الكوليرا في معركة مع مرضى السرطان

تفشٍّ واسع وسريع يهدد اليمن بكارثة إنسانية
يرستين النهمي
May 25, 2024

الكوليرا في معركة مع مرضى السرطان

تفشٍّ واسع وسريع يهدد اليمن بكارثة إنسانية
يرستين النهمي
May 25, 2024
.

أصيب عبدالواحد عقلان، وهو من محافظة صعدة، بالكوليرا، وابتدأت الأعراض بالتفاقم، حتى وصل إلى حدّ الإسهال الحادّ والاستفراغ، حيث قامت أسرته بنقله للمستشفى، الذي وضعه مباشرة في قسم العناية والعزل، بالنظر إلى مستوى الإصابة الشديدة بالمرض. بعد ثلاثة أيام، بدأت حالته بالتحسن على إثر تلقيه الاهتمام اللازم من الطاقم الطبي.

في ظلّ الصراع المستمر والأوضاع الإنسانية الصعبة، يتعرض اليمن لتفشٍّ خطير لمرض الكوليرا، ما يزيد من المعاناة اليومية للسكان، ويهّدد البلاد بكارثة إنسانية في البلاد، بالنظر إلى مستوى تفشي هذا الوباء، الذي يعتبر من أكبر التحديات الصحية التي تواجهها اليمن في الوقت الحالي.

تحتشد المسببات لمرض الكوليرا في اليمن، في الوقت الذي تقف فيه السلطات ما بين مُنكِرٍ ومعترِف، في مشهد يُعيدنا إلى حالة الظاهرة الإنكارية لجائحة كورونا؛ انسلاخًا من الواقع، أو كما يقال، لكيلا يحصد الهلع الأرواحَ ويسير الوباء دون ضجيج، بالرغم من ارتفاع معدلات الإصابات والوفيات في البلاد بشكل ملحوظ. 

التقاعس عن الاحتواء يوسّع الانتشار

منذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي 2023، تشهد البلاد عودةً متصاعدة مثيرة للقلق، لمرض الكوليرا في جميع أنحاء اليمن، وفقًا لِمَا صرّح به مسؤول الأمم المتحدة، إيديم ووسورنو، لمجلس الأمن، في حين تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ انتشار الكوليرا في اليمن يعدّ حالة طوارئ من الدرجة الثالثة، ممّا يتطلب استجابة شاملة على المستويات الثلاثة للمنظمة.

المخاطر التي تحاوط مرضى السرطان كثيرة؛ وذلك بسبب نقص المناعة، إذ يضاف الآن خطرٌ جديد يهدّد حياتهم، وهو انتشار مرض الكوليرا، كونهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض. يتوجب عليهم اتخاذ تدابير وقائية إضافية للحماية من هذا المرض، فإصابتهم بالكوليرا تعني مماتهم في اليوم الثالث من الإصابة، لعدم تحملهم إي وباء.

واستحوذ انتشار "الكوليرا" على جلسة مجلس الأمن الشهرية حول اليمن التي انعقدت منتصف مايو/ أيار الحالي 2024، إذ أكّد مسؤولون في الأمم المتحدة أن تفشي وباء الكوليرا يتفاقم بسرعة في اليمن، حيث يتم الإبلاغ عن مئات الحالات الجديدة يوميًّا، ليصل العدد الإجمالي إلى حوالي 40 ألفًا، بما في ذلك 160 حالة وفاة، حيث تعمل الأمم المتحدة هي وشركاؤها على اتخاذ إجراءات عاجلة للقضاء على المشكلة، حيث من المتوقع أن تؤدّي الأمطار الغزيرة والفيضانات إلى تفاقم الأمور.

بحسب مسؤول أممي، تحدّث في جلسة مجلس الأمن، فإنّ الاستجابة ستتطلب تمويلًا لمنع خروج الوضع عن السيطرة. وذكر أنّ عواقب التقاعس معروفة، مذكِّرًا المجلسَ بالتفشي الذي حدث بين عامي 2016 و2021، والذي أودى بحياة نحو أربعة آلاف شخص، معظمهم من الأطفال.

خطورته على الأمراض المناعية

يواجه مرضى السرطان والمصابون بالأمراض المناعية معركةً جديدة شرسة تضاف إلى معاناتهم القاسية؛ بسبب المرض وعدم الحصول على الرعاية الصحية المناسبة.

في السياق، تقول الدكتورة جميلة الصرمي، اختصاصية سرطان الثدي في مركز الأمل للأورام في صنعاء، التابع للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، في تصريح لـ"خيوط"، إنّ المخاطر التي تحاوط مرضى السرطان كثيرة؛ وذلك بسبب نقص المناعة، إذ يضاف الآن خطرٌ جديد يهدّد حياتهم، وهو انتشار مرض الكوليرا، كونهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض.

وبحسب الصرمي: "يتوجب عليهم اتخاذ تدابير وقائية إضافية للحماية من هذا المرض، فإصابتهم بالكوليرا تعني مماتهم في اليوم الثالث من الإصابة، لعدم تحملهم إي وباء". وتؤكد أهمية وجود حملات توعية بكيفية الوقاية من الكوليرا مع انعدامها بشكل تام في ظل توسع انتشار هذا المرض.

مشيرةً إلى أنه لم يتم إبلاغهم عن وجود حالات أصيبت بالكوليرا من مرضى السرطان حتى الآن، خاصة ممّن يتعالجون في مركز الأمل للأورام، لكن مع انتشاره، تتوقع الصرمي أن يكون هنالك إصابات من مرضى السرطان، بالنظر إلى عدم توفر السبل الوقائية للكثير منهم. 

في السياق، شبح الوباء يطارد اليمنيين بسبب تعدُّد مصادر العدوى وتوزعها في جميع أنحاء البلاد، حيث يعتبر الكوليرا مرضًا ينتقل عن طريق المياه والأطعمة الملوثة بالبكتيريا Vibrio cholerae.

وقد أثبتت أبحاث المنظمات المعنية بالصحة في اليمن، توزع المصادر المحتملة للعدوى، حيث تأتي الخضروات النيئة في المقدمة بنسبة 75.1%، يليها ماء السبيل بنسبة 39.0%، وماء الآبار بنسبة 26.0%، والمياه المحملة عبر "الوايتات" بنسبة 21.1%، إضافة إلى الفواكه بنسبة 15.0%، وماء العين بنسبة 8.4%، وصولًا إلى الأجبان.

تستمر الكوليرا بالانتشار في اليمن وفقًا للأرقام الصادرة عن الجهات الصحية في عدن وصنعاء، وحصلت عليها "خيوط"، حيث بلغ عدد الحالات المصابة بالكوليرا أكثر من 5700 حالة منذ بداية تفشي الوباء في مارس/ آذار الماضي 2024، وذلك في المناطق الخاضعة لسلطة صنعاء، بينما تقدّر الحكومة المعترف بها دوليًّا عدد الحالات المنتشرة في مناطق سيطرتها بأكثر من 3500 حالة.

معظم المصابين بالمرض يصلون إلى المستشفى الجمهوري بتعز وهم في حالة سيئة جدًّا، بحسب أحد الأطباء؛ هبوط في الضغط والأكسجين ونبضات القلب، إضافة إلى الجفاف، في حين يتم بعد مرحلة استقبالهم في الطوارئ نقلهم إلى العناية والعزل الخاص بالكوليرا، ليبقوا تحت الملاحظة الطبية.

من بين الحالات المصابة، تشير التقارير إلى أنّ 74% منها، تعاني من حالات شديدة الجفاف، ممّا يزيد من خطورة المرض، ويزيد من فرص انتشاره بسرعة.

بينما تشهد محافظة صعدة أعلى معدل للإصابات بالنسبة للمحافظات الخاضعة لسيطرة سلطة صنعاء، حيث وصل عدد المصابين فيها، بحسب بيانات تقديرية اطلعت عليها "خيوط"، إلى نحو 1258 حالة، تليها العاصمة صنعاء، في حين تتصدر عدن أعلى معدلات الإصابة في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، تليها تعز في المركز الثاني، وأبين في المركز الثالث، والضالع في المركز الرابع.

إصابات شديدة ومواجهة ضعيفة

تستمر حالات العدوى بالتصاعد، بسبب ضعف إمكانيات مواجهة الوباء وانتشاره بشكل واسع منذ شهر مارس/ آذار الماضي 2024، حيث تظهر أعراضه على شكل إسهال حادّ وقيء مستمرّ، ممّا يؤدّي إلى فقدان حادّ للسوائل والأملاح في الجسم. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يؤدّي المرض إلى الوفاة، إذا لم يتم التدخل الطبي السريع لتعويض السوائل المفقودة.

أحمد سليمان، البالغ من عمر 50 عامًا، من محافظة تعز (جنوب غرب اليمن)، كانت إصابته شديدة بالكوليرا، دخل على إثرها في غيبوبة؛ وذلك لعدم حصوله على الاهتمام الصحي المناسب منذ البداية.

يقول أحمد لـ"خيوط"، إنّه أسعف نفسه منذ أول يوم من الإصابة إلى مستوصف المظفر، وبعدها انتقل إلى مستشفى الثورة، ولم يحصل في كليهما على الرعاية اللازمة، حتى انتقل إلى مستشفى الجمهورية، ويصف أحمد حالته بالسيئة للغاية، ولا تقل سوءًا عن حالات بعض المواطنين الذين يصلون من مناطق بعيدة خارج المدينة، مثل التربة وغيرها بسبب طول الطريق، إذ لا يصل المصاب بالمرض إلى المستشفى إلا وقد أصبحت حالته حرِجة للغاية.

يصف الطبيب أبو بكر سالم، من قسم العناية بمرضى الكوليرا في مستشفى الجمهورية بتعز، لـ"خيوط"، بأنّ المرض منتشر بشكل كبير، حيث يستقبل المستشفى في اليوم الواحد عشرات الحالات من مختلف الأعمار ومختلف مناطق مدينة تعز.

كما أنّ معظم المصابين بالمرض يصلون إلى المستشفى وهم في حالة سيئة جدًّا، بحسب الطبيب سالم؛ هبوط في الضغط والأكسجين ونبضات القلب، إضافة إلى الجفاف، في حين يتم بعد مرحلة استقبالهم في الطوارئ نقلهم إلى العناية والعزل الخاص بالكوليرا، ليبقوا تحت الملاحظة الطبية.

يعدّ انتشار الكوليرا في اليمن خطيرًا، ويشكّل تحدّيًا صحيًّا كبيرًا، وتتطلب مكافحة الوباء جهودًا مشتركة من السلطات الصحية المحلية والمنظمات الدولية، بالإضافة إلى الدعم الدولي والموارد الصحية اللازمة. يجب أيضًا تحسين الظروف الصحية العامة، وتوفير الخدمات الصحية الأساسية، للحدّ من انتشار المرض.

وتؤكّد منظمات دولية أهميةَ الاستجابة السريعة لمكافحة الكوليرا في اليمن، إذ تشير الأمم المتحدة إلى أنها تعمل هي وشركاؤها في المجال الإنساني، بشكل وثيق مع السلطات المعنية لتوسيع نطاق الاستجابة، في حين دعا مسؤول أممي المجتمعَ الدولي إلى تقديم الأموال والإمدادات اللازمة للتصدّي للوباء، وتؤكّد المنظمة الأممية أنه لم يتم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لليمن لعام 2024، إلا بنسبة 10% فقط، حتى الآن.

•••
يرستين النهمي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English