أعادت الولايات المتحدة الأمريكية تصنيف جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن كيانًا إرهابيًّا عالميًّا، على خلفية الهجمات التي تستهدف السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ خلال ثلاثين يومًا، ما لم تُغيّر الجماعة من سلوكها.
ويعتبر هذا التصنيف الأمريكي تصنيفًا خاصًّا ضمن نطاق "SDGT"، الذي لا يترتب عليه فرض عقوبات مشددة، ويسمح بتدفق الغذاء والدواء والوقود، وليس ضمن نطاق "FTO" الخاص بالتنظيمات الخطرة من وجهة نظر أمريكية.
ويأتي هذا القرار الأمريكي بعد 26 عملية نفذتها قوات الحوثيين ضد السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر خلال 77 يومًا منذ بدء تنفيذ قرار سلطة صنعاء بمنع مرور السفن التجارية المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية عبر البحر الأحمر.
كما يأتي هذا التصنيف الأمريكي بعد أربعة أيام على تدشين الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن، ضمن ما يسمى بتحالف "حارس الازدهار".
وأثار التصنيف الأمريكي بـ"إرهابية" الحوثيين، العديدَ من ردود الأفعال في الأوساط السياسية اليمنية، المنقسمة ما بين التأييد المفرط في التفاؤل والرفض القاطع والعنيف، والموقف المخاتل بين هذا وذاك.
الموقف الحكومي
الحكومة اليمنية "الشرعية" سارعت إلى تأييد هذا القرار الأمريكي، الذي تراه فرصة لتخليصها من ربقة الضغوطات الخارجية التي تقسرها على القبول بتسوية سياسية مع جماعة الحوثيين التي تأبى التفاوض مع الحكومة، بل وتعتبرها مجرد أداة تابعة للسعودية والإمارات.
ويرى الجانب الحكومي أنّ هذا القرار من شأنه تغيير مسار التعامل الدولي مع الحوثيين باعتبارهم جماعة إرهابية، وليس طرفًا سياسيًّا وعسكريًّا، كما أنّ هذا القرار ينقل الحوثيين من درجة الإرهاب المحلي إلى مرتبة الإرهاب العالمي، من وجهة نظر الحكومة.
وبالرغم من اتفاق مكونات الحكومة الشرعية على الترحيب بالقرار الأمريكي، فإنّ كل مكون سياسي يأمل أن تصب تداعيات القرار لصالحه، فالمجلس الانتقالي الجنوبي يسعى للحصول على دعم غربي لتمكينه من السيطرة الفعلية على جنوب البلاد، بما فيها البحر العربي وخليج عدن.
فيما تتعشم قوات طارق صالح حصولها على دعم غربي يمكّنها من الاستيلاء على مدينة وميناء الحديدة.
أما بالنسبة لحزب الإصلاح فقد لاذ بالصمت المريب، فلم يرحب بالقرار الأمريكي، ولم يعترض على بيان الحكومة المؤيد للقرار الأمريكي الذي يهدف إلى دعم الكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
ورغم الصمت الإصلاحي بوصفه حزبًا، فقد برزت أصوات لقيادات إصلاحية تعلن رفضها للتحركات والتصنيفات الأمريكية، وآخرها تصريحات القيادي البارز عبدالمجيد الزنداني التي ألمح فيها إلى إمكانية التقارب مع الحوثيين، مؤكدًا على ضرورة نبذ الخلافات بين الأحزاب والجماعات السياسية والدينية، ووجوب توحيد الجهود لنصرة الشعب الفلسطيني ضد العدوان الصهيوني المدعوم غربيًّا.
الموقف الحوثي
أما موقف جماعة أنصار الله (الحوثيين) فقد تركز على التقليل من أهمية وفاعلية القرار الأمريكي على الأرض.
وقالت الجماعة في بيان لها، إن هذا التصنيف الأمريكي لا معنى له وليس له أي أهمية.
ومع ذلك وفي البيان نفسه، اعتبرت الجماعة هذا القرار بأنه ظلم وتضليل، وأنه يخدم الإجرام الصهيوني المقترف بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
كما أصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، مهدي المشاط، توجيهًا بإنشاء قانون لإدراج أمريكا وإسرائيل وبريطانيا في قائمة الدول الإرهابية المعادية لليمن.
وفي خطابه الأخير، قال زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، إنهم سيتعاملون مع هذا القرار بالمثل، وإنهم سوف يصنفون أمريكا وحلفاءها في قائمة الإرهاب.
وأكّد الحوثي أن التصنيف الأمريكي لن يثنيهم عن موقفهم الداعم للشعب الفلسطيني، ولن يتراجعوا عن استهداف السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، بل أضافوا السفن الأمريكية والبريطانية على قائمة أهدافهم.
وحرصت الجماعة على رفع وتيرة هجماتها على السفن الأمريكية، عقب قرار التصنيف، رغم استمرار الرقابة الجوية الأمريكية على اليمن وتواصل القصف الأمريكي على مواقع للحوثيين من خلال المقاتلات الحربية، إضافة إلى إطلاق صواريخ توماهوك، عبر الغواصات والمدمرات البحرية، وهي صواريخ استراتيجية وتكتيكية ذات المدى البعيد، ويزن الصاروخ 1.5 طن، وهو مزود بقدرات مختلفة، منها تبديل مساره بعد عملية الإطلاق؛ ولهذا يطلق عليه اسم (صاروخ جوال) كما أنه مزود بشحنة ناسفة تبلغ 450 كيلو غرامًا.
الموقف الأمريكي
وبعيدًا عن التفاؤل الحكومي اليمني المفرط بشأن قرار التصنيف، واللامبالاة الحوثية تجاه القرار، فقد جاء التفسير الأمريكي للقرار سريعًا وواضحًا على لسان جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وجون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، اللذين أكّدا على أنه مجرد قرار مع وقف التنفيذ مؤقتًا، بل وقابل للإلغاء إذا تحققت الغاية منه، وأنه لا يستهدف اقتصاد سلطة صنعاء ولا تعطيل ميناء الحديدة، ولا يؤثر سلبًا على الخارطة الأممية المرتقبة للسلام في اليمن، وأنّ القرار لا يعدو كونه ورقة ضغط على جماعة الحوثيين للحد من هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن.
إدارة الرئيس بايدن لا تسعى إلى إحداث مزيد من التصعيد مع الحوثيين، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع أن تظل مكتوفة الأيدي حيال الهجمات الحوثية المتزايدة في البحر الأحمر، خاصة في ظل ضغوطات داخلية، سرعان ما استحالت إلى اتهامات لإدارة بايدن بالتساهل والضعف.
كما أن القرار نفسه يتضمن تصنيف حركة "أنصار الله" بأنها "كيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص" (SDGT) Specially Designated Global Terrorist group، بدلًا من تصنيف الجماعة كـ"منظمة إرهابية أجنبية" (FTO) Foreign Terrorist Organizations.
وبينما يتم إنشاء قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية من قبل الكونجرس الأمريكي، تأتي قائمة الكيانات الإرهابية العالمية بموجب أمر تنفيذي وبمنأى عن الكونجرس، وهو ما يمنح الرئيس الأمريكي حرية ومساحة أكبر بشأن موعد وطريقة تنفيذ تلك العقوبات، واختيار الاستثناءات.
ومن هنا جاء تأجيل موعد سريان هذا القرار بعد 30 يومًا، وكأنها أقرب إلى كونها مهلة أخيرة للحوثيين، كما أنها تؤشر على وجود مساعٍ أمريكية لاستمرار المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وصنعاء عبر وساطة عمانية.
وبحسب مراقبين، فإن إدارة الرئيس بايدن لا تسعى إلى إحداث مزيد من التصعيد مع الحوثيين، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع أن تظل مكتوفة الأيدي حيال الهجمات الحوثية المتزايدة في البحر الأحمر، الذي يمر عبره 12٪ من التجارة العالمية، خاصة في ظل ضغوطات داخلية سرعان ما استحالت إلى اتهامات لإدارة بايدن بالتساهل والضعف إزاء الهجمات الحوثية المهددة للملاحة البحرية والاقتصاد العالمي.
ولهذا لجأت إدارة بايدن لاتخاذ هذا القرار الحازم في ظاهره، المرن جدًّا في مضمونه، وذلك بهدف دفع التهم الموجهة للحزب الديمقراطي في ظل تدشين الانتخابات الحزبية لاختيار مرشحي الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها مطلع العام القادم.
كما أنّ قرار التصنيف جاء لاحقًا للهجوم الأمريكي البريطاني على اليمن، في تراتبية غير متدرجة، إذ إن وقع الهجوم العسكري أقوى أثرًا من مجرد قرار مجمد غير قابل للتنفيذ إلا بعد مضي 30 يومًا من موعد صدوره، بل قد يكون قابلًا للإلغاء إذا ما انتفت مسبباته وتوقفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهذا ما هو متوقع وسط أنباء عن خطة سلام أمريكية تتضمن إيقاف الحرب على غزة واستكمال التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي، مقابل موافقة إسرائيل على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية.
صفوة القول؛ إن القرار الأمريكي بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب، مرهون بتطورات الأحداث في قطاع غزة، فإذا ما توقفت الحرب الإسرائيلية على غزة، فسوف تتوقف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، ومِن ثَمّ تتوقف فاعلية قرار التصنيف الأمريكي، وحينئذٍ سيعلن كل طرف انتصاره على الآخر.