يرتكب الجيش الإسرائيلي بشكل يومي جرائم تدمير ومحو فعلي ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال القتل الجماعي باستخدام أسلحة ثقيلة ومحرمة، وحرمان المدنيين الفلسطينيين من الرعاية الطبية واعتقالهم وتعذيبهم تعسفيا، وتعريضهم لظروف معيشية كارثية من خلال محاصرتهم وقطع سبل حصولهم على الماء والكهرباء والوقود، إلى جانب تهجيرهم قسرا من مساكنهم وتجويعهم.
وحسب الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فإن قوات الجيش الإسرائيلي قتلت خلال 200 يوم من الهجوم 42,510 فلسطينيي، منهم 38621 مدنيا، بينهم 15780 طفلا، و10091 امرأة. ولا تزال جثث آلاف الضحايا عالقة تحت الأنقاض، والآلاف الآخرون في عداد المفقودين. يشمل هذا العدد أيضا 137 صحفيا و356 من العاملين في المجال الطبي، و42 من أفراد الدفاع المدني.
كما تم هدم 80٪ من المدارس في القطاع، جزئيا وكليا، وجميع الجامعات تقريبا في قطاع غزة، و13 مكتبة عامة، و241 مسجدا كليا، و318 مسجدا جزئيا، وثلاث كنائس، وخروج 32 مستشفى من أصل 36 مستشفى عن الخدمة، بما في ذلك أكبر مستشفيين "مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة ومجمع ناصر الطبي في خان يونس،" فضلا عن 53 مركزا صحيا.
إضافة إلى تدمير ما لا يقل عن 131200 وحدة سكنية في قطاع غزة تدميرا كاملا، وتدمير 281000 وحدة أخرى تدميرا جزئيا. وبالإضافة إلى ذلك. مع اكتشاف أكثر من 140 مقبرة جماعية أو عشوائية أو مؤقتة في مناطق مختلفة من قطاع غزة، دفن العديد فيها على الفور بعد إعدامهم من قبل القوات الإسرائيلية.
الاعتداءات على المقابر
تمثل وحشية الاعتداءات الإسرائيلية على المقابر في قطاع غزة، وخاصة عمليات نبش القبور وإخراج الجثث وسرقتها والعبث بها، جرائم ضد الإنسانية تتجاوز حدود القوانين الدولية والمبادئ الأخلاقية، فهذه الأفعال الهمجية تعبر عن مستوى غير مسبوق من الوحشية وانتهاك حقوق الإنسان، وتعكس عدم احترام المتعاملين بها للإنسانية والكرامة الإنسانية.
وثق مرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اعتداء الجيش الإسرائيلي على 12 مقبرة على الأقل في قطاع غزة، عبر تعمد تجريفها ونبش وتخريب القبور فيها وسلب عشرات الجثامين منها في خضم جريمة الإبادة المستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي.
وثُقت هذه الحوادث في عدة تواريخ وأماكن مختلفة. ففي الفترة من 17 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول 2024 داهم الجيش الإسرائيلي مقبرة "الشيخ شعبان" في منطقة ميدان فلسطين بمدينة غزة، وقام بجرف عشرات القبور ودهس جثامين القتلى والموتى.
وفي 20 ديسمبر/كانون الأول شهد فريق الأورومتوسطي عمليات تدمير وتخريب واسعة في مقبرة تبعد حوالي 1.7 كيلو مترا شرقي الجزء الأوسط من خان يونس جنوبي قطاع غزة، حيث تم نبش القبور في مساحة تبلغ حوالي 2500 متر مربع، وفي 25 ديسمبر/كانون الأول، تلقى المرصد الأورومتوسطي إفادات بتجريف الجيش الإسرائيلي لمقبرة "بيت حانون" شمالي قطاع غزة وتخريب قبور بداخلها.
وفي 5 يناير/كانون الثاني تعرضت مقبرة "البطش" شرقي مدينة غزة إلى عمليات تجريف واسعة شملت نبش القبور والدوس بالآليات العسكرية على جثامين القتلى فيها وتقطيع بعضها، وقال سكان محليون لفريق الأورومتوسطي إنهم تفاجؤوا بآثار اقتحام الجيش الإسرائيلي مقبرة "البلدة" وهدم القبور بالآليات العسكرية وتدمير المقبرة بالكامل.
