تنبّأت العرافة اللبنانية ليلى عبداللطيف، قبل أسابيع بوقوع كارثة طبيعية في اليمن، بحلول شهر شوال، وعلى إثرها سيضطر اليمن إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد، والاستنجاد بدول مجاورة للتخفيف من شدّتها، بالتزامن مع مخاوف من وقوع المحافظات الشرقية في اليمن، تحت تأثير المنخفض الجوي الذي ضرب سلطنة عمان وبعض دول الخليج، وحين بدأت الأمطار الغزيرة بالهطول على شرق اليمن، التفت إلى توقعاتها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الذين روّجوا لتصريحاتها باعتبارها تنبؤات متحققة، دون أن يضعوا تساؤلات بديهية مثل اعتمادها على مخرجات مراكز الأرصاد والمناخ التي تمتد توقعاتها فصولًا كاملة أحيانًا.
مستقبل آمن
يفعل الإنسان جُلّ ما يقدر عليه ليضمن لنفسه مستقبلًا آمنًا، يُريحه من تساؤلات ما قد يحدث في الغد. تساؤلات تنبع من الخوفِ مِن كلِّ ما هو مجهول، بعض الأشخاص قد يصل بهم الخوف والأمل واليأس إلى محاولةِ معرفةِ ما قد تُخبِّئه لهم قادمُ الأيام؛ فيلجَؤُون إلى وسائل لمحاولة الاطلاع على الغيب!
ظهر هذا جليًّا مع ما نشاهده من أحداث وصراعات دامية، دفعت شبكات إعلامية شهيرة عربيًّا وعالميًّا لتبنّي عددٍ من الشخصيات التي تزعم أنّها قادرة على قراءة المستقبل، والاطلاع المسبق على ما قد يحدث، أو يستجدّ على الساحة الوطنية والعربية وحتى الدولية، ومثال على هؤلاء السيدة ليلى عبداللطيف، المتنبِّئة الأشهر عربيًّا في الوقت الراهن. بعض الناس يرى في هذه التوقعات محض مصادفات ينبغي عدم البناء عليها أو تصديقها وحتى تداولها، فيما يرى بعضٌ آخر أنّ عبداللطيف وغيرها من المنجّمين وقرّاء المستقبل يُطلقون توقعات فضفاضة، ومِن ثَمّ يُسقطونها لاحقًا على حوادث بعينها.
تنبؤات التاروت
تعدّدت وسائل التنجيم وقراءة الطالع والمستقبل، فقد كان الكُهَّان يستخدمون الخط في الرمل، والضرب بالحصى والخشب، وكذلك ما يسمى بالعِيافة: وهي زجر الطير وإثارتها وادعاء معرفة الغيب بالحدس والظنّ، والتنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية واستشراف أقدار الناس.
وقد أضيف إلى هذه الوسائل في الحاضر، قراءةُ الكف والفنجان، ورمي الودع والنرد، وتوقعات الأبراج، والداوزينج الذي يستخدم عن طريق العصا والبندول لاستكشاف واستشعار الطاقة، وإيجاد الأجوبة، و"التناغم الكودي"؛ الذي يعدّ تحليلًا للشخصية بناء على الاسم وتاريخ الميلاد، اعتمادًا على عمليات حسابية للجمل.
أما أكثر هذه الوسائل رواجًا في الأعوام الأخيرة، وبالأخص في مواقع التواصل الاجتماعي، هي قراءة أوراق التاروت.
الجدير بالذكر أنّ معنى مصطلح التاروت بحسب بعض المصادر، مأخوذ من لفظ (تاروش) الهيروغليفية التي تعني الطريق الملكي، وقيل إنها الشكل المقلوب لكلمة توراة؛ أي كتاب التوراة السماوي، بحسب الأكاديمية الأمريكية لعلوم الفلك والباراسيكولوجي، واكتسب شهرته أداةً للتنبؤ وقراءة الطوايا في القرن الخامس عشر بإيطاليا. تتكون مجموعة التاروت التقليدية من 78 بطاقة، تنقسم إلى مجموعة من الأقسام، مثل الأقسام الكبيرة والصغيرة والأمم والأساطير والأرقام.
