يقطع محمد سالم مسافة 6كم، من قريته الواقعة قرب مدينة الجراحي (شرقي مدينة الحُديدة)، كل صباح من أجل جلب المياه إلى بيته من الآبار؛ فهي المصدر الوحيد للمياه هناك. يقول سالم في حديثه لـ"خيوط"، إنه لم يعد هناك أيّ مصدر مائي في المنطقة سوى مياه الآبار والمياه الجوفية، والتي يعتمد عليها أغلب السكان من أجل الشرب والاستخدام اليومي والزراعة في أحيان كثيرة.
ويشير سالم إلى أنّ المياه الجوفية في المنطقة قد بدأت بالجفاف؛ إذ لا يستطيع أحد الحصول على المياه إذا تأخر عن الحضور في الصباح الباكر؛ وذلك لأنّ الآبار تجف بسبب إقبال الناس إليها بشكل كبير عند الصباح، ويلزمها وقت كي يتجمّع الماء فيها من جديد.
وتشهد المناطق الشرقية من محافظة الحديدة والمناطق المجاورة لها، لا سيما المناطق الغريبة من محافظة إب، جفافًا كبيرًا في المياه الجوفية، وذلك لأسباب عديدة منها قلة الأمطار في تلك المناطق، وسوء إدارة المياه الجوفية، والحفر العشوائي للآبار، ما تسبّب بجفاف كبير في تلك المناطق، بالإضافة إلى اجتياح التصحر للمناطق الزراعية، ما أدّى إلى قلة المحصول وتوسع نسبة التصحر في المنطقة. ووفقًا للمزارعين المعتمدين على مياه الأمطار هناك، فإنّهم لا يحصلون على أيّ شيء ممّا يزرعونه بسبب قلة الأمطار منذ حوالي عشر سنوات.
مشكلة المياه
على بعد حوالي 60 كيلومترًا من قرية سالم شرقًا، تقع عزلة المسيل، التابعة إداريًّا لمديرية فرع العدين، محافظة إب، وهي منطقة زراعية واسعة، يتم فيها زراعة بعض الخضار والفواكه طوال العالم، وكان يعمل معظم سكانها بالزراعة، لكن الوضع اختلف مؤخرًا، وأصبحت المنطقة شبه قاحلة، إذ يؤكّد صالح عبدالله- مزارع في المنطقة، أنّ الجفاف اجتاح المنطقة منذ سنوات، ولم يعد الكثير باستطاعتهم زراعة أرضهم، وذلك بسبب قلة الأمطار وجفاف الآبار.
يضيف في حديثه لـ"خيوط"، أنّ هناك شريحة واسعة من المزارعين يعتمدون على الأمطار الموسمية من أجل الزراعة، إلا أنّهم منذ سنوات باتوا لا يحصلون على شيء من المحصول، وذلك لأنّ الأمطار أصبحت قليلة ولا تأتي إلا في بداية الصيف؛ أي وقت الزراعة، لكنها لا تستمر، ما يجعل محصول الزراعة يواجه القحط طوال العام ويموت.
تعد اليمن إحدى أكثر بلدان العالم الفقيرة بالمياه، وذلك بسبب محدودية مصادرها، حيث تعتمد البلاد على ثلاثة مصادر للمياه، في مقدمتها مياه الأمطار ثم المياه الجوفية والسطحية بنسبة أقل مقارنة بمستوى الاعتماد على مياه الأمطار.
ومنذ سنوات تعاني مناطق كثيرة في اليمن من تراجع كبير في نسبة هطول الأمطار، وهو الأمر الذي يهدّد حوالي 51% من المناطق الزراعية والمقدرة بحوالي 1,6 مليون هكتار بالتصحر، إضافة إلى تسبب ذلك في شح المياه الجوفية، والتي تغذي حوالي 30% من الأراضي الزراعية، وهو ما يهدّد حياة ملايين المواطنين العاملين في القطاع الزراعي، فضلًا عن صعوبة وصول بقية المواطنين لمياه الشرب، ويصبح البلد بأكمله مهددًا بالعطش.