ووثق المرصد الأورومتوسطي هجمات إسرائيلية طالت مقابر "علي بن مروان" و"الشيخ رضوان" و"الشهداء/المقبرة الشرقية" و"المقبرة التونسية،" إضافة إلى مقبرة "كنيسة القديس برفيريوس،" وجميعها تقع في مدينة غزة، إلى جانب مقبرة "الشهداء" في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، ما أدى إلى تخريب وتحطيم عشرات القبور فيها والاعتداء على كرامة الشهداء ودون مراعاة لحرمة المقابر والموتى.
وتحققت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" من مقابر أخرى دمرها جيش الاحتلال، منها مقبرة "الفالوجا" التي تقع بالقرب من مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة، ومقبرة الشجاعية الواقعة شمال قطاع غزة.
وكشف تحقيق أجرته شبكة "سي إن إن" أن الجيش الإسرائيلي "دنّس ما لا يقل عن 16 مقبرة في هجومه البري على غزة، ما أدى إلى تدمير شواهد القبور، وقلب التربة، وفي بعض الحالات، استُخرجت الجثث."
بعد نبش القبور وتجريف المقبرة قام جيش الاحتلال بسرقة قرابة 150 جثمانا من جثامين الشهداء التي دُفنت حديثا، ثم نقلها إلى جهة مجهولة، مكررا هذه الجريمة أكثر من مرة وكان آخرها تسليم 80 جثمانا من جثامين شهداء سابقين مُشوهة
سرقة الجثث والعبث بها
وكان المكتب الإعلامي الحكومي بغزة قد كشف أن جيش الاحتلال الإسرائيلي نبش قرابة 1100 قبر في مقبرة "حي التفاح" شرق مدينة غزة، وأن آليات الاحتلال قامت بتجريفها وإخراج جثامين الشهداء والأموات منها.
وأوضح المكتب في بيان أنه بعد نبش القبور وتجريف المقبرة قام جيش الاحتلال بسرقة قرابة 150 جثمانا من جثامين الشهداء التي دُفنت حديثا، ثم نقلها إلى جهة مجهولة.
وأشار أيضا إلى أن الاحتلال كرر هذه الجريمة أكثر من مرة، وكان آخرها تسليم 80 جثمانا من جثامين شهداء سابقين كان سرقها من محافظتي غزة وشمال غزة، وعبث بها، وسلمها مُشوهة ودفنت في رفح، رافضا تقديم أي معلومات حولها، بحسب البيان.
اعتراف الجيش الإسرائيلي بجرائمه
عترف الجيش الإسرائيلي بتدمير مقبرة في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة ونبش قبور فيها، بحجة البحث عن جثث محتجزين إسرائيليين. وذلك ردا على سؤال لمراسل وكالة الأناضول حول الموضوع. قال "في إطار معلومات استخباراتية وعملياتيه مهمة، ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات إنقاذ جثث رهائن في مواقع حساسة ومحددة، استنادا لمعلومات تشير إلى احتمال العثور على جثث الرهائن فيها."
وأضاف أن الجثث الموجودة في القبور "تبين أنها ليست لأسرى إسرائيليين، ولذا أُعيدت باحترام إلى القبور."
صمت دولي عن الجرائم
تشهد الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة على تقصير المجتمع الدولي وصمته المريب. فإن الرد الدولي على هذه الانتهاكات الجسيمة يظل دون المستوى المطلوب، رغم أن معظم هذه الجرائم تنتهك القانون الدولي وتمثل انتهاكا صريحا لحقوق الإنسان. إلا أن الدول والمؤسسات الدولية تبدي تقاعسا ملحوظا في التصدي لهذه الأعمال الوحشية.
يظل الصمت الدولي تجاه جرائم إسرائيل في قطاع غزة مثار استياء وغضب عالميين، إذ يظهر هذا الصمت فشل المجتمع الدولي في تطبيق العدالة وحماية الضحايا.
فعلى الرغم من التقارير الدولية الموثوقة التي أثبتت ارتكاب إسرائيل جرائمَ حرب وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في قطاع غزة، فإن الردود الدولية تبقى محدودة وغير فعالة. يثير هذا الوضع تساؤلات عميقة حول تطبيق مبادئ العدالة والمساءلة في المجتمع الدولي، ويعكس تقصيرا خطيرا في حماية المدنيين الفلسطينيين المعرضين لأبشع أشكال الانتهاكات.
آثار ومآسي الحصار الإسرائيلي
يشكل الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وتدمير المقابر ونبش القبور وإخراج جثث القتلى والشهداء وسرقتها والعبث بها مأساة إنسانية لا توصف، تترك آثارا عميقة على السكان المحاصرين في هذه المنطقة المنكوبة. يعيش الفلسطينيون في ظل هذا الوضع القاسي الذي يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، ذلك أنهم يعانون من نقص حاد في الموارد الأساسية مثل المياه والكهرباء والغذاء والرعاية الطبية.
تتسبب جرائم إسرائيل في تدمير المقابر ونبش القبور وإخراج جثث القتلى والشهداء وسرقتها والعبث بها في زيادة معاناة الأسر الفلسطينية التي تفقد أحباءها، فهذه الأعمال الوحشية لا تنتهك فقط حرمة الموتى والمقابر، بل تتسبب أيضا في إضافة ألم جديد إلى جراح الشعب الفلسطيني المتعب.
يمثل نبش القبور وسرقة جثث القتلى والشهداء انتهاكا جسيما للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. فالقانون الدولي الإنساني يحظر سلب جثامين القتلى، وذلك بموجب اتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩، التي تجمع اتفاقيتها الأولى والثانية والرابعة على ضرورة حماية جثامين القتلى من السلب وسوء المعاملة، كما ينص البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام ١٩٧٧ على حظر انتهاك رفات الأشخاص الذين توفوا بسبب الاحتلال أو الأعمال العدائية. ويعتبر الاعتداء على الكرامة والمعاملة المهينة للأشخاص، بما يشمل الموتى، جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
العمل الدولي لمحاسبة الجرائم الإسرائيلية وحماية المدنيين في غزة ليس مجرد واجب إنساني، بل هو ضرورة إنسانية وقانونية تتطلب التحرك الفوري والجاد من قبل المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات الصارخة وتحقيق العدالة والسلام في المنطقة.
ضرورة المحاسبة وحماية المدنيين
تبرز الضرورة الملحة للعمل الدولي لمحاسبة الجرائم الإسرائيلية وحماية المدنيين في قطاع غزة بصفتها مسألة لا يمكن تجاهلها، وتتطلب استجابة فورية وفعالة من المجتمع الدولي.
أولا، ينبغي على المجتمع الدولي العمل على محاسبة الجرائم الإسرائيلية التي ترتكب بحق المدنيين في غزة، وتحقيق العدالة وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى المحاكمة، سواء كانوا ضباطا عسكريين أو مسؤولين سياسيين. ويتعين على المحكمة الجنائية الدولية أن تلعب دورها في هذا الصدد، من خلال فتح تحقيقات شاملة ومستقلة في الجرائم التي ارتكبت في غزة، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
ثانيا، يجب على المجتمع الدولي تعزيز جهوده لحماية المدنيين في غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إليهم بشكل آمن وفعال. وينبغي على الدول والمنظمات الإنسانية العمل على تقديم الدعم اللازم للسكان المحاصرين في ظل الحصار الإسرائيلي، وضمان توفير الرعاية الطبية والغذاء والمأوى لهم.
ثالثا، ينبغي على المجتمع الدولي زيادة الضغط الدبلوماسي على إسرائيل لوقف الهجمات العسكرية على غزة ورفع الحصار الخانق عنها، ويجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تبني قرارات قوية تدين الانتهاكات الإسرائيلية وتطالب بوقف العدوان وإنهاء الحصار، مع فرض عقوبات على إسرائيل إذا لزم الأمر.
إن العمل الدولي لمحاسبة الجرائم الإسرائيلية وحماية المدنيين في غزة ليس مجرد واجب إنساني، بل هو ضرورة إنسانية وقانونية، تتطلب التحرك الفوري والجاد من قبل المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات الصارخة وتحقيق العدالة والسلام في المنطقة.
ختاما
صارت الحاجة ملحة للتحرك الدولي لوقف الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان الحماية الكاملة للمدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك حماية حقهم في الدفن الكريم والمحافظة على حرمة المقابر.