسية في تعز، إضافة إلى خبز المقلب وهو شبيه باللحوح، لكنه أسمك منه ويحمَّر من الجهتين، ويرش عليه السمن البلدي، ويؤكل على الفطور.

وتتميز محافظة لحج هي الأخرى، بصناعة الخبز المعروف بالخمير، والذي يُعدّ الوجبة الرئيسة الشعبية الأولى فيها، ويحضّر من الدقيق المعجون بالماء والخميرة، ويُنضّج بواسطة التناوير الطينية باستخدام الحطب.  

ويحتل اللحوح أهمية كبيرة في قائمة المخبوزات اليمنية على امتداد البلاد، وتؤكّد أم أحمد لـ"خيوط"، أنّ للحوح أنواعًا ومسميات مختلفة أيضًا، ففي تعز مثلًا لا بدّ أن يُخبز على الحطب وعلى صاج مصنوع من الطين تسمى (الملَّحة) كشرط أساسي لإجادته، ويحتوي على الذرة الحمراء التي تُزرع في المنطقة، تسمى بالغرب.

•••
سعاد طاهر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English