أصبحت قراءة أوراق التاروت مصدر رزق لكثيرين حول العالم، لكنها في المجتمع اليمني لا تزال حكرًا على البطاقات المطبوعة من على مواقع الإنترنت.
خلود (28 سنة)، يمنية الجنسية، رغم نشوئها في بيئةٍ دينيةٍ محافظة، اتخذت قراءة أوراق التاروت مهنةً لها، بدأت دخول هذا العالم عن طريق اهتمامها بعلم الطاقة والإسقاط النجمي، لتجد بعد ذلك حسابًا إلكترونيًّا لشخصٍ ما، يقرأ أوراق التاروت، ووفقًا لحديثها لـ"خيوط"، قالت: "شعرت بالغرابة وأنّ كل هذا مجرد وهم، إلا أنني أصبحت أبحث وبشكل يومي عن التاروت، إلى أن وجدت إعلانًا في أحد المواقع الإلكترونية لدورة لتعليمِ قراءة أوراق التاروت، حينها اشتركت في هذه الدورة بعد تردّد، وبعد فترة وجيزة أصبحت آخذ مقابلًا ماديًّا من عملائي، لقراءتي لهم".
كل ورقة من أوراق التاروت، تحتوي على صورة ورقم، تمثل هذه الرموز تجربة من تجارب حياة الإنسان، تتكون هذه البطاقات من 78 ورقة، توجد 22 ورقة أساسية من تلك الأوراق، تسمى بالسر الأعظم، تتنوع رموزها ما بين: الساحر، الإمبراطور، العربة، الموت، القوة، عجلة الحظ...، وغيرها من الرموز. والـ56 الورقة الباقية تسمى بالسر الأصغر، وهي أوراق ثانوية.
"قارئ التاروت يختار 7 أوراق من بطاقات التاروت، كل بطاقة تقوم بتفسير ما يخص العميل؛ حب، زواج، إنجاب، عمل، مال، لكن أغلب هذه الاستشارات تكون في الجانب العاطفي أولًا ثم المالي، يليه المستقبل"؛ تضيف خلود.
تجارب مختلفة
تختلف تجارب الاستعانة بالتاروت من شخصٍ لآخر، فحب الفضول جعل الممرض، مروان صادق (32 سنة)، يخوض هذه التجربة، حيث استطاع الوصول إلى قارئ تاروت عن طريق أحد أصدقائه، لكنّه أكّد في حديث لـ"خيوط"، وبفعل التجربة أنّ هذه الأمور لا تعدو عن كونها وسائل وطرقًا للنصب والاحتيال.
ومثله الصيدلي عصام محمد (25 سنة)، الذي لجأ إلى أحدهم للاطلاع على مستقبله الصحي، وقد وصف عصام ما مرّ به لـ"خيوط"، قائلًا: "بدايةً، توهّمت، وصدّقت بوجود تغييرٍ في نمط حياتي، إلّا أني مؤخرًا اقتنعت بفساد هذه الفكرة تمامًا".
على النقيض من تجربة مروان وعصام، تسرد الطالبة آيات عبدالله (23 سنة)، قصة إحدى قريباتها التي تعتقد أنّ قراءة مستقبلها كان مطابقًا للواقع إلى حدٍّ كبير، حيث قالت لـ"خيوط": "استخدمت إحدى قريباتي أوراق التاروت لتعرف سبب مشكلتها في عدم الإنجاب، حيث شرح وفنّد لها المشكلة بالضبط، ممّا مكّنها من وضع حلول علاجية لها، ومِن ثمّ فأنا وقريبتي مؤمنتان بأنّ هناك أشخاصًا يقرؤون الطالع ويستشرفون المستقبل".
في السياق، هناك من يرفض بل ويحرم اللجوء لهذه الأمور، بينهم الجندي محمد حسن (39 سنة)، الذي يرفض بالمطلق التطرق إلى هذه الأمور، ويصفها بأنّها مجرد ضلالات وخرافات لا أساس لها من الصحة ولا سند عقلي ولا علمي على دقتها.
يحاول الإنسان بطبيعته، البحثَ عن الحلول السهلة، التي سيعرف من خلالها هل سيتغير واقعه أم لا، وبعدها يبدأ في الانسياق خلفها، والإيمان بأملها الزائف، وسعادتها التي ليس لها وجود.
