الرقصات الشعبية في اليمن

فولكلور متنوع وثري مهدد بالاندثار
صلاح الواسعي
October 20, 2024

الرقصات الشعبية في اليمن

فولكلور متنوع وثري مهدد بالاندثار
صلاح الواسعي
October 20, 2024
رقصة شعبية بعدسة عبد الرحمن الغابري

تتميز اليمن بتنوع الفُلكلور الشعبي، والرقصاتُ أحد أبرز المظاهر الشعبية واسعة الانتشار، فصنعاء تنفرد عن غيرها برقصة "البَرَع الصنعاني" ولرقصة البرع وحدها أنواع مختلفة من حيث عدد الحركات وتنوعها وسرعة إيقاعها بما يناسب المناسبات المختلفة.

أما محافظة تعز فلها أيضًا رقصات تنفرد بها؛ أبرزها الرقصة الزبيرية، سميت بذلك غالبًا نسبة إلى عزلة "الزبيرة" في منطقة قدس بمديرية المواسط (شرقي مدينة التربة)، وانتقلت إلى مناطق مختلفة. تتميز هذه الرقصة بإيقاعها البطيء وبأنها تشاركية بين أكثر من راقص، وقديمًا كان يشترك فيها الرجال والنساء، وهي رقصة كانت الأكثر حضورًا في حفلات الزفاف في مديرية الحجرية.

وتعدّ رقصة الشرح اللحجي، التي تنفرد بها محافظة لحج، من أشهر الرقصات على مستوى اليمن بعد رقصة البَرَع الصنعاني، والشرح رقصة جماعية تشترك فيها النساء مع الرجال، وتمتاز بإيقاعها وحركاتها السريعة، ولها ألوان مختلفة باختلاف اللحن.

فن حركي عاطفي

وثّق الإنسان في اليمن عبر التاريخ لحظات الفرح بـ"الرقص"، ليصبح هوية أصيلة وتنوعًا كبيرًا يميز كل منطقة عن غيرها، حتى بات أحد أبرز تجليات الفلكلور الشعبي الزاخر بالثراء والتنوع على مستوى اليمن.

علي المحمدي، مدير عام الفنون الشعبية وقائد الفرقة الوطنية للفنون الشعبية بوزارة الثقافة الحكومية، يوضح في تصريح لـ"خيوط"، أنه لا يمكن تعيين تاريخ زمني معين بدأ فيه هذا النشاط الإنساني، ويعتبر "الرقص" سمة تعبيرية لها مدلولاتها العديدة منذ أن وُجد على وجه الخليقة، ولأن الإنسان البدائي في ذلك الوقت لم يستطع التعبير بالكلمات البسيطة عن مكنون ما يجول في خاطره المحدود -وفقًا للمحمدي- فقد استعان بدلًا عن ذلك بالحركات التعبيرية للجسد، وكانت هي أبلغ لغة استطاع بها الإنسان ترجمة عواطفه وأحاسيسه عن الحالات التي يمر بها.

انفردت صنعاء، وتعز، ولحج، وحضرموت، وعدن، وتهامة، ومناطق أخرى في اليمن، بفلكلورها الشعبي المختلف، من الرقصات الشعبية إلى الملابس والأكلات وغيرها، لكن هذا الزخم الهائل من الفلكلور الشعبي بدأ بالاندثار في ظروف الحرب التي تمر بها البلاد، وتبقى الدولة المسؤول الأول عن حمايته من الضياع.

علي زيد، قائد فرقة رقص تراثية في مدينة تعز، يقول لـ"خيوط"، إنّ الرقص يعبر عن الروح القومية للإنسان بانتمائه للأرض، التي تظهر من خلال الملامح الوطنية، فضلًا عن أن الرقص وسيلة حية تترجم وتعبر عن أحاسيس ومعتقدات وطبائع الشعوب.

بحسب زيد، فإن الرقص الشعبي نابعٌ من الإنسان؛ لأنّه ظاهرة اجتماعية لها مكانتها المتعارف عليها منذ الأزل، وما يزال مستمرًّا حتى يومنا هذا إلى أبد الدهر، وهو عامل مؤثر في نفسية الشعوب، ويستخدم وسيلةً للتأثير الفكري والعاطفي؛ كونه فنًّا تعبيريًّا حركيًّا ينقل الفكر والإحساس والمزاج العام للإنسان، وذلك من خلال الحركة وأوضاعها المختلفة للجسم، والإيقاع.

