منذ اندلاع الحرب بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والحكومة المعترف بها دوليًّا، قبل أكثر من خمس سنوات، والقطاع التعليمي في اليمن تُدمر بنيته التحتية، خاصة في المحافظات التي دارت الحرب وما تزال فيها، إذ أدى الصراع إلى تدمير العديد من المدارس الواقعة في مناطق النزاع المسلح.
تعد مدرسة "الوحدة" في منطقة "ميلات" غرب مدينة تعز، من المدارس التي طالتها ويلات الحرب، فقد دُمّرت بشكل كلّي، ذلك لأن المنطقة شهدت اشتباكات مسلحة لأكثر من عامين، بالرغم أن الأطفال يأتون من مناطق التماس وبكل عزيمة يبحثون عما يُنير طريق مستقبلهم، وطريق السلام في بلادهم لهذه المدرسة. أمين الوافي، وكيل مدرسة الوحدة بميلات، يقول لـ"خيوط": "يأتي الأطفال إلى المدرسة من مناطق خطوط التماس "كالأشعاب" و"خور" و"الشيخ سعيد" و"الصياحي"، رغم وقوع المدرسة نفسها في المناطق القريبة من الاشتباكات، لم تثنِهم خطورة المكان ولا أنقاض المدرسة التوقف عن الدراسة، إذ سبق وتوقفوا عامين عندما كانت ميلات تشهد اشتباكات مسلحة وقصف بين الطرفين".
قبل استئناف التعليم في المدرسة قمنا بإحضار فريق لنزع الألغام، فعثر الفريق على ثلاثة ألغام كانت مزروعة في ساحة المدرسة، ولم يتم التأكد من خلو ساحة المدرسة ومحيطها منها
التعليم بين الركام والألغام
يتعلم الطلبة في ركام مدرسة الوحدة، غير آبهين بتساقط ما تبقى منها، بإمكانيات معدومة إذ لا توجد أي وسائل تعليمية، فلا سبورات ولا كراسي ولا فصول دراسية، حتى الكتاب المدرسي غير كافٍ، ناهيك عن عدم وجود خزانات مياه أو مرافق صحية أو أجهزة إذاعة والعديد من الوسائل الأساسية والضرورية؛ إذ يتخذ المعلمون والطلاب من العمود سبورة ومن الأرض كرسي. ويؤكد الوافي أن هناك كثافة في طلاب الصفوف الأولى، لأن المدارس التي كانوا يدرسون فيها توقفت إن لم تكن مدمرة بسبب الحرب، وإن عدد الطلبة في الوحدة 550 طالب وطالبة من الصف الأول وحتى الصف الرابع أساسي.
ويضيف أمين: "قبل استئناف التعليم في المدرسة قمنا بإحضار فريق لنزع الألغام، فعثر الفريق على ثلاثة ألغام كانت مزروعة في ساحة المدرسة"، موضحًا أنه لم يتم التأكد حتى الآن من أن ساحة المدرسة ومحيطها خالية من الألغام. تجدر الإشارة إلى أن مدرسة الوحدة الواقعة بين 800 متر - كيلو، من خط التماس، ورغم التدمير الكلي الذي طالها، إلا العملية التعليمية لم تتوقف فيها.
عمار قائد (10 سنوات)، أحد طلاب مدرسة الوحدة، يقول لـ"خيوط" وهو يصف معاناته من عدم توفر الكراسي والفصول الدراسية، وأن فصل الشتاء لن يكون سلامًا في برده عليه وزملائه، ويضيف عمار: "أدرس فوق التراب، ما فيش معنا فصول ولا كراسي، ولا سبورات ولا حمامات، نكتب على العمود حق المدرسة"، ويعبر عن تطلعاته قائلًا: "اشتي مدرستنا تتصلح وترجع مثل قبل "مليحة"، نحن الآن نجلس طول الحصة واحنا بردانين"، ينهي عمار حديثه. ويشير أمين إلى أن مكتب التربية والتعليم بالمحافظة تواصل معهم ،ووعدهم بوصول خمس خيام للمدرسة، لكن الخيام لم تصل بعد - وإن كانت هذه الخطوة مؤقتة ومجرد إسعاف أولي - لرفع معاناة الطلبة، حسب تعبيره، مناشدًا السلطة المحلية بالمحافظة والمنظمات الحقوقية والمهتمة بالتعليم، لإنقاذ الطلبة في مدرسة الوحدة، وعمل مبنى جديد لهم، أو إعادة ترميم ما تبقى منها، كون الطلبة مهددين بسقوط الأنقاض العالقة، فوق رؤوسهم.