متنفسٌ وهميٌّ
فرقت العرب بين العرافة والكهانة فقالوا إنّ الكهانة: مختصة بأمور مستقبلية، والعرافة: مختصة بأمور الماضي، وقراءة أوراق التاروت تعد عرافة وكهانة؛ حيث إنّها تستخدم للكشف عن المستقبل والماضي في الوقت ذاته.
للإسلام موقف يحرم ادعاء الغيب عمومًا، ويعتبر الاعتقاد به أو ممارسته شِركًا وخللًا في الإيمان، بأدلة من القرآن والسنة، لدرجة أنه لا تقبل صلاة أيّ مسلم يسأل الكاهن للفضول والمتعة دون تصديقه والعمل بتنبؤاته، مدة أربعين يومًا، أما من سأل وصدّق فقد كفر شرعًا.
في السياق، يقول الدكتور، طيب محمد أحمد عيدان، رئيس قسم الدراسات الإسلامية، بكلية التربية والعلوم التطبيقية- أرحب، بجامعة صنعاء، لـ"خيوط": "أنا لا أؤمن بقراءة التاروت، إلّا أن البحث عنها بصفتها موضوعًا للمعرفة والعلم لا إثم عليه، وبالعكس فلا يمكن مواجهة هذه الأمور إلا بالاطلاع على علم التنجيم والكهانة ليكون الرد عليهم عن علمٍ ومعرفة، بل إن في ذلك أجرًا كبيرًا. أما دراستها إيمانًا بتأثيرها وبمصداقيتها أو للتفاخر بمعرفتها فلا يجوز التلهي بها".
وعن سبب انتشار قراءة التاروت مؤخرًا بين أوساط الشباب، يُرجع عيدان السبب إلى أوضاع البلاد المزرية وحالة الفراغ القاتلة التي يعيشها المجتمع المهيَّأ بفعل بساطته وأمية قطاع كبير منه لتقبل الخرافات وتجريب أو قبول أي دجل جديد.
من جهتها، تقول منيرة النمر، معالجة نفسية ورئيس الوحدة النفسية بمستشفى الرسالة للطب النفسي وعلاج الإدمان، في حديث لـ"خيوط": "إنّ سبب لجوء بعض الأشخاص، خاصة الشباب منهم، إلى أمور الكهانة والتنجيم، هي محاولات للهروب من مشاكل وضغوط الحياة، فمثلًا قد تكون أوراق التاروت متنفسًا للشخص عند شعوره بأن المستقبل أصبح مظلمًا، ومن ثم يحاول الإنسان بطبيعته البحث عن الحلول السهلة، التي سيعرف من خلالها هل سيتغير واقعه أم لا، وبعدها يبدأ في الانسياق خلفها، والإيمان بأملها الزائف، وسعادتها التي ليس لها وجود".
عِلمٌ زائفٌ
ما يميز الوسائل الحديثة للكهانة، محاولةُ إضفاء طابع علمي عليها لمواكبة تطورات الحياة، حيث جُسّدت لدى بعضهم كمهارات تُكتسب عبر دورات تدريبية في التنمية البشرية، وبالرغم من ذلك ما تزال هذه المحاولات مرفوضة علميًّا؛ لأنّها تتسم بالتناقض والمبالغة، وهذا ما يحدث في التاروت، تؤكّد خلود بالقول: "عندما أقرأ لأحدهم أبدأ بالماضي، وبعده بالحاضر وماذا يحتاج، ثم أخبره بما سيحدث في المستقبل، إلا أنّ ما أقوله ليس أكيدًا فقد يحدث وقد لا يحدث!".
تتابع الدكتورة النمر حديثها قائلة: "لا يمكن وصف مدمني متابعة التنجيم بالأمراض النفسيين أو المضطربين؛ لأنّه يجب أن يكون هناك معايير وتقييم، وقصة مرَضية. أما بالنسبة للشخص المتلقي الذي يسيّر حياته وجلّ أموره بالأبراج وبالتاروت وهذه الخزعبلات، ويكون تعلقه بها كبيرًا، فهناك تشخيص له بنوع من أنواع الاضطرابات شبه الفصامية، إلّا أننا لا نستطيع أن نحكم عليها إلا بعد التقييم وأخذ قصة مرَضية متكاملة".