بين البقاء والاندثار

أثرت الحرب والصراع على مختلف الجوانب الحياتية بالنسبة للمواطن اليمني، وبات توفير لقمة العيش مشكلة تؤرق الكثيرين، في حين نال الفُلكلور الشعبي نصيبًا كبيرًا من هذه التأثيرات والتبعات، فالعديد من الملامح الثقافية اختفت من حياة الناس، فيما بعضها ما زالت ملامحها باقية عند كبار السن وفي بعض الأرياف.

يقول الدكتور فارس البيل، باحث وكاتب في الأدب والفن، إنّ الموروث لا يتغير بسهولة، فالتراث والعادات القبَلية حصانة عرفية، ولكن في الفترة الأخيرة حدث خفوت؛ وذلك بسبب هجرة الشباب، والجيل الجديد لم يعد مهتمًا بالرقصات.

يؤكد فارس لـ"خيوط"، أن هناك ترويجًا في التواصل الاجتماعي لبعض الرقصات المغناة وخاصة الصنعانية، ولكن ليس هناك ترويجًا لكافة الرقصات، مشيرًا إلى أن انتقال العادات من الجيل القديم إلى الجيل الجديد يخفف كثيرًا من العادات، وهناك نوع من الخفوت في هذا الجانب.

أما علي المحمدي فيؤكد الدورَ الأساسي للتعليم في تنمية عقول النشء من الأجيال القادمة، حيث يُورَّث هذا الإرث على أنه ثقافة بلد، موضحًا: "لا بد لنا أن نفخر ونتباهى أمام الثقافات الأخرى بهذا الموروث الخصب، حيث تعد اليمن من الدول الوحيدة التي تمتلك هذا الكم من الموروث الذي لا حصر له؛ لذا يأتي دور التعليم لحفظه في عقول الأجيال".

حماية الفُلكلور 

انفردت صنعاء، وتعز، ولحج، وحضرموت، وعدن، وتهامة، ومناطق أخرى في اليمن، بفلكلورها الشعبي المختلف، من الرقصات الشعبية إلى الملابس والأكلات وغيرها، لكن هذا الزخم الهائل من الفلكلور الشعبي بدأ بالاندثار في ظروف الحرب التي تمر بها البلاد، وتبقى الدولة المسؤول الأول عن حمايته من الضياع.

يؤكد المحمدي أن الدولة هي المعقل الرئيسي لحفظ الموروث الشعبي؛ لكونها هي الراعي لجميع معاقل الحضارة في أي بلد يمتلك كل هذا الزخم من الفنون الشعبية وغيرها، "حيث هو الذي يعمل على تنمية هذه الصروح لبناء معاهد وإقامة دورات مصغرة لتنمية المواهب الصاعدة بطرق علمية لنقلها على خشبات المسارح بطريقة علمية صحيحة"؛ على حد قوله.

يوضح البيل أنّ الوضع الراهن الذي تمر به الدولة "غير مواتٍ للحفاظ على التراث، حتى من قبل الحرب كان الاهتمام بالرقصات ضعيفًا لأسباب دينية وثقافية"، ويتساءل: لماذا لا يكون هناك مراكز تدريب وتطوير وإدخال بعض التقنيات الحديثة في هذا النوع من الموروث الشعبي؟

هنا تكمن أهمية الرقصات الشعبية، بصفتها قيمة ثقافية ورمزية وطنية، عبّر فيها اليمني عن شجاعته ومشاعر فرحه، فهناك رقصات عبّر فيها عن التعاون والاصطفاف القبَلي، وأخرى كانت حلًّا للفصل بين اثنين تقدّما بالزواج من نفس الفتاة، وكانت الرقصات لوحة فنية وحركات منتظمة مدروسة بكل إتقان، يتناقلها الأجيال جيلًا بعد آخر، وما من يمني إلا ويحمل في قلبه شيئًا من "رقصة شعبية" أينما حل وارتحل.

•••
صلاح الواسعي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English