جوع الطفولة المبكر

لماذا تراجعت معدلات الرضاعة الطبيعية؟
نورا فهد
August 7, 2024

جوع الطفولة المبكر

لماذا تراجعت معدلات الرضاعة الطبيعية؟
نورا فهد
August 7, 2024
.

لا تعلم أمّ التوءم سيف وأمين أنّ الجوع الذي تعيشه كونها يمنية، نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، والصراع الدائر منذ سنوات، سيطال توءميها الصغيرين، وأنّ هذين البرعمين اللذين لم يتفتقا بعد، سيستفتحان شهورهما الغضة الأولى بحرمان من حليب الأمومة؛ الحق الطبيعي والتعويضي عن كل الخراب الحاصل من حولهما. 

تعاني الأم من سوء تغذية حادّ، انعكس على إدرار الحليب لديها، ومن ثم جوع التوءَمين، ما دفعها إلى شراء الحليب المصنع لتعويضهما قدر المستطاع عن حليبها.

أول العهد بالحياة

يحتفل العالم بالأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية الممتد من 1 وحتى 7 أغسطس/ آب من كل عام. 

في اليمن، أظهرت إحصائية لمنظمة الصحة العالمية نشرتها في موقعها الرسمي في منتصف يوليو/ تموز المنصرم، انخفاضًا كبيرًا في معدلات الرضاعة الطبيعية الخالصة في البلاد، فبحسب الإحصائية، بلغت نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر، وخضعوا لفحص نقص التغذية في سنة 2023، 21%، بينهم 14% فقط تم إرضاعهم طبيعيًّا.

هذا التراجع الكبير في نسبة الرضاعة الطبيعية الحصرية إلى درجات تبعث القلق، من المرجح أن يسهم في زيادة ارتفاع مستويات نقص التغذية المستمرة، بحسب المنظمة العالمية، فضلًا عن حرمان المواليد من المنفعة المتحققة من الرضاعة الطبيعية والمتمثلة في بناء مناعة الأطفال الصحية، وتعزيز الرابط العاطفي بين الأم وجنينها، علاوة على توفير المصاريف العلاجية التي تنفقها الأُسَر والجهات الصحية لأمراض هي نتاج نقص المناعة الناتج بدوره عن عدم أخذ الطفل حقه الطبيعي في الرضاعة أو حرمانه منها. 

رضاعة طبيعية خالصة

وللتدليل على هذا الانحدار في معدلات الرضاعة الطبيعية من واقع الإحصائيات المحلية، أفاد نائب المدير العام ومنسق برنامج التغذية في محافظة تعز، فهد النظاري، في حديث لـ"خيوط"، بوجود بيانات خاصة بالرضاعة الطبيعية الخالصة التي تكون في الستة الأشهر الأولى للطفل، وبالرضاعة المستمرة التي تمتد سنتين. 

حيث يقول النظاري: "وفقًا لآخر مسح "Smart Survey"، الذي نُفذ بتعز في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، مثّلت مؤشرات الرضاعة الطبيعية الخالصة في المحافظة نسبة 27.7٪ لبعض المناطق الجبلية، و20.7٪ لبعض المناطق الساحلية، أمّا بالنسبة للرضاعة المستمرة فإنّ مؤشراتها، وفقًا لهذه الإحصائيات، تتراوح ما بين 69٪ في المناطق الجبلية، و77٪ في المناطق الساحلية".

تؤثر التغيرات الثقافية والاجتماعية، في تقليل الوقت المتاح للرضاعة الطبيعية، بالإضافة إلى عادة مضغ القات والتدخين، إلى جانب بعض الاعتقادات المتعلقة بشكل وقوام المرضعات.

فترة الحرب العصيبة

تُرجِع اختصاصية التغذية، زينب العريفي، أسباب هذا التراجع للوضع الاقتصادي الصعب، وارتفاع الأسعار الذي ساهم بدوره في عجز الأسر عن شراء متطلبات العيش الأساسية وفي مقدمتها المواد الغذائية الضرورية، ما حرم الأمهات من الغذاء الكافي والمتوازن، وهو ما انعكس سلبًا على إدرارهن للحليب.

وممّا لا شك فيه أنّ الحالة النفسية السوية للفرد تنعكس بشكل ملحوظ على حالته الصحية، وكذا بالنسبة للأم المرضعة، وهو ما تؤكّده العريفي بالقول: "تعيش الأم المرضعة في اليمن فترة عصيبة بسبب الحرب، وما يترتب عليها من مشكلات وضغوط وقلق وتأثر وفقدان وحزن، وهي كلها أسباب تنعكس على حالتها النفسية التي بدورها تؤدّي إلى قلة إفراز هرمون البرولاكتين الذي يعمل على تحفيز إنتاج الحليب لديها، فتكون النتيجة الجفاف، أو قلة في كمية الحليب المفترضة".

في حين ترى الاختصاصية الاجتماعية، حنان المحمدي، أنّ انخفاض معدل الرضاعة الطبيعية في اليمن يعود لأسباب عدة؛ منها انشغال الأم الدائم بالعمل. وتؤكّد المحمدي في حديث لـ"خيوط"، أنّ تزايد مشاركة المرأة في سوق العمل، وحاجة الأُسَر للموازنة بين مسؤولياتهن الوظيفية ورعاية أطفالهن، أثّر على معدل مرات الرضاعة الطبيعية للرضع.

وتضيف المحمدي: "تؤثر التغيرات الثقافية والاجتماعية، وما نتج عنها من زيادة اهتمام الأمهات بالأنشطة الترفيهية والكