تواجه العملية التعليمية والمدارس في اليمن، الكثيرَ من الصعوبات والتحديات نتيجة الحرب والصراع المستمر منذ نحو 10 أعوام؛ أبرزها الدمار الذي تعرضت له كثير من المدارس، وتحوُّل بعضها إلى ثكنات عسكرية في ظل تعليم منقسم بين أطراف الصراع، سمح بتنامي وازدهار التعليم الأهلي التجاري وسط تردٍّ معيشيّ يطال معظم اليمنيين.
وتشير تقارير منظمات أممية، إلى أنّ هناك 2,916 مدرسة مدمرة في اليمن (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) أو تضررت جزئيًّا أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية بسبب النزاع الذي شهدته البلاد .
في السياق، كانت تعز (جنوب غربي اليمن) من أبرز المحافظات في البلاد تضررًا من تبعات الحرب والصراع الذي طال الجانب التعليمي، حيث لا تزال هناك العديد من المدارس مدمرة، ومنها ما أصبح يشكل تهديدًا للطلاب، كما هو حال مدرسة الشيخ إبراهيم عقيل(*)، المجاورة لجامعة تعز الحكومية في منطقة حبيل سلمان.
فقد تعرضت المدرسة لقصف أضرّ بجزء كبير منها، وجعلها غير قادرة الطلاب وتوفير بيئة مناسبة للتعليم، إذ أثر ذلك سلبيًّا على حياة الطلاب والمعلمين، فأكثر من 971 طالبًا وطالبة تضرروا إثر هذا القصف، وافتقد الطلاب مكانًا آمنًا للتعليم.
وضعية مقلقة للطلاب
هكذا تجسد هذه المدرسة حال التعليم المتهاوي، ليس في تعز، بل في اليمن بشكل عام، حيث تتنازعه أطراف الصراع، غير أن الأمر في الوقت ذاته، يعكس جانبًا إيجابيًّا؛ بإصرار مدينة عانت الكثير من جراء ويلات الحرب، على التعافي، وكذا إصرار المجتمع وتربويين وكوادر تعليمية على عدم الرضوخ للمعوقات، والمحاولة بما أمكن للمضي قدمًا في تجاوز المخاطر ومواصلة التعليم.
زادت خطورة المبنى مع تفاقم وضعيته، حيث أصبح مهددًا بالسقوط، وهو ما قد يعرض حياة الطلاب والكادر التعليمي لمخاطر قد تكون كارثية، إذ يؤكد مدير المدرسة أنه يتم اتباع ما أمكن من إجراءات السلامة ومنع الطلاب من دخول الجزء الأكثر تضررًا وخطرًا من المبنى المدمر، إلا أن الطلاب لا يلتزمون بالتعليمات.
يذكر عبدالغني الحيدري، مدير المدرسة، لـ"خيوط"، أنه طلب الدعم من جهات حكومية ومنظمات عديدة، ولكن لم يجد أي استجابة، مما جعله يواصل العملية التعليمية في مدرسة جزء منها مُتضرر بالكامل إثر القصف العنيف الذي طالها من الحوثيين بداية سنوات الحرب، موضحًا أن هناك العديد من العوائق والصعوبات يواجهها الكادر التعليمي والطلاب في هذه المدرسة، حيث يحتوي الفصل الدراسي الواحد أكثر من 100 طالب وطالبة.
تعرضت المدرسة التي تأسست في العام 1990، للقصف من جماعة الحوثي؛ مما أدى إلى توقف الدراسة فيها خلال العام الدراسي 2015/2016، ثم عادت للعمل واستقبال الطلاب بعد ذلك بنحو ثلاث سنوات، ومنذ ذلك التاريخ تسوء حالة المبنى المدمر بالكامل، حيث أصبح مهددًا بالتهاوي والسقوط في أي لحظة، فضلًا عن خطورة وضعيته المقلقة جدًّا والتي أثرت على نفسية الطلاب وتحصيلهم الدراسي.
كما أدى القصف إلى تدمير المبنى المدرسي المكون من 12 فصلًا و12 قاعة دراسية أخرى متعددة الاستخدامات، إضافة إلى مرافق الإدارة والسكرتارية والمعامل والمخازن والمكتبة، وغيرها من المرافق الموجودة فيها .
يقول علي شريف، معلم في المدرسة، لـ"خيوط": "كانت القدرة الاستيعابية مناسبة، والعملية التعليمية تسير بشكل أفضل وتنعكس على تطور التحصيل العلمي للطلاب، وذلك قبل العام 2015. لكن اختلف الأمر بعد ذلك بالنظر إلى أن التدمير لم يطل مثل هذه المباني والمرافق التعليمية، بل طال التعليم بشكل عام، والطلاب والكادر التعليمي والتربوي".
يضيف: "لم نتوقف عن مناشدة الجهات الحكومية والخاصة، لكن لم ينظر إلينا أحد، وهذا ما يؤكد عدم مسؤولية هذه الجهات، الأمر الذي أصابنا باليأس في ظل ما نقاسيه من معاناة معيشية تفوق الاحتمال".
صعوبات وأضرار نفسية
وزادت خطورة المبنى مع تفاقم وضعيته، حيث أصبح مهددًا بالسقوط وهو ما قد يعرض حياة الطلاب والكادر التعليمي لمخاطر قد تكون كارثية، إذ يؤكد مدير المدرسة أنه يتم اتباع ما أمكن من إجراءات السلامة، ومنع الطلاب من دخول الجزء الأكثر تضررًا وخطرًا من المبنى المدمر، إلا أن الطلاب لا يلتزمون بالتعليمات.
لم تتوقف تبعات هذا الجزء المدمر المهدد بالسقوط عند خطورة وضعيته، بل هناك تبعات أخرى نفسية طالت الكثير من الطلاب الذين أجبرتهم الظروف الصعبة على الاستمرار بالتعليم في هذه المدرسة الواقعة في منطقتهم أو القريبة منها، إضافة إلى تأثير الأوضاع المعيشية الصعبة، وتردي مستوى الدخل على الأسر التي أصبح كثير منها غير قادرة على إلحاق أبنائها بمدارس خاصة أهلية ودفع رسوم وتكاليف دراستهم.
تقول الطالبة نور، لـ"خيوط": "أكثر ما يؤثر على نفسيتي بصفتي طالبة في المرحلة الثانوية، هذا الركام الذي يحيط بالمدرسة، لا يوجد حتى سور يحتوينا نحن الطلاب، ويوفر لنا الأجواء المناسبة للتعليم"، إذ لم يعد التعليم مناسبًا في مثل هذه المدارس التي تعد من أكثر المرافق المتضررة من الحرب، وهو الأمر الذي جعل نور وكثيرًا من زميلاتها يفكرن بالتوقف عن الذهاب للمدرسة.
ترميم مبانٍ من الفئتين
بحسب تقرير لليونيسف؛ كان للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء اليمن وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلًا، تأثيرًا بالغًا على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية لكافة الأطفال في سن الدراسة، البالغ عددهم (10,6) مليون طالب وطالبة في اليمن.
هناك حوالي 258 مدرسة، وما يقرب من 127 مدرسة في منطقة الشمايتين في حالة ترميم، من ضمنها المدارس التي تأثرت جراء الحرب، وبينها المتآكلة من تلقاء نفسها، يأتي ذلك في الوقت الذي زاد فيه عدد الطلاب بشكل واضح بسبب النزوح للمدينة، حيث فاق العدد المطلوب، وهو ما انعكس على القدرة الاستيعابية للمدارس.
كما يواجه الهيكل التعليمي مزيدًا من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين -ما يقرب من 172,0000 معلم ومعلمة- على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016 أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.
يأتي ذلك في الوقت الذي تستعد فيه تعز لعام دراسي آخر مليء بالتحديات في ظل مدارس مدمرة وصعوبات واسعة في التعليم، الأمر جعل الكثب يتساءل عن دور الجهات الحكومية والسلطة المحلية التي تقف موقف المتفرج من هذه الوضعية التي تتفاقم من عام لآخر.
نائب مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة تعز، بجاش المخلافي، يؤكد في هذا الصدد لـ"خيوط"، أن المدارس تأثرت جراء الحرب بعضها تعرضت للقصف وأخرى متآكلة، إذ يتم العمل على ترميم المباني من الفئتين المتضررتين.
وفق المخلافي، فإن هناك حوالي 258 مدرسة، وما يقرب من 127 مدرسة في منطقة الشمايتين في حالة ترميم، من ضمنها المدارس التي تأثرت جراء الحرب، وبينها المتآكلة من تلقاء نفسها (المنتهيات)؛ بحسب تعبيره. مشيرًا إلى أن عدد الطلاب زاد بشكل واضح بسبب النزوح للمدينة، حيث فاق العدد المطلوب، وهو ما انعكس على القدرة الاستيعابية للمدارس التي أصبحت تعاني من الازدحام الشديد، مؤكدًا على مواجهة ذلك بالعمل على بناء 12 مدرسة في المناطق الحكومية بمحافظة تعز .
كما تبذل السلطات التعليمية المختصة جهودًا واسعة تسير بشكل مرتب وخطط مدروسة، كما يتحدث المخلافي، إذ تغطية العجز بتوفير 40 ألف مقعد مدرسي مزدوج، وذلك بالتزامن مع جهود أخرى لتأهيل وترميم وتجهيز العديد من المدارس.
(*) المدرسة تحمل اسم مفتي تعز السابق، الشيخ إبراهيم عقيل الذي تميز بتوجهه الاعتدالي.