"لن تكفيكِ أحضان العالم كافة ما لم تحتضني نفسك من الداخل"؛ وغيرها الكثير من العبارات التي تحدّث عنها الفلاسفة والأنبياء بضرورة حمل المسؤولية الذاتية بأبعادها المادية والفكرية، ومن ثم بث العطاء الجميل للآخر، ومشاركته بدلًا من تسوله؛ إلا أن هذا المجتمع ينظر لعدم الارتباط بشريكٍ للحياة، جريمةً تُحاسب عليها المرأة.
كما أن الطلاق في المجتمع اليمني غضب سماوي وليس حدثًا طبيعيًّا من عوارض الطبيعة البشرية الاجتماعية التي تحدث نتيجة عدم الانسجام بين طرفين، كما يحدث في باقي علاقات الحياة الكثيرة، بل إنه يتموضع نحو نظرة ثقافية مشوهة تُسقَط على المرأة التي أُجبرت أو فضّلت الانسحاب من العالم الذي لا تستطيع التناغم معه.
المجتمع اليمني تتفشى فيه موروثات خاطئة ينبغي تغيير جذورها وآثارها، ومن ثم التوجه نحو كيفية التعافي منها؛ حيث إن الأسرة هي النموذج المصغر للمجتمع، الذي يعكس ملامح الوطن الكبير بنظراته الخاطئة نحو المرأة المطلقة.
إنّ قوانين الكون تنعكس على الأفراد والمجتمعات، كتلك التي تُسيّر التفاعلات الذرية التي تسعى دومًا للارتباط لتشكّل تبادلية الحياة، التي تعكس ثقافة وملامح إنسانية جديدة في إثر التواصل الذي لم يُفهم معناه جيدًا، لا سيما في الزواج في أوساط شريحة كبيرة في المجتمع، كقانون لاكتشاف الذات أولًا، ولمّ أجزائها المختلفة، وتعلم الاتزان جراء الاتصال مع الآخر. وثانيًا لتحقيق قانون التكامل مع النصف الآخر بغير المعتقدات الخاطئة، مثل "الزواج ستر"؛ بالرغم من كون الزواج ليس إلا وثيقة غليظة بين طرفين للتطور في الحياة ومواجهتها بحلوها ومرها، بعد الاتفاق على أساسيات العيش وانسجام جزء كبير من طبيعة الطرفين، الذي ستُبنى به الأسرة، وتنشأ من خلالها جينات بصفات وراثية جديدة، تسهم في الحياة بشكل أفضل وأصلح للأسر القادمة وللمجتمعات.
قرار الطلاق
يبدأ "الزواج" بالنسبة لليمني -غالبًا- بركائز خاطئة توجه نحو المظاهر السطحية والفرحة المفتعلة دون النظر إلى المفهوم الفلسفي العميق للزواج، الذي تهشمه الصفة الذكورية المزيفة والسائدة في المجتمع لنفسها أولًا، وللأنثى التي يتم استدراجها نحو علاقة عبودية أو ملك اليمين، والتي لديها آلية وظروفًا خاصة، إلا أنها تؤخذ في عباية الزواج، وتعود نشأتها إلى جذور تاريخية مبكرة، ظلت المجتمعات الأكثر تعصبًا والأقل فهمًا لرونق الحياة وانسيابيتها متمسكة بها منذ بكور البشرية.
وأثناء أو بعد الشعور بالألم يبغي أن تسألي نفسك أيتها المطلقة، عن سبب الألم وسوف ينتهي غالبًا في جذورٍ تحمل أفكارًا عن عدم القبول وعدم الحب، والشعور بالخطيئة والذنب والعار في الحياة، إلى جانب الشعور باستحقاق "ربوبية" الرجل الذي يدثر المرأة ويسترها من خطيئتها الوجودية ونقصها ودونيتها، كل امرأة مطلقة ينبغي أن تفتش في معتقداتها السامة جيدًا.
ولأنّ ما بُنيَ على باطل فهو باطل؛ كذلك الطلاق يتم بصورة خاطئة مخالفة للشريعة الإسلامية التي يزعم المجتمع استمداده منها، ومخالفًا أيضًا للقانون الدولي الذي يُشترط فيه مشاركة الطرفين لقرار الطلاق، كما في الزواج.
تُنكر المرأة المطلقة ما حدث، بل ولا تريد التفكير بالطلاق، لكنها بعد ذلك تغضب غضبًا شديدًا على الحياة بمسمياتها وأحداثها المختلفة، لا سيما تلك المعتقدات الخاطئة عن المرأة المطلقة، في ظل مجتمع ينظر إليها بالعار والخطيئة والنقص، أو الشفقة إذا كان أكثر تعاطفًا.
في حين تتمنى المرأة المطلقة ألّا تكون مطلقة في المجتمع اليمني، وتتساءل لماذا هي بالذات الذي وقع في طريقها الطلاق، تحزن ثم ينتهز الاكتئاب فرصته، بقلقه ومخاوفه وانعدام معاني الحياة ليظل ممتدًا باضطرابه إلى ما بعد الصدمة ثم الانفصال عن الواقع الذي آلامه تكون قاسية؛ وتزداد الآثار كرتين أو أكثر إذا وُجد الأطفال، والذين يتم إقحامهم في مشكلة الطلاق. وتنتقل صدمته النفسية والأبوية والاجتماعية والمادية إليهم ثم إلى المجتمع الذي سيعبّر فيه الأطفال عن أنفسهم التي عرفوها من خلال التمزق الأسري الذي يؤدي إلى الصراع والتخلف.
خطيئة المعتقدات السامة
لأجل معالجة مشكلة الطلاق -خصوصًا لدى المرأة اليمنية، التي تدفع ثمنًا كبيرًا عندما تُقرر الطلاق إن لم تنسجم أو تضررت في إثر زواج سام أو عندما تُطلق ولا تملك قرارًا بالطلاق، وكأنها مجرد سلعة انتهت صلاحيتها من قبل قرار فردي (الزوج) ومجتمع يدعي أنه "محافظ" أو يحافظ على المرأة ويطبق التعاليم السماوية- كل امرأة مطلقة ينبغي أن تمسك المرآة، وتقول لنفسها: ينبغي التقبل والشعور بالألم بغض النظر عن نوعه وجذره كما هو.
وأثناء أو بعد الشعور بالألم، ينبغي أن تسألي نفسك أيتها المطلقة، عن سبب الألم وسوف ينتهي -غالبًا- في جذورٍ تحمل أفكارًا عن عدم القبول وعدم الحب، والشعور بالخطيئة والذنب والعار في الحياة، إلى جانب الشعور باستحقاق سطوة الرجل الذي يدثر المرأة ويسترها من خطيئتها الوجودية ونقصها ودونيتها!
كل امرأة مطلقة ينبغي أن تفتش في معتقداتها السامة جيدًا، وتستبدلها بالأفكار الحقيقية التي تستند على أساس معرفي يجب أن يُصقل دائمًا بالعادات الجيدة والعلاقات الاجتماعية الصحية والتجارب والقراءة والبحث ثم مواجهة المجتمع والاندماج فيه من غير أن يجب عليها مجاراة أفكارهم عن المرأة المطلقة، بل بفرض إنسانيتها الأنثوية بانسيابية وطبيعية، دون الاضطرار إلى التبرير أو الصراخ في العلن. وأما المرأة المطلقة هي امرأة قوية، قررت العيش بطريقة أفضل أو خُذِلت فصقلتها الحياة وازدادت قوة وجمالًا.
وأما الأطفال الذين ينشَؤُون في أسرة منفصلة الأبوين بطريقة سليمة، هم أفضل بكثير ممن ينشؤون في أسرة تملؤها الصراعات، ويتجلى فيها الطلاق النفسي بشكل يفوق اهتزازُه صوتَ الطلاق العلني؛ لكن مصيرهم أسوأ بدون شك إذا كان الطلاق يتم حسب العادات والتقاليد اليمنية الخاطئة، ويزداد سوءًا لدى انعدام تحمل مسؤوليتهم من الأبوين، سواء نتيجة ظروف قسرية أو غير إنسانية؛ لكن يجب على المرأة المطلقة الصمود تجاه الظروف واستخراج الأمومة الكامنة.
ينبغي التوعية بمفهوم الطلاق كما ينبغي التوعية بمفهوم الزواج، فإن الفرد هو أول جزء في الأسرة، وإن الأسرة الصغيرة هي نفسها الأسرة التي ستتجلى في إثرها المشكلات الحكومية والفقر والتخلف وانعدام العيش بطريقة سامية وآمنة إن لم يتم بناؤها على أسس صحيحة، والعكس صحيح.
أمشاج ومفاهيم زائفة
الكائن البشري هو الكائن الأسمى على هذه الأرض، وهو الأكثر تعقيدًا وهو القادر على استجلاب طاقات كامنة لم يعتقد بوجودها، لا سيما تلك الأنوثة التي "تجري من تحتها الأنهار"، والتي تم التغطية عليها بضباب ونُقب سوداء من المعتقدات الخاطئة التي تجعلها تقع تحت خديعة الضعف والعار الأنثوي وشحاذة الحب بدلًا من مشاركته وتوزيعه على الأقربين أولًا كالأسرة التي تم سرقة مفاهيمها باسم السلطة الذكورية الزائفة بدلًا من مشاركة المهام مع المرأة التي هي النصف الآخر لبداية الأسرة، وسرقة القرارات الأسرية كالطلاق الذي يتفرد به الرجل، ويرث تلك الأحقية أبًا عن جد، حتى تفشى التهتك والضعف الأسري الذي يُبني على ضعف، ويستمر على ضعف، وإن انتهى ينتهي على وهن، لا سيما الرجل العصبي، الأكثر عرضة لأضرار التلوث، الذي يجب تحسين أيديولوجيته وإبراز صفاته السامية.
هناك حكمة تقول: "كما في الداخل كذلك في الخارج، وكما في الأعلى كذلك في الأسفل"، فكما في الأسرة كذلك في الدولة والمجتمع وما المجتمع إلا أسر، وما الدولة إلا أسرة واحدة نشأت بذرتها من أمشاج مؤنثة، وأمشاج مذكرة، تم التعبير بهما نحو الواقع وصناعات القرار؛ ولأجل العيش في كنف علاقات صحية وتواصل مجتمعي ينبغي إصلاح الأساس بأفكار سليمة، فالمرأة المطلقة هي صاحبة تجربة تزيد إلى خبراتها الحياتية.
المرأة المطلقة هي امرأة شربت من تصادمات الحياة الأسرية ومن نظرات المجتمع التي ينبغي أن تواجهها بتجلي قوتها الأنثوية وإعادة الاتصال مع الحياة بنظرة جديدة، حيث التناغم مع صوت الحمام والموسيقى الكونية.