تشهد حضرموت وعددٌ من المدن والمناطق جنوبَ اليمن، أزمةً كبيرةً في الأسماك والمنتجات البحرية التي تشهد أسعارُها ارتفاعات قياسية، وسطَ اختفاء عديدٍ من الأصناف ونقصٍ كبير في المعروض. وتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من بعض الأصناف، كـ"الثمد"، بين 10 و14 ألف ريالٍ يمنيّ (ما يُعادل 10-12 دولارًا أمريكيًّا).
وتعدّدت أسباب هذا الارتفاع الذي يصفه مواطنون من سكان حضرموت ومختلف المناطق الساحلية اليمنية بالجنونيّ، بحسب ما رصدته "خيوط"؛ أهمّها سوء الأحوال الجوية، والتجريف الذي تتعرّض له مناطق الاصطياد.
ودفعت هذه الأزمةُ الحكومةَ اليمنية المعترف بها دوليًّا -كما تفيد مصادر مطلعة لـ"خيوط"- لدراسة قرار يحظر تصدير منتجات الأسماك والأحياء البحرية الطازجة، وفرض رقابة صارمة على منافذ التصدير لتنفيذ هذا القرار.
مستويات قياسيّة
واعتادَ معظمُ سُكّان محافظة حضرموت، بشقّيها الساحل والوادي، تناولَ السّمك كوجبة غداءٍ لا يُستغنى عنها إلّا نادرًا، لكن الارتفاع الحادّ والكبير والملحوظ في أسعارها مؤخرًا، وخصوصًا في المدن الساحلية كالمكلا والشحر وغيرهما، حرم الكثير من هذا الطّبق اليوميّ.
وغالبًا ما تعتمد الأُسَر ذات الدخل المتوسط والمحدود على شراء سمك (التونة)، والمعروف محليًّا باسم (الثّمد) بشكلٍ رئيس؛ لأنّه يشكّل الأقلّ سعرًا في السوق.
يرجع عددٌ كبير من الصيّادين هذا الارتفاع في أسعار الأسماك، إلى عددٍ من الأسباب المختلفة، منها: سوء الطقس والأحوال الجويّة السيئة، والمخاطر التي تؤثّر على حركة الصيادين وبحثهم عن الأسماك في البحر.
ويشكو مواطنون من سكّان المحافظة، من غلاء أسعار الأسماك بشكلٍ عامٍ، وارتفاع أسعارها إلى مستويات قياسية، وعدم توفّر أنواعٍ أخرى ثانوية بالنسبة لاهتمامات المستهلكين، وحاليًّا يُلاحظ شحة المعروض منها وارتفاعٌ مضاعف في أسعارها.
أبو أحمد (63 عامًا)، موظفٌ حكوميّ متقاعد في مكتب الصحة العامة والسكان، يتحدّث بحسرة لـ"خيوط"، وهو يتجوّل بين عددٍ من البائعين في سوق السمك بقلب مدينة المكلا، قائلًا: "كأنّ البحر هذا ليس بحرنا! لم أكن أتوقّع يومًا أنّ السمك سيُباع داخل مدينة المكلا بهذه الأسعار القياسيّة".
ويضيف قائلًا: "إذا كان الثمد الذي نعتمد عليه في وجبة أساسية كالغداء بهذه الأسعار، فهذا لا يحمل إلّا معنى واحدًا؛ أنّه لا يمكننا تناول السمك إلّا مرةً واحدةً في الأسبوع أو ربما لا يمكننا ذلك. أصبحت الأزمات تنهال علينا من كلّ جانب، والراتب الضئيل أصبح يساوي 6 كيلوغرامات ثمد".
ويلاحظ أنّ هذا الارتفاع الجنونيّ في ارتفاع أسعار الأسماك، يحدث لأوّل مرةٍ بهذه المستويات القياسية في حضرموت، المحافظة الغنيّة بأنواعٍ كثيرة من الأسماك المختلفة، وهذا ما جعلَ محافظ محافظة حضرموت يتّخذ -مؤخرًا- عددًا من الإجراءات والقرارات المهمّة، للتخفيف من حدّة هذه الأزمة.
تضمّنت أهمُّ هذه الإجراءات، إيقافَ تصدير بعض الأنواع من الأسماك الطازجة لتنظيم الصيد التقليديّ، وتحقيق التوازن والاستقرار في السوق المحلية بالمحافظة. كما تم منع خروج عددٍ من أصناف الأسماك إلى خارج المحافظة عبر المنافذ إلّا بتصاريح مرور صادرة من الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر العربي، ومكاتبها المختلفة.
صعوبات الاصطياد
يُرجَع عددٌ كبير من الصيّادين هذا الارتفاع في أسعار الأسماك، إلى عددٍ من الأسباب المختلفة، منها: سوء الطقس والأحوال الجويّة السيئة، والمخاطر التي تؤثّر على حركة الصيادين وبحثهم عن الأسماك في البحر.
ويرى محمّد مخيّر (42 عامًا)، وهو صياد من مدينة المكلا، أنّ السبب الأهمّ الآخر يعود إلى معاناة الصيادين من ارتفاع أسعار الوقود التي تشغّل قواربهم وعبّاراتهم، ممّا يقلّص هوامش ربحهم، ويجعل الكثيرَ منهم يُفضّلون إرسال حصيلة صيدهم للخارج (ولو بالتّهريب)، مقابلَ حصولهم على العملة الصعبة، وهو ما ينعكس سلبًا في سعر بيع السمك بالأسواق.
ولا تخرج وجهات نظر المواطنين الخاصّة بأسباب ارتفاع أسعار السّمك، عن سببين رئيسين وجيهين: مسؤولية الأسعار وضبطها، والدور الرقابي الغائب الذي لا بُدّ أن تقوم به الحكومة.
إضافةً إلى مشكلة تهريب الأسماك خارج البلاد إلى عددٍ من الدول المجاورة؛ مقابل أموال باهظة بالعملة الصعبة، كلُّ ذلك على مرأى ومسمع من الحكومة، ويرون أنّ هذه المعضلة هي الأهمّ وراء هذه الزيادة المجحفة في حقّ المواطن.
الجدير بالذكر، أنّ عائدات الصادرات السمكية تشكّل مصدرًا مهمًّا من موارد الدخل القومي من العملات الأجنبية، كما يعدّ القطاعُ السَّمَكيّ من القطاعات الإنتاجية المهمّة في اليمن المساهِمة في الناتج المحليّ الإجماليّ.