لا تقل قسوة الأوضاع الاقتصادية التي يعاني اليمنيون منها، عن الحرب التي يعيشونها منذ سبع سنوات. فمع انقطاع المرتبات، وتدهور العملة المحلية، وارتفاع تكاليف المعيشة إلى مستوى كبير، وجدت بعض السيدات والفتيات بمحافظة حضرموت أنفسهن أمام ضرورة إيجاد فرصة عمل جديدة تساعد عائلاتهن على استئناف الحياة وتجاوز تبعات الأزمة الاقتصادية.
مِن هنا، برزت الحاجة إلى المشاريع الخاصة التي نشطت فيها النساء كثيرًا، من خلال مشغولاتٍ منزلية لا يتطلب القيام بها رأس مالٍ كبير، مثل: تحضير العشَّار، وصناعة البخور، والمخبوزات، والحلويات، فيما بحثت أخريات عن مؤسسات الدعم الاجتماعي والجمعيات الخيرية، التي من ضمن مشاريعها التدريب على الخياطة والتطريز، التي تسهم في تأهيل المرأة ومساعدتها على مجابهة الفقر؛ الأمر الذي زاد من نسبة النساء اللاتي يُعِلن أسرهن إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه الحال قبل الحرب.
تقول نوال المشجري _وهي صاحبة مشروع للتطريز اليدوي، وطالبة في المستوى الثالث في كلية التمريض بمدينة المكلا_ لـ"خيوط"، إنها بدأت مشروعها في التطريز اليدوي منتصف عام 2020، لكن الانطلاقة الحقيقية كانت في2021، حيث أصبحت تستخدم عدة خامات في التطريز على قطع القماش، وتزينها بإطارات خشبية، وَفق تصاميم من ابتكارها، أو بناءً على طلب العميل.
عن الإقبال على المنتج، تُبيّن نوال أنّ "هناك إقبالًا كبيرًا، خصوصًا من الفئة التي تقتني الأعمال الفنية وتقدِّر قيمتها"، ورغم أن التطريز اليدوي يكلفها ساعات طويلة من الجهد، ترى أن المشروع ساعدها على "الاستقلال المادي" كما تقول، حيث تجني دخلًا سنويًّا يصل إلى 600 دولار، تخصص جزءًا منه لنفقات المنزل.
ترى نوال أن الموهبة لا تخلق نفسها، إنما نحن. وتنصح الفتيات اللاتي يرغبن بإنشاء مشروعٍ خاص، ولديهن الفكرة، بالمبادرة فورًا إلى تنفيذها، قبل أن تموت الفكرة قبل ميلادها؛ "لا تسمحي للفكرة أن تموت بداخلك، أطلقي العِنان لكل شيء تحلمين به، لا تخافي أبدًا، كلنا في البداية ترددنا وارتبكنا أخطاءً وخسرنا أيضًا؛ التغيير دائمًا يبدأ بعد تجاوز البداية"، تردف.
مصدر دخل يسند العائلة
بدأت نجود العماري (22 سنة)، مشروعها الذي يختص بصناعة إكسسوارات وتيجان الشَّعر، باستخدام الخرز واللؤلؤ والكريستال، في أواخر 2020؛ ساعدها ذلك _كما تقول_ على الاستقلال المالي، ومواجهة تبعات الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، حيث تجني من المشروع نحو 400 ألف ريال يمني سنويًّا. إلى جانب مشروعها، فهي طالبة لغة إنجليزية في المستوى الأول، بكلية الحقوق والعلوم الإنسانية بوادي حضرموت.
في السياق، يؤكد الدكتور محمد بن جمعان، أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة حضرموت، لـ"خيوط"، أن الحرب تسببت في تدهور المستوى المعيشي في البلاد، صاحَبَه انهيارٌ شبه كامل لبِنى المجتمع، وتحملت الأسرة اليمنية تبعات هذا الانهيار، كما وقع العبء على المرأة -بحكم دورها كربة منزل- أن تتدبر شؤون أسرتها بعد التدهور الاقتصادي الحاد وفقدان العديد من الأسر لمصادر الدخل.
يوضح جمعان، أن النساء عملن على تقنين النفقات المنزلية؛ منهن من استخدمت ممتلكاتها الشخصية لتأمين هذه النفقات؛ يقول: "أُجبرَت المرأة على لعب أدوار جديدة لم تلعبها من قبل، منهن من خرجت للبحث عن العمل في خدمة البيوت، فيما اجتهدت أخريات في تنظيم بعض الأعمال الصغيرة المدرة للدخل، مستعينات أحيانًا بمعونات من الأقارب والأصدقاء أو مؤسسات الإقراض".