أكثر من 2500 مدرسة توقفت عن العمل بسبب الحرب، دُمّر منها نحو 66% بسبب الهجمات والعنف المباشر، وأُغلقت 27%، وتُستخدم 7% لأغراض عسكرية أو كملاجئ للنازحين
مدارس مُدمّرة
تعرضت بعض المدارس بتعز للتدمير، سواءً تدمير كلّي أو جزئي نتيجة للحرب الدائرة، كما أن هناك مدارس توقفت لوقوعها في مناطق التماس، إذ بلغت المدارس المُدمّرة بمدينة تعز ٤٧ مدرسة مُدمرة كُليًّا، و103 جزئيًّا، بحسب إحصائيات لإدارة شعبة المشاريع بمكتب التربية بتعز. وفي هذا الصدد يقول بجاش المخلافي، مدير مكتب التربية والتعليم بتعز لـ"خيوط": "عملنا على العديد من المشاريع فيما يخص إعادة ترميم المباني المدرسية، وتم تقديم هذه المشاريع لمنظمات دولية معنية بالتعليم مرات، وللسلطة المحلية بالمحافظة مرات أخرى، قطعنا شوطًا كبيرًا في ترميم الكثير من المدارس وإعادة تأهيلها وتوفير التجهيزات المدرسية، مثل الكراسي والإذاعات المدرسية والكتاب المدرسي، وما تزال أمامنا القائمة طويلة في هذا الجانب لنستكمل إعادة مجد تعز التعليمي"، يضيف المخلافي ،مشيرًا أن مسألة الخيام ليست حلولًا، طالما أن هناك خطوات ثابتة لترميم المدارس وتجهيزها بالتنسيق مع بعض المنظمات والصندوق الاجتماعي للتنمية، ومن هذه المنظمات منظمة "سول" التي تدخلت في مديريتي الشمايتين والمعافر، وعملت على توفير مبانٍ مؤقتة للدراسة، ودعمت المدارس بالكتاب والكراسي المدرسية، مؤكدًا أن "التركيز منصب على ترميم المدارس، أما بناؤها فنحن متوقفون نتيجة للوضع القائم بتعز"، يختم المخلافي حديثه.
الجدير ذكره أن بعض المنظمات تمكنت من الوصول إلى المدارس القريبة من خطوط التماس، أو التي كانت في مناطق الاشتباكات المسلحة، لكن تدخل هذه المنظمات يقتصر على عملية إصلاحات وترميمات بسيطة، مثل الأبواب والنوافذ والطلاء وغيرها من التجهيزات البسيطة، ذلك لأن المنظمات في المدينة عبارة عن منظمات بسيطة ومحدودة، وتكلفة إعادة بناء المدارس المُدمّرة تحتاج إلى تدخل منظمات دولية كبيرة، وللسلطة المحلية أيضًا .
من ناحيتها كانت منظمة اليونيسف ذكرت في تقرير لها عن وضع التعليم في اليمن، أن أكثر من 2500 مدرسة توقفت عن العمل بسبب الحرب، دُمّر منها نحو 66% بسبب الهجمات والعنف المباشر، وأُغلقت 27%، وتُستخدم 7% لأغراض عسكرية أو كملاجئ للنازحين.
تصل نسبة الكتب القادمة من محافظة عدن نحو 30% فقط، مقارنةً بما كان يصل تعز من محافظة صنعاء قبل اندلاع الحرب منذ خمس سنوات
كتاب مدرسي من المنازل
يعاني الطلبة في مدينة تعز من نقص حاد في الكتاب المدرسي، فنسبة الكتب التي تصل من عدن تبلغ 30% من إجمالي النسبة التي كانت تصلهم من المطابع الرئيسية للكتاب المدرسي في صنعاء. ويقول المخلافي: "نعاني في مدينة تعز من مشكلة في نقص الكتاب المدرسي، فالذي يصلنا من محافظة عدن يشكل 30%، فقط عما كان يصل تعز من محافظة صنعاء قبل اندلاع الحرب منذ خمس سنوات، وأن مكتب التربية لا يحمل الإشكالية عدن، لأن مطابع الكتاب المدرسي الرئيسية كانت في صنعاء، أما المطابع التي في عدن وحضرموت كانت لتغطية العجز فقط"، ويضيف أن الكتاب الذي يصل إلى المكتب يتم توزيعه على المدارس التي تقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، فيما بقية المدارس الواقعة تحت سيطرة جماعة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، يصل لها الكتاب المدرسي من صنعاء.
وفي السنوات الأخيرة تم تشكيل مبادرات من قبل مكتب التربية ومجالس الآباء في المدارس وبعض المواطنين، لاستعادة الكتاب المدرسي من المنازل، كحلول مؤقته، كما أُلزم المعلم على الكتابة بالسبورة ليتمكن الطالب من نقل الدروس إلى دفاتره، وبالنسبة للمدارس الأهلية عملت على تصوير الكتاب لطلبتها.
وبحسب بجاش فقد بلغ عدد الطلبة المسجلين أكثر من 400 ألف طالب وطالبة بتعز في المدارس الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا السنة الماضية 2019، فيما توقع ارتفاع الطلبة هذا السنة إلى نحو 500 ألف.
ما يزال النزاع المسلح بين أطراف الصراع في اليمن، العدو الأكبر للتعليم، ومع ذلك هناك محاولات للإصرار على الاستمرار في العملية التعليمية كنموذج مدرسة الوحدة، لإقناع أطراف الصراع بضرورة الاحتكام للعقل، وإفساح المجال أمام بوادر السلام، من أجل كافة أبناء اليمن وفي مقدمتهم الطلاب.