يتوجه الطفل زايد صلاح (12 سنة)، يوميًّا إلى مدرسته (آزال الوادي) الواقعة في وسط حرم جامعة صنعاء، وذلك بعد أن قرر والده نقله من مدرسة قريته (الحَقِب) لاستكمال دراسته، بَدءًا من هذا العام والذي يوافق دخوله الصف السادس الابتدائي.
يتذكر زايد قريته وأمه والأطفال الذين كان يدرس ويلعب معهم بشيء من الحنين، ويتمنى العودة إليهم بأقرب فرصة، إلا أنه، وبتفكير يتجاوز سنّه، يرى أن كفاحه وغربته للحصول على التعليم بطريقة تضمن له مستقبلًا جيدًا، أهم مما يفكر به؛ تفكير يتطابق مع ما غرسه والده في نفسه، حد تعبير زايد.
وهو ما أكّده والد زايد، صلاح الحقب، المعيد بقسم الاجتماع في جامعة صنعاء، الذي قال لـ"خيوط"، إن قراره في جلب ابنه للدراسة في صنعاء سببه ضعف التعليم في مدارس الريف، ومنها مدرسة (السلام) التي كان زايد يدرس فيها، والواقعة في قرية الحَقِب التابعة لمديرية دَمْت في محافظة الضالع، وهي من المناطق التي تشهد مواجهات محتدمة منذ سبع سنوات.
تسببت الحرب بإغلاق كثير من مدارس قرى ومديريات محافظة الضالع كمدارس قرى الرباط، وكرش المخطة، لتتجاوز أعداد المدارس الخارجة عن الخدمة حاجز 1600 مدرسة، بحسب منظمة أوكسفام للإغاثة مطلع أبريل/ نيسان 2021.
البحث عن التعليم
تعتبر مدرسة (السلام) كما كانت سابقًا، وجهةً رئيسةً يقصدها الطلاب من القرى المجاورة، رغم ما تعرّضت له من دمار إثر قصف طيران التحالف لها سنة 2015، قبل أن يعيد أهالي القرية ترميمها بجهود ذاتية، من أجل استمرار العملية التعليمية، التي تأثرت هي الأخرى، كما بدا للحقب الأب، الذي ارتأى أن من الضروري إلحاق ابنه في إحدى مدارس العاصمة صنعاء.
وتعد ظاهرة انتقال الطلاب من قرى محافظة الضالع إلى مدن مختلفة، لأجل الدراسة، من الظواهر المنتشرة في الفترات الأخيرة، وذلك لأسباب متعددة؛ أبرزها الاشتباكات التي كانت سببًا في رحيل الكثير من المعلمين، الذين باتت حياتهم مهددة، إضافة إلى انقطاع رواتبهم؛ الأمر الذي أجبر كثيرًا منهم للبحث عن مصادر دخل يُعيلون بها أسرهم.
ولم يحصل ما يقارب من ثلاثة أرباع معلمي المدارس الحكومية في 11 محافظة يمنية، على رواتبهم على مدى أكثر من عامين دراسيين؛ مما تسبب في تعطيل العملية التعليمية لحوالي 3,7 مليون طفل في هذه المحافظات.
والموت واحد!
ترك المعلم عادل الكهالي (43 سنة)، معلم لمادة الاجتماعيات، التدريسَ في القرى، ليستقر في صنعاء بعد انقطاع الرواتب منذ ما يقارب أربع سنوات، لكن الحرب لاحقته ونالت من حياته إثر قصف طائرات التحالف، استهدف معسكرًا تابعًا للقوات الجوية بمنطقة «عَصِر» بالعاصمة صنعاء، ذهب ضحيتها الكهالي وعددٌ من المدنيين.
من جانبه أرجع المعلم، أحمد ناصر الحَقِب، وكيل مدرسة السلام، أسباب مغادرة المعلمين للمنطقة إلى الطرقات المغلقة منذ نوفمبر/ تشرين ثاني 2018، والتي فرضت صعوبات في عودة المعلمين من مناطقهم الواقعة جنوبي المحافظة، منوّهًا أن شحة كتب المقررات الدراسية سبب آخر لتناقص المعلمين.
الحقب قال في حديثه لـ"خيوط"، إن 22 مُعلمًا فقط -ثمانية منهم مدرجون ضمن الخدمة المدنية- يُدرِّسون ما يتجاوز 750 طالبًا، بحسب آخر إحصائية سنة 2021 لمدرسة السلام، لا يتقاضى هؤلاء رواتب؛ مما اضطُرّ إدارة المدرسة لتوظيف 14 مُعلمًا من أبناء القرية حديثي التخرج الجامعي والثانوي، غالبيتهم ليسوا متخصصين، لكن الإدارة كانت مجبرة على التعاقد معهم، لكيلا تتوقف العملية التعليمية في المنطقة، على أن يتكفل الأهالي بدفع رواتب لهؤلاء.
يجدر التنويه إلى أن الحرب تسببت بإغلاق كثير من مدارس قرى ومديريات محافظة الضالع كمدارس قرى الرباط، وكرش المخطة، لتتجاوز أعداد المدارس الخارجة عن الخدمة حاجز 1600 مدرسة، بحسب منظمة أوكسفام للإغاثة مطلع أبريل/ نيسان 2021.
وتشير تقارير اطلعت عليها "خيوط"، إلى تضرر كثير من منشآت التعليم في اليمن، منها أكثر من 100 منشأة تعليمية في محافظة الضالع (جنوب اليمن)، بنسبة 20.5%، بينها عشر منشآت مدمرة كليًّا، وأربع مستخدمة لإيواء النازحين، وثمانٍ غير آمنة، تأثر جراءها أكثر من 2500 من القوى العاملة، بنسبة 33% من القوى العاملة في المحافظة، وهو ما تسبب بأضرار لأكثر من 62 ألف طالب، بنسبة 33% من إجمالي الطلاب.
التقرير ذكر أيضًا أن طالبًا فقط من أصل سبعة طلاب، يحصل على كتاب مدرسي، حيث إن أكثر من خمسة ملايين طالب لا يملكون كتبًا دراسية، بنسبة تتجاوز 86% من إجمالي عدد الطلاب في عموم الجمهورية، الذي يقترب من ستة ملايين طالب وفق التقرير، وكان بينهم 158 ألف طالب دون كتاب في محافظة الضالع، بنسبة تفوق 87% من العدد الكلي للطلاب بالمحافظة. تبدو غربة الطفل زايد عن أسرته خيارًا قاسيًا، لكن وقعه أقل ضراوة فيما إذا قورن بالحرمان من التعليم ككل.