مع احتدام الصراع، يستمر النقص الحاد في الوقود للمدنيين في صنعاء والمحافظات المجاورة، إذ لم يُسمح، بحسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدخول واردات الوقود إلى الحديدة منذ يناير/ كانون الثاني، الأمر الذي تسبب في زيادة تكلفة السلع الأساسية وتعريض المستشفيات والخدمات للخطر.
مسؤولو الأمم المتحدة يرون في هذا الجانب أن "وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، إلى جانب فتح مطار صنعاء وضمان تدفق الوقود والسلع الأخرى إلى اليمن دون عوائق عبر موانئ الحديدة، من الضرورات الإنسانية الملحة التي ستخفف النزاع على المدنيين وتيسر قدرة اليمنيين على ممارسة حقهم في حرية التنقل".
وكما هو معروف عالميًّا، يواجه اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، وسط تحذيرات من بدء ظهور حالات عديدة في أوساط ترتقي لمستوى "المجاعة في ظل انهيار متواصل للأمن الغذائي في البلاد.
في هذا الخصوص، عاد مرة أخرى المبعوث الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيثس مرة أخرى إلى مجلس الأمن ليحيطه حول تدهور الأوضاع في اليمن. "إنه تدهور مأساوي" بحسب قوله، حيث يستمر هجوم أنصار الله (الحوثيين) على محافظة مأرب، مما يعرض المدنيين، بمن فيهم ما يقدر بمليون نازح داخليًّا، للخطر.
احتجاجات وموارد شحيحة
في الجلسة التي شارك بها، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الأمن، كل من السيد مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، والسيدة نيرفانا شوقي، المديرة الإقليمية لمنظمة "كير" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قال مارتن غريفيثس، إن القوات المقاتلة من كلا الجانبين تكبدت خسائر فادحة، "في هذه المعركة غير الضرورية"، مشيرًا إلى تقارير مروعة عن الأطفال الذين يُجذبون بشكل متزايد إلى المجهود الحربي ما يحرمهم من مستقبلهم.
هذا الأمر ببساطة غير مقبول، وفق هذا المسؤول الأممي، لأسباب إنسانية، إذ تقتضي الضرورة إزالة العقبات التي تحول دون استيراد الوقود وتوزيعه محليًّا للأغراض المدنية. في جلسة مجلس الأمن دعا مسؤولون أمميون إلى إعطاء الأولوية للاحتياجات المدنية، والامتناع عن استخدام الاقتصاد كسلاح.
يرى المبعوث الأممي أن تحسين الخدمات الأساسية، بما في ذلك الحصول على الكهرباء على وجه الخصوص، والتأكد من دفع رواتب الموظفين سيضمن أمن واستقرار الاقتصاد الذي يحتاج إلى موارد أكثر مما هو متاح حاليًّا للحكومة المعترف بها دوليًّا
ويستخدم الاقتصاد كورقة رئيسية في الصراع الدائر في اليمن من قبل مختلف الأطراف المتقاتلة، الأمر الذي فاقم الأوضاع المعيشية بشكل كبير في اليمن، في ظل تسبب هذا الصراع في انهيار العملة الوطنية وتجزِئتها وحرمان مئات الآلاف من الموظفين المدنيين الذين يعيلون أسرًا عددها أفرادها بالملايين من رواتبهم ومصدر دخلهم الوحيد.
المبعوث الأممي دعا في هذا الصدد الحكومة المعترف بها دوليًّا إلى السماح على وجه السرعة بدخول سفن الوقود إلى الحديدة دون تأخير. وقال إنه ينبغي أن تستخدم الإيرادات المتأتية من رسوم وضرائب السفن النفطية حصريًّا لدفع رواتب الخدمة المدنية بناءً على قاعدة بيانات الرواتب لعام 2014.
في هذا السياق، تداول مجلس الأمن ثلاثة أولويات ملحة لمعالجة هذا الجانب من الصراع، الأولية المقترحة التركيز على الاستقرار الاقتصادي والتعافي كأولوية أساسية وعاجلة، للسماح لليمنيين بالخروج من دائرة الفقر والعيش بخيارات وكرامة نأخذها كأمر مسلم به في أماكن أخرى.
بينما المقترح الثاني، يؤكد أن يتم تمويل الاستجابة الإنسانية، التي تعتبر شريان الحياة لملايين الأشخاص، بشكل كامل. أما المقترح الثالث فيرى أن على مجلس الأمن أن يمارس مسؤوليته لإنهاء هذا الصراع المروع بشكل نهائي، ودعم اليمنيين لاستعادة السلام والاستقرار والازدهار.
وقالت السيدة نيرفانا شوقي، المديرة الإقليمية لمنظمة "كير" بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن آمال اليمنيين (هي نفس الآمال التي يتطلع إليها الجميع)، فهم لا يطلبون أي شيء يتجاوز ما هو مسلم به، لكن مستقبلهم يتوقف على انتهاء الصراع.
الأوضاع في عدن
لا يزال الوضع في عدن والمحافظات المحيطة صعبًا، وفق ما أفاد به مارتن غريفيثس، مستدركًا أن مواصلة الحكومة الجديدة تنفيذ مهامها من داخل اليمن، وعلى الرغم من الهجوم الذي وقع في 30 كانون الأول/ ديسمبر، يعتبر جيدًا لمؤسسات الدولة، وآفاق السلام الشامل في اليمن.
لكنه أضاف: "تحسين الخدمات الأساسية، بما في ذلك الحصول على الكهرباء على وجه الخصوص، والتأكد من دفع رواتب الموظفين، سيضمن أمن واستقرار الاقتصاد الذي يحتاج إلى موارد أكثر مما هو متاح حاليًّا للحكومة المعترف بها دوليًّا".
وتشهد عدن ومناطق أخرى في جنوب اليمن موجة احتجاجات ضد الحكومة المشكلة مناصفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وفق مخرجات اتفاق الرياض، وذلك للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير الكهرباء وتحسين الأوضاع المعيشية، مع تطور مسيرة احتجاجية في عدن إلى محاولة المتظاهرين اقتحام "قصر معاشيق" الذي تتخذ منه الحكومة المعترف دوليًّا مقرًّا لها، وهو ما أدى إلى ردود فعل منددة بهذه الاحتجاجات واعتبارها مسيسة بما يوحي بوجود صراع كامن غير ظاهر بين طرفي الحكومة.
وأشار غريفيثس إلى الصلة بين حدوث المجاعة والاحتياجات الإنسانية الأخرى والأماكن التي تشتد فيها الحرب، وبين جبهات الصراع والضعف أمام الأمراض والأزمات.
لذلك فمن المنطقي أن يتوجب على الطرفين منذ وقت طويل جدًا،ّ والآن أكثر من أي وقت مضى، الموافقة على وقف القتال وإسكات البنادق، وفقًا للمبعوث الخاص الذي قال، إن الجلوس على طاولة المفاوضات ليس تنازلًا بل التزامًا.
مسؤول أممي لأعضاء مجلس الأمن: "أنتم جميعًا على دراية بأصول هذه المشكلة التي هي بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، حول الإيرادات. لكن عواقب ذلك، كما هو الحال دائمًا في اليمن، لا يتكبدها من يتخذون القرار. العواقب يتكبدها اليمنيون العاديون. وهذا يساهم مرة أخرى في عملية التجويع المطولة
بالإضافة إلى تلك الاعتبارات الإنسانية الثلاثة، تنضوي مهمة المبعوث الأممي على مساعدة الأطراف على إنهاء الصراع وهذا بالطبع لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حل خلافاتهم عبر المفاوضات، على حد قول غريفيثس الذي أكد أن "الأجندة العاجلة للأمم المتحدة هي هذه الضرورات الإنسانية الثلاث بالإضافة إلى إطلاق العملية السياسية التي تأخرت كثيرًا. إلا أنه يلزم التوضيح وفق حديثه، بعدم إمكانية وضع شروط مسبقة لاستئناف العملية السياسية، فهو واجب على الأطراف المتحاربة".
أصل المشكلة وحلها
تم التشديد في جلسة مجلس الأمن على أن الأطراف المتصارعة مدينة للشعب اليمني بتوفير الأمل في أن هناك نهاية تلوح في الأفق لهذا النزاع.
وكرر مارك لوكوك وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ما حذر منه هو والعديد من الزملاء في منظومة الأمم المتحدة للإغاثة، منذ وقت طويل، وهو أن اليمن يسارع نحو "انهيار هائل للأمن الغذائي"، وأن السبب الرئيسي وراء تدهور الأمور على الجانب الإنساني، هو نقص الموارد.
واستعرض مجلس الأمن محورين رئيسيسن يساعدان في التخفيف من الوضع الاقتصادي اليمني المتردي في اليمن.
الأول هو تعزيز الريال اليمني، الذي انخفضت قيمته مرة أخرى بشكل مثير للقلق في الأشهر الأخيرة؛ "مما يعني أن المزيد من الناس لم يعد بإمكانهم تحمل تكاليف الطعام أو المواد الأساسية الأخرى"، كما أوضح لوكوك، مشيرًا إلى أن توفير النقد الأجنبي في الماضي قد أدى إلى استقرار العملة. "يمكننا فعل ذلك مرة أخرى"، قائلًا إنه ناقش هذا الأمر بالتفصيل مع رئيس الوزراء وآخرين في الحكومة المعترف بها دوليًّا، وهم بحاجة إلى المساعدة في هذا المجال. وحث، في هذا السياق، الشركاء على معالجة هذا الطلب بالجدية والأهمية التي يستحقها.
القضية الأخرى التي تجب معالجتها تتعلق بالحصار المفروض على الواردات التجارية الذي أشار إليه مارتن غريفثيس أيضًا، لا سيما قرار الحكومة المعترف بها دوليًّا وغيرها بعدم السماح بدخول الوقود إلى الحديدة. وقال لوكوك إن "الوقود، كما يعرف الجميع، ضروري إذا كنت ترغب في نقل الطعام أو ضخ المياه أو إبقاء المستشفيات مفتوحة".
وتضاعفت أسعار الوقود مرتين أو ثلاث مرات في بعض المناطق نتيجة النقص الحاد في الإمدادات. وهذا بالطبع يؤدي أيضًا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والرعاية الصحية وكل شيء آخر.
وقال لوكوك لأعضاء مجلس الأمن: "أنتم جميعًا على دراية بأصول هذه المشكلة التي هي بين الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، حول الإيرادات. لكن عواقب ذلك، كما هو الحال دائمًا في اليمن، لا يتكبدها من يتخذون القرار. العواقب يتكبدها اليمنيون العاديون. وهذا يساهم مرة أخرى في عملية التجويع المطولة.
أما الممثل الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة، السفير عبدالله السعدي، فأشار إلى أن خطورة التصعيد لا تكمن فقط في تفاقم الأزمة الإنسانية، بل في القضاء كليًّا على العملية السياسية.
وأكد أن الحكومة المعترف بها دوليًّا تمد يدها للسلام من أجل التوصل إلى حل ينهي الأزمة اليمنية ويحقق لأبناء الشعب اليمني ما يتطلعون إليه من سلام شامل ومستدام، عبر عملية سياسية مبنية على مرجعيات الحل السياسي في اليمن، بما فيها المبادرة الخليجية وآليات تنفيذها ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.