إذ تصنف اليمن على أنها واحدة من أكثر البلدان المهددة بالعطش في العالم، بحسب بيانات البنك الدولي، ووفقًا للدراسات فإنّ أكثر من 11 مليون شخص في اليمن يحتاجون إلى مياه الشرب.
وتعد اليمن إحدى أكثر بلدان العالم الفقيرة بالمياه، وذلك بسبب محدودية مصادرها حيث تعتمد البلاد على ثلاثة مصادر للمياه، في مقدمتها مياه الأمطار ثم المياه الجوفية والسطحية بنسبة أقل مقارنة بمستوى الاعتماد على مياه الأمطار.
ويقدر نصيب الفرد من المياه في اليمن بنحو 80 مترًا مكعبًا سنويًّا، وهي النسبة الأقل عالميًّا، بينما المعدل المتوسط العالمي للأفراد فيقدر بنحو 7500 متر مكعب، بحسب البنك الدولي.
تفاقم التأثيرات
في الوقت الذي يعاني فيه اليمن من فقر وشحة المياه، تأتي التغيرات المناخية في اليمن لتزيد الأمر أكثر سوءًا، إذ قد تساهم في ارتفاع نسبة التصحر إلى حوالي 86% من الأراضي الزراعية، بحسب دراسات حديدية أصدرتها وزارة الزراعة والري اليمنية، كما قد تتسبب التغيرات المناخية بتراجع كبير في نسبة هطول الأمطار.
ويقول الباحث في قسم الجيولوجيا بجامعة صنعاء، معاذ الشرعبي، أنّ اليمن تقع ضمن المنطقة الجافة وشبه الجافة، وهو الأمر الذي يجعل هطول الأمطار قليلًا وموسميًّا، ما جعل اليمن تعاني من مشكلة الجفاف المستفحلة منذ سنوات.
ويعد ذلك، وفق الشرعبي، من أبرز الأسباب التي تؤثر على مناخ اليمن، فالتغيرات المناخية التي يشهدها العالم تسببت أيضًا بشح كبير في مياه الأمطار في مناطق عديدة، وأصبحت تهدد اليمن بكارثة حقيقية من هذه الناحية، وقد تواجه اليمن كارثة.
وتأتي اليمن ضمن أكثر دول العالم تأثُّرًا بسبب التغيرات المناخية، كما تحتل المرتبة الـ171 من أصل 182 دولة، على مؤشر نوتردام العالمي للتكيف (ND-GAIN)، الذي يقيّم قابلية التأثر والاستعداد للتكيف مع تغير المناخ.
وفي الصدد، يقول الدكتور فوزي المنيفي، عميد كلية الزراعة السابق بجامعة ذمار، إنّ التغيرات المناخية ستؤثر على اليمن بشكل كبير، وقد ترفع نسبة التصحر في اليمن إلى أعلى مستوياتها، وذلك بسبب شح الأمطار في المناطق الزراعية وجفاف الآبار، بالإضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة، وذلك قد ينتج عنه الكثير من المشاكل، منها ما يتعلق بالزراعة، وعدم قدرة بعض المحاصيل على تحملها. ويشير في حديثه لـ"خيوط" إلى أنّ هناك تأثيرات مباشرة ستحدث إثر تغيرات المناخ في اليمن، وهي المتعلقة بالتصحر والجفاف وتلوث الهواء وارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى زيادة الفيضانات والكوارث الطبيعية، وهناك تأثيرات تهدّد النظام البيئي المتعلق بالمحاصيل الزراعية وانتشار البعوض وموت الأحياء البحرية، ويؤكّد المنيفي أنّه إذا لم يتم إيجاد حلول لهذه المشاكل الخطيرة فقد تتحول إلى كارثة كبيرة، تهدد الأمن الغذائي، وتؤدي إلى انتشار الفقر وارتفاع النزاع بين الناس من أجل البقاء.