تعيش محافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن) حالةً من الحراك السياسي والاجتماعي الواسع، حيث كانت وما زالت المرأة في المحافظة تناضل وتكافح لتكون حاضرةً بدور بارز في هذا الحراك والمشاركة في الأنشطة السياسية والاجتماعية، التي تسعى من خلالها إلى تحقيق المساواة والعدالة في المجتمع.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتعرض فيه للتهميش والتغييب في هذا المشهد المتصاعد مؤخرًا، حيث تعاني محدوديةَ حضورها ومشاركتها في صناعة القرار والنقاشات الدائرة بين المكونات السياسية المتعددة .
وبالرغم من التاريخ والثقافة العميقة التي تمتلكها حضرموت، والتي كان للمرأة دورٌ ريادي فيها، فإنها تشهد تراجعات كبيرة منذ فترة طويلة، كانت حجر عثرة في تطوير وإبراز دورها في هذه المرحلة المهمة، التي تشهد فيها حضرموت حراكًا سياسيًّا واجتماعيًّا واسعًا.
سيطرة المجتمع الذكوري
يقول عمر سالم باجردانة، رئيس مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، في تصريح لـ"خيوط"، إنّ المرأة لعبت دورًا كبيرًا ومحوريًّا من خلال وجودها في العملية السياسية اليمنية عامةً، وفي حضرموت خاصةً، طيلة السنوات الماضية، لكنّ هناك أسبابًا أدّت إلى انخفاض دور المرأة في هذه المرحلة وفي السنوات الأخيرة؛ بسبب الصراع والحرب التي ساهمت تبعاتها في تقويض العملية السياسية في البلاد، إلى جانب تغييب دور الأحزاب والنقابات، وعدم قدرتها على تقديم أي أنشطة في هذا الجانب لتفعيل وإبراز دور المرأة.
يُرجِع باجردانة ذلك إلى الشلل الذي أصاب العملية السياسية في المحافظة منذ العام 2015، حيث تخضع حضرموت وجميع المحافظات في اليمن إلى تدخلات إقليمية، لها تأثير مباشر على السلوك السياسي والاجتماعي في البلاد.
كما أنّ الفترة الأخيرة شهدت تدخلات خارجية وإقليمية وتجاذبات ألقت بتبعاتها على العمل السياسي في الداخل، ومن ثمّ أدّى هذا الأمر إلى غياب وشلل دور المرأة فيما يتعلق بالعملية السياسية والحراك الاجتماعي.
من جانبها، تشدّد الناشطة الاجتماعية، مريم العمودي، في حديثها لـ"خيوط"، على أنّ المجتمع الذكوري في حضرموت مسيطر بشكل كامل، ويعمل من أجل ألَّا تكون المرأة في صدارة المشهد السياسي وحتى الاجتماعي، وقلة من يرى أنّ مشاركة المرأة مهمّة، خصوصًا في ظل غياب الدولة وقوى المجتمع الحية، التي يجب أن تكون حاضرة لتكون رديفًا وسندًا للمرأة.
من خلال تاريخها الغني وتراثها العريق، تبرز المرأة الحضرمية عنصرًا فاعلًا في تعزيز الحوار وتحقيق التواصل، حيث لعبت دورًا كبيرًا في الحفاظ على السلم والاستقرار من خلال نشرها الوعيَ بين أوساط النساء في عملية "السلم المجتمعي"، وتدخلاتها في حل النزاعات، التي انتشرت بفعل الوضع الاقتصادي، سواء داخل الأسرة أو خارجها، فضلًا عن كونها عملت على تقريب وجهات النظر، إذ قامت بدور فاعل في الوساطات المجتمعية.
إضافة إلى أنّ المرأة في حضرموت، وفق العمودي، كانت متصدّرة المشهدَ السياسي، لكنّ ولاءها المقدس للرجل باعتباره هو مَن أبرزَها، ساهمَ في تهميشها وتحجيم دورها، على الرغم من أنّ هناك مواثيقَ دولية منحتها حقَّها في "الكوتة" بنسبة 30% لمشاركتها في صنع القرار، غير أنّ هذا القرار لم يتم تنفيذه بالشكل المطلوب .
ويتحدث باجردانة عن أنّ دور المرأة الاجتماعي هامشيٌّ جدًّا وغير ملحوظ بالنسبة لما يدور على أرض الواقع من تجاذبات متعددة مع تنامي الدور القبَلي والمناطقي في كل الأعمال والمكونات السياسية خلال المرحلة الحالية، الأمر الذي أدّى إلى تغييب دور النساء بشكل كلي، وهو ما يعتبر نتيجة طبيعية مع حالة تعاظم الأدوار القبَلية والعسكرية، كما أنّ هذه العوامل والأسباب لن تسمح بأي فرصة للمرأة بالظهور أو ممارسة أيٍّ من الأعمال السياسية التي يمكن من خلالها أن تُبرز ذاتها ويكون لها تأثير.
