تقترب جماعة أنصارالله (الحوثيين) للنيل من كلِّ ما هو وطنيّ، أو جامع، لصالح نزعتها العصبوية الموغِلة في الضّيق والتخلّف. إنّ شواغل الريف بمعناه المجدب، والذي تتكِئ عليه الجماعة هو اليومَ مَن يجتاح الحواضر، ويحاول تطبيعها على القفر والبداوة. تسخير العام لصالح الخاص، الدولة لصالح الجماعة، الوطن لصالح الأسرة، والدِّين لصالح الطائفة. لا توجد ثورة -ولا حتى تمرّد بمعناه الفوضوي- يقوم على دواعي الإصلاحات، ثم يقول لشعبه: لقد انتصرنا عليكم، مثلما يتصرف المسؤولون الذين أتى بهم سلاح الـ21 من سبتمبر/ أيلول إلى السلطة.
إنّنا في حقل تجارب فعليّ، لكن ليس لقياس حكمة المنطق على العامة، وإنّما لقسر الناس على اعتناق قيم ومبادئ ضيّقة وقبل ما وطنيّة. هل لنا أن نلتقط أنفاسنا قليلًا لنسأل عن الهدف الذي وضعه "الحوثيون" نصب أعينهم، وهم يضعون خطط سيطرتهم المسلحة على السلطة؟ وما الذي يجعلهم ينظرون إلى الشعب على أنّه خصم، وبالتالي تأسيس المشاريع على طمس هُويته الحضارية، وما بناه من تراكم باتجاه الحقوق والحريات؟
التعديلات القائمة على المنهج المدرسي، تتبنَّى وجهة نظر أحادية، وترسّخ مبدأ الانتفاع الفئوي على المصلحة العامة للأمة؛ ولذا فإنّ أيّ رفض هو في المسار الصحيح، لإنقاذ التعليم وتجنيبه كارثة على وشك أن تقع.
يشير التاريخ إلى التتار، باعتبارهم جماعات غاشمة، احتلت بلدان وأخضعت شعوبًا، ثمّ عندما أتيحت لهم فرصة تطبيق أفكارهم الثورية، كانوا خالِي الوفاض، إلا من قوّتهم الغاشمة، وهمجيّة مقاتلِيهم. لكنهم مع الصلف الذي يمتلكونه، لم يذهبوا لتقويض ثقافة الشعوب المُستَعْمَرة، بل بدلًا من ذلك، ارتضوا لأنفسهم أن يندمجوا مع ما يمليه عليهم وجودهم الجديد من تأقلم.
هنا، لسنا بصدد المقارنة التامّة، إلا في المسألة المتعلقة بأهداف السلطة المهيمنة على عاصمة اليمنيين والعديد من محافظاتهم، وقد رأيناها متخبطة لا تُحسن صنيعًا، وتمضي عكسًا على التيار الذي راكمت عليه القوى الوطنية أمجادها. ولنا في المحاولات الحثيثة لتغيير المنهج المدرسي، نموذجٌ، للاستدلال به، على تيه هذه السلطة وغشامتها وسوء فعالها. هل يدري مسؤولو سلطة الحوثيين في صنعاء، ما الذي يتداوله الناس بينهم، في كل مكان من الجغرافيا التي تقع تحت سيطرتهم، بشأن عبثهم بالمنهج المدرسي؟ لينزلوا من أبراجهم قليلًا، ويأتوا ليستمعوا لبعض منه.
يتعامل أولياء الأمور من الأمهات والآباء مع التعديلات الجديدة في المنهج المدرسي، باعتبارها قنابل موقوتة، وأنّ المحتوى الذي تم فرضه بحكم الأمر الواقع، هو بالضرورة يعمل ضدًّا على مستقبل البلد وأجياله. إنّ الزجّ بالصراع اللاوطنيّ القائم ومعطياته في عقول الناشئة، من شأنه أن يدفع الكل إلى التعامل بسوء نية مع منهج وجد لتنمية الأجيال والدفع بهم لبناء المستقبل، لا فقّاسة، لجعلهم وقودًا سهلًا لحرب عبثية لم تبقِ ولم تذر.
إنّ التعديلات القائمة على المنهج المدرسي، تتبنَّى وجهة نظر أحادية، وترسّخ مبدأ الانتفاع الفئوي على المصلحة العامة للأمة؛ ولذا فإنّ أيّ رفض هو في المسار الصحيح، لإنقاذ التعليم وتجنيبه كارثة على وشك أن تقع.
لن يصبح الخطأ صوابًا لأن هناك من أراد له أن يكون كذلك. لن ينصاع الناس للدروس التعبوية التي تجعل منهم أتباعًا ورعايا لا مواطنين، مهما كان صوتهم خافتًا واحتجاجهم لا مرئي، بالنسبة لسلطة منتبهة ويقِظة، إلا من حقوق الشعب ومصالحه العليا.
ثم إنّنا في عصر تكنولوجيا المعلومات، وأي حجب أو تلفيق أو توجيه يمكن دحضه وتفنيده بكل سهولة. دأب النظامان الثيوقراطيّان في إيران والآخر في السعودية، على تلقين شعبيهما مفردات الأيديولوجية الدينية الظلامية المتطرفة، ثمّ إلى أين انتهى بهما الأمر. ملَآ المنطقة بالفوضى والجماعات المسلحة، عوضًا عن الضرر الذي أصاب الأجيال تابعًا فتابع. والآن، وعلى ما بثّه من تعبئة، يذهب النظام الإيراني لمجابهة طوفان من الاحتجاجات الشعبية، من قبل شبّان وشابات، معظمهم وُلدوا بعد قيام (الثورة الإسلامية) في إيران، وكل مطالبهم تنصبّ في عمل قطيعة مع سنوات القمع والاضطهاد تلك.
أما النظام السعودي، فلجأ إلى استراتيجية هشّة هي الأخرى، فبدلًا من إصلاح النظام السياسي، أعطى مساحة للحريات الفردية، واعتمد على تكتيك الترفيه للتنفيس، في محاولة منه لمحو سنوات "الصحوة" التي أنتجت ظاهرة التطرف.
وأيًّا يكن، هناك جيلٌ يمنيّ هو جزء من هذا العصر، يتأثر ويأثر به، ولن يرتضي أن يصبح حقل تجارب للعصبويين الجدد، وجماعات الدين السياسي. لقد ثار (أي هذا الجيل) في العام 2011 على دولة جاهزة ومكتملة الأركان، فقط لأنّ هذه الأخيرة، أرادت أن تورّث نظام الحكم، ومارست فساد دولة؛ فهل يعقل أن يتم التعامي عن كل ذلك، وانتهاج التجهيل والطغيان والفساد لإدارة شؤون العامة؟!