تضخم الفئة العاملة من ذوي الإعاقة

مكابدات شاقّة للتغلب على التمييز وقسوة الحياة
رنا طاهر
May 9, 2024

تضخم الفئة العاملة من ذوي الإعاقة

مكابدات شاقّة للتغلب على التمييز وقسوة الحياة
رنا طاهر
May 9, 2024
الصورة لـ: خالد القاضي

عاش الأربعيني محمد صالح (اسم مستعار)، في كنف أسرته، وله من الأحلام والأمنيات الكثيرة مثله مثل بقية الشباب، لكن كل ذلك يتبدّد بسبب الإعاقة (خلل في الدماغ وعدم التوازن)، التي عصفت به منذ ولادته، إذ حدثت بعد خضوعه لرعاية صحية خاطئة أثناء توليده، سلبته الحركة والإرادة.

يقول عبدالله (شقيق محمد)، لـ"خيوط": "منذ ولادة أمي بأخي محمد وهو مصاب بالإعاقة، فهو لا يستطيع التحدث ولا المشي بشكل جيد؛ وذلك بسبب طريقة التوليد والرعاية الصحية الخاطئة".

بالرغم من ذلك، لم يستسلم لإعاقته، فهو يصحو باكرًا ويقوم بتجهيز نفسه للذهاب إلى بيع "المسابح" في الشوارع، كما هو الحال في رمضان، وأحيانًا يقوم بالعمل على الميزان؛ وذلك مقابل مبلغ ماليّ بسيط لا يتجاوز 1500 ريال؛ ما يقارب دولارَين يوميًّا.

يضيف عبدالله، أنه حاول أكثر من مرة لكي يمنع شقيقه من الذهاب للعمل بائعًا جائلًا في الشوارع، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل؛ بسبب رفض محمد، الذي يعاني من "الإعاقة"، ويصر على مواصلة الوضع الذي اعتاد عليه في الشوارع.

يسكن محمد، الذي يكبر إخوته مع أسرته في حي "الجحملية" (شرقي مدينة تعز)، فقد تزوج بإحدى قريباته، التي هي الأخرى من "ذوي الإعاقة" حيث لديه 4 إخوة، جميعهم لا يعانون من أي إعاقة، عدا محمد.

يُقدّر عددُ الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن، قبل نشوب النزاع، وفق ورقة بحثية أعدّها الأكاديمي في جامعة صنعاء، هاني مغلس، واستندت لتقارير وبيانات منظمات دولية؛ بنحو ثلاثة ملايين شخص، وقد أصبح هؤلاء من بين الذين هم بحاجة إلى مساعدة إنسانية أثناء النزاع.

وتفاقمت أوضاعهم بفعل تزايد صعوبات الوصول إلى الخدمات، والأضرار التي لحقت بمرافق البنية التحتية، واضطرار بعضٍ منهم للعيش في بيئات نزوح تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة والحماية. زيادة على ذلك، يؤكّد مسؤولون ومعنيون في محافظة تعز، حاجة 14 ألفًا من ذوي الإعاقة، مسجلين لدى صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، للدعم والمساندة والرعاية الاجتماعية والصحية.

رئيس جمعية رعاية وتأهيل المعاقين في مدينة تعز، عباس محمد باشا، يقول في هذا الخصوص، لـ"خيوط": "يعيش "ذوو الإعاقة" ظروفًا سيئة، نظرًا للإعاقة الجسدية التي يعانون منها، إضافة إلى أن هذه الفئة دفعت ثمنًا غاليًا من ضريبة الحرب والصراع في اليمن، حيث افتقد الكثير للرعاية، وهناك وَفَيَات منهم بسبب عدم الحصول على الدواء المجاني"، فضلًا عن الافتقاد للوسائل التعويضية التي كفلها لهم القانون الخاص بذوي الإعاقة، وذلك مع غياب الدور الذي كانت تقوم به مؤسسات الدولة؛ لذا غاب تطبيق القانون -وفق هذا المسؤول- ومعه الكثير من الحقوق، حيث لم يعد يلتفت أحدٌ لذوي الإعاقة، لا حكومة ولا منظمات.

يعيش ذوو الإعاقة، الذين يعانون من الإعاقة الذهنية والجسدية، أوضاعًا صعبة في تعز (جنوب غربي اليمن)، المحافظة التي يحاصرها الحوثيون منذ بداية الحرب والصراع في اليمن عام 2015، إذ يصر الكثير منهم على العمل والكفاح بأي فرص متاحة أمامهم، خصوصًا أن بعضهم سطّر قصص كفاح ملهمة في التعليم حتى نالوا الشهادة الجامعية.

يتابع باشا حديثه: "أما بالنسبة للجانب الحكومي، فهناك تجاهل غريب لذوي الاحتياجات الخاصة؛ لا مبنى حكومي، أو تجاري للاهتمام بهذه الشريحة، كما أنّ هناك صعوبة تواجهها هذه الفئة في الاندماج بالمجتمع، وحتى في المستشفيات، نادرًا ما تتوفر الإمكانيات اللازمة للعناية بذوي الإعاقة، فليس هناك كراسيّ متحركة تساعدهم على الحركة".

بينما لا يخفى على أحد أنّ المبنى الخاص الوحيد والمصمم لذوي الاحتياجات الخاصة، أصبح ثكنة عسكرية، والطلاب اضطروا إلى الدراسة في مساكن مستـأجرة لا تليق بقدراتهم، جعلتهم يكابدون الأمرّين لمواصلة التعليم.

كفاح مُضنٍ للبقاء

يطغى الحزن والبؤس عادة على حياة ذوي الإعاقة، حيث يواجهون مجموعة من التحديات والصعوبة الناتجة عن التمييز المجتمعي وتأثيره على حياتهم بشكل كبير، كما يواجهون تحديات أخرى لا تقل شأنًا، بَدءًا من الوصول إلى التعليم وفرص العمل المناسبة، وصولًا إلى الرعاية الصحية والحياة الاجتماعية. 

في حين قد يكون الوصول إلى الخدمات الصحية والرعاية التي يحتاجون إليها، صعبًا أيضًا، ممّا يؤثر على جودة حياتهم ورفاهيتهم، وهو ما يتطلب مواجهة هذه التحديات والقيود والتغلب عليها. 

الستيني عبدالرحمن أحمد (اسم مستعار)، من ذوي الإعاقة ومصاب بثقل في التحدث، وصعوبة في حركة اليد والرجل، يقول لـ"خيوط"، إنّه مصاب منذ طفولته بالشلل النصفي، حيث بذل والداه جهودًا كبيرة لعلاجه في مستشفى الثورة بتعز، ظل فيها مدة عام، وبعدها بدأت صحته تتحسن.

يعيش عبدالرحمن بمنطقة وادي المعسل بمدينة تعز، متزوج ولديه خمسة أولاد (ثلاث فتيات، وابنان)، أكبرهم فتاة تزوجت وهي بعمر 15 عامًا. يسكن في منزل إيجاره ما يقارب 60 ألف ريال (30 دولارًا شهريًّا بسعر الصرف المتداول في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا)، علاوة على ذلك يعمل عبدالرحمن في بيع المصاحف والمسابح ومناديل الفاين وأشياء أخرى في شوارع مدينة تعز.

يتابع حديثه: "أقوم بالعمل من السادسة صباحًا إلى السابعة مساءً؛ لكي أقوم بجمع إيجار منزلي ومصاريف أولادي، أحيانًا أجد ثمرة تعبي طيلة اليوم، وتارة أخرى لا أجد شيئًا".

ينجم عن الإعاقة تقليص العلاقات الاجتماعية، كما تقول الدراسة الصادرة عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان؛ لعدد ملحوظ من الأشخاص ذوي الإعاقة؛ نتيجة الانزواء، أو بسبب عزوف المجتمع المحيط نفسه عن تعزيز الروابط الاجتماعية مع ذوي الإعاقة، وتراجع الاهتمام بهم بعد فترة وجيزة من التعاطف والشفقة، ويواجه بعض ذوي الإعاقة، ممن يوَدّون تنمية علاقات اجتماعية إيجابية تساعد في التخفيف من صعوبات الإعاقة، قيودًا في كسب المزيد من الأصدقاء، وتنويع الروابط الاجتماعية بصورة طبيعية ومرنة.

عبدالرحمن، الرجل العزيز، الذي كلّما يشفق عليه المارّة لسوء حالته وإعطائه مبلغًا بسيطًا من المال، يقوم برفضه قائلًا: "لا أريد صدقة من أحد، إمّا أن تشتري مني، أو تمضي في طريقك"؛ في حين حصد ثمار عزة نفسه وإصراره على العمل والكفاح، بعد أن قامت إحدى المنظمات الخيرية بمساعدته على فتح محل صغير له على الشارع العام (جولة المسبح)، وتعبئته بمواد غذائية بسيطة، لكن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة له. فقد جعل ابنه يقوم بالبيع بالمحل، بينما يعمل هو بائعًا جائلًا في الشوارع، كما اعتاد.

تقع أشدّ الأضرار الاقتصادية فداحة، التي تنجم عن الإعاقة، على عاتق الرجل المعيل وأسرته، حيث قد يكون فقدَ، إلى جوار الإصابة، مصدرَ رزقه الوحيد، وهو ما يدفع الكثير منهم إلى البحث عن أي فرصة عمل حتى لو كانت قضاء معظم فترات اليوم على أرصفة الشوارع.

كما أنّ الإعاقة هنا، وفق الدكتور مغلس، تعني تغيرًا كاملًا ومأساويًّا في مجرى الحياة الطبيعية للأسرة، وربما فقرًا متفاقمًا ومستمرًّا؛ بسبب الإعاقة الدائمة للعائل. وبصورة أخف، يراود بعض النساء المصابات بإعاقات جسدية أو بصرية شعورٌ بانحسار أدوارهن الاقتصادية، نتيجة صعوبة أداء الأعمال المنزلية أو رعاية الأبناء بالجدارة نفسها، أو بسبب العجز عن القيام بالمهام الأساسية خارج المنزل في المناطق الريفية، كرعي الأغنام والاحتطاب وجلب الماء، وترزح بعض النساء ذوات الإعاقة تحت وطأة الشعور بأنهن عالة دائمة على الأسرة وغير نافعات اقتصاديًّا، وهذا أمر يمكن أن يكون بالغ الأثر على حياتهن في المستقبل.

نقص كبير في الاحتياجات

يعيش ذوو الإعاقة، الذين يعانون من الإعاقة الذهنية والجسدية، أوضاعًا صعبة في تعز (جنوب غربي اليمن)، المحافظة التي يحاصرها الحوثيون منذ بداية الحرب والصراع في اليمن عام 2015، إذ يصرّ الكثير منهم على العمل والكفاح بأي فرص متاحة أمامهم، خصوصًا أن بعضهم سطّر قصص كفاح ملهمة في التعليم حتى نالوا الشهادة الجامعية. 

يشير صادق أحمد -اسم مستعار؛ بحسب طلبه- وهو أحد موظفي صندوق الرعاية وتأهيل المعاقين في تعز، لـ"خيوط"، إلى انعدام الدعم الذي كان مقدّمًا لمثل هذه الجهات التي تقوم برعاية ذوي الإعاقة، فالصندوق ليس لديه نفقات تشغيلية، وهذا ممّا أدّى إلى انتكاس هذه الفئة التي فقدت الرعاية الاجتماعية والصحية المقدمة لهم.

ويوضح أنّ ذوي الإعاقة فئةٌ منسية من قبل المنظمات والجمعيات بالمحافظة، ولم يتلقوا أي دعم، سواء كانت إغاثة غذائية أو إيوائية، أو مشاريع التمكين، وهذا ينعكس بشكل سلبي على هذه الفئة، مؤكدًا أنّ هناك نقصًا كبيرًا في الاحتياجات الأساسية، مثل الأجهزة التعويضية المساعِدة، والعلاجات والعمليات، والتعليم بجميع مراحله.

وأدّى النزاع، وفق الدراسة وتقارير المنظمات الدولية، إلى توقف أنشطة أكثر من 300 منظمة محلية غير حكومية كانت توفر خدمات متخصصة لذوي الإعاقة في مجالات الرعاية والتدريب والتأهيل، وفرض المزيد من القيود على المنظمات الدولية غير الحكومية المعنية بذوي الإعاقة، وتعرّضت مرافق خاصة بذوي الإعاقة للاستهداف من قبل أطراف النزاع؛ أبرزها مركز النور للمكفوفين بصنعاء، الذي تعرض لغارة جوية نفّذها طيران التحالف بقيادة السعودية والإمارات في يناير/ كانون الثاني 2016.

•••
رنا طاهر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English