تعنيف مجتمعي متزايد
لا يزال دور المرأة محدودًا بشكل كبير في هذه العملية، مثلها مثل النساء في بقية المحافظات اليمنية، بالرغم من تطور الوعي بأهمية دور المرأة في صناعة القرار وتعزيز مشاركتها السياسية، غير أنّ هناك عوائقَ عديدة تقف في طريق تحقيقها لهذا الهدف.
في هذا الجانب، تتحدث أمل باقرين، عضو هيئة رئاسة مؤتمر حضرموت الجامع، لـ"خيوط"، عن أبرز هذه التحديات التي تعيق وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار ومشاركتها بقوة وفعالية في العملية السياسية، والتي أدّت إلى تهميشها، وهي عدة عوامل؛ أبرزُها التعنيف المجتمعي المتزايد، فالعمل السياسي ليس بهين ويحتاج إلى صمود أكثر وإصرار .
كما تضيف باقرين أنّ القناعات التقليدية المؤصلة في المجتمع الحضرمي التي تعتبر المرأة مسؤولة عن الأعمال المنزلية والرعاية الأسرية فقط، بدون مشاركتها المجتمعية، كان لها تأثير في الحد من فرصها ودورها ومشاركتها في الحياة العامة وتحقيق طموحاتها الشخصية والمهنية، فضلًا عن بروز عوامل ثقافية، تفرض دورًا محدودًا على المرأة في المجتمع، وتؤثر سلبًا على فرصها في العمل والمشاركة السياسية، ومحدودية الوعي التي تعيق مشاركة المرأة في الحياة السياسية .
فضلًا عن تأثير موجة الصراعات على مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية في حضرموت، وإقصائها بشكل ملحوظ حتى في المفاوضات .
في حين يؤكد باجردانة، أنّ المرأة في حضرموت تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية تعيق تطورها وتحقيق إمكانياتها الكاملة، مثل قلة الفرص الاقتصادية، وتحديات الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.
وتواجه المرأة في حضرموت تحديات أخرى، مثل قلة الفرص السياسية والتمييز في القوانين والتشريعات. إلى جانب ذلك، تظهر المساهمة المحدودة للمرأة في العملية السياسية والنقاشات الدائرة بين المكونات السياسية المتعددة كتحدٍّ يستدعي العمل المستمر من جميع الأطراف المعنية، لتوفير المزيد من الفرص وتعزيز المشاركة السياسية للنساء.
التشبث بالتسلط الذكوري
من خلال تاريخها الغني وتراثها العريق، تبرز المرأة الحضرمية عنصرًا فاعلًا في تعزيز الحوار وتحقيق التواصل الاجتماعي، وفي بناء وتعزيز السلم والاستقرار المجتمعي، إضافة إلى ذلك، تتولى المرأة دورًا هامًّا في إدارة النزاعات وترويج ثقافة السلام والتسامح، ممّا يسهم في تعزيز الوحدة والتلاحم الاجتماعي.
تشير علياء الحامدي، مدير عام الإدارة العامة لتنمية المرأة بديوان وكيل محافظة حضرموت، في تصريح لـ"خيوط"، إلى أنّ النساء في حضرموت لعبت دورًا كبيرًا في الحفاظ على السلم والاستقرار من خلال نشرها الوعيَ بين أوساط النساء في عملية "السلم المجتمعي"، وتدخلاتها في حل النزاعات، التي انتشرت بفعل الوضع الاقتصادي، سواء داخل الأسرة أو خارجها، فضلًا عن كونها عملت على تقريب وجهات النظر، حيث قامت بدور فاعل في الوساطات المجتمعية.
وما يدل على ذلك، تكوينُ هيئة السلم المجتمعي بهدف خلق نوعٍ من حلِّها للنزاعات عن طريق الوساطات، من خلال مجموعة من القيادات النسائية والشخصيات الاجتماعية وقيادات المجتمع المدني، وساهمت في كثير من التدخلات إلى اليوم، على الرغم من قصر عمرها منذ تكوينها أواخر 2023 .
وتردف الحامدي قائلة: "توجد قيادات نسوية كثيرة في مجتمعنا الحضرمي، ولكن للأسف الأحزاب والمكونات السياسية متشبِّثة بفكرها وتسلطها الذكوري ونظرتها القاصرة للمرأة؛ ممّا جعلها تستبعد القيادات النسوية الفاعلة في المجتمع، وقامت بتطعيم مكونات الأحزاب السياسية بنماذج بسيطة جدًّا من أجل أن يقال عنها إنّها أعطت للمرأة حقًّا سياسيًّا، ولكن لو فحصنا هيكلة جميع الأحزاب السياسية على الساحة اليمنية، فسنجد النساء في أدنى سلم الهيئات التنظيمية للأحزاب وبعيدات جدًّا عن صنع القرار. وبالمقابل، تبرز أدوار النساء في المجال العام، وتحديدًا في منظمات المجتمع المدني التي تقودها اليوم نساء؛ لهذا حضور النساء باهتٌ جدًّا. ومن هنا، يتوجب تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وتحقيق التوازن بين الجنسين في هذا الجانب، ولن يتأتّى ذلك إلا بالتعاون بين منظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية والمجتمع بأسره، بهدف تحقيق أهداف الديمقراطية والتنمية المستدامة في حضرموت.