ترويج المبيعات عبر "إنستغرام"
ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في رواج المشاريع الخاصة من خلال عرض الخدمات والمنتجات التي يعرضها صاحب المشروع على الجمهور، دون الحاجة إلى دفع تكاليف باهظة لفتح متجر أو مكتب صغير لغرض البيع، كما الحال مع نوال المشجري؛ تقول: "اخترت الإنستغرام لعرض خدماتي؛ لأنها منصة عالمية ومجانية؛ لا تقتصر على مكان محدد، أو تتطلب منك مالًا في بداية مشروعك".
أما فاطمة بامسعود (27 سنة)، مالكة مشروع "سويت كيك"، في مديرية الديس الشرقية بحضرموت، فتقول لـ"خيوط": "قبل بَدء المشروع، لا بد أن تُحبي العمل وتتقنيه، بالإضافة إلى أهمية ترويج المبيعات الذي يعد في وقتنا الحاضر من أساسيات المشروع، لذلك اخترت الإنستغرام كحائط لعرض صور أعمالي".
تطمح فاطمة ونجود، وكثيرات من ذوات المشاريع المنزلية بحضرموت، أن يصبحن سيدات أعمال في المستقبل القريب، وقد بدأن الخطوة الأولى في هذا الطريق
عن أهمية الترويج عبر الفضاء الإلكتروني أو المنصات التفاعلية _كما تفعل فاطمة_ يؤكد الدكتور محمد الكسادي، لـ"خيوط" أن "مواقع التواصل الاجتماعي، مثل إنستغرام وفيسبوك وتويتر، أصبحت توحد الجغرافيا، وتسهل عمليات تبادل الصفقات التجارية، فضلًا عن كونها وسيلة فعّالة للتسويق والترويج للمشاريع الصغيرة، وإيصال السلع أو الخدمات إلى الزبائن، دون الحاجة إلى دفع تكاليف فتح محلات ودفع إيجارات ورسوم تراخيص تجارية؛ تحتاج فقط إلى موقع إلكتروني يمكن من خلاله عملية البيع والشراء من وإلى جميع أنحاء العالم".
ويشير إلى أن وضع المحتوى/ الخدمة على الموقع -سواء في بيع وشراء الملابس أم تجهيز حفلات الأعراس وصنع المخبوزات والحلويات وغيرها من الأعمال التي يمكن القيام بها من المنزل- أتاح للفتيات والشباب إيجاد فرص عمل، ساهمت بالتخفيف من حدة البطالة في المجتمع، في ظل شحة الفرص الوظيفية.
ينوه الكسادي إلى أن المشاريع الصغيرة تحتاج إلى المصداقية والشفافية في التعامل، كونها سر نجاح المشروع، كما يشدد على أهمية وضع خطة استراتيجية تساعد في تحقيق الأهداف المرجوة من المشروع، علاوة على جودة الخدمة والاستمرار في الحملات الإعلانية والترويجية، كي يُكتب لها الاستمرار والنمو لخلق علامة تجارية.
عراقيل وعقبات
نظرًا لكونها زوجة وطالبة جامعية وتعمل في مشروعٍ خاص في آنٍ واحد، كان على نجود العماري أن تواجه قائمة من العقبات التي حاولت تخطيها؛ "كنت أحاول التوفيق بين عملي وأسرتي ودراستي، وبتوفيق من الله تمكنت من ذلك، لكن انعدام توفر بعض المواد التي احتاجها في عملي، يجعلني ألجأ إلى استيرادها من خارج حضرموت، وهذا مكلف جدًّا!"، حد قولها.
وعن تأثير الأمومة على المشروع التجاري الذي بدأته فاطمة بامسعود، في صناعة الكيك، بعد تخرجها من الجامعة عام 2017، "قبل الزواج كنت أعمل بشكل يومي، أما الآن فلديّ طفلة ذات ستة أشهر، وأصبح قبول طلبات الزبائن حسب ما يسمح به وقتي"؛ أفادت فاطمة لـ"خيوط".
صناعة قوالب الكيك والحلويات لكافة المناسبات، يعد بمثابة متنفس لفاطمة، التي تخرجت من الجامعة منذ ست سنوات (بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية) وحصلت على عقد حكومي منذ أربعة أشهر كمدرسة لمادة الاجتماعيات، لكن شغفها ظل معلقًا على مشروع صناعة الحلويات، تقول: "أشعر بالراحة في عملي، خاصة عند فرحة الزبون باستلام طلبه"، مضيفةً أنها تنفق كامل دخلها لتغطية النفقات المنزلية.
تطمح فاطمة ونجود، وكثيرات من ذوات المشاريع المنزلية بحضرموت، أن يصبحن سيدات أعمال في المستقبل القريب، وقد بدأن الخطوة الأولى في هذا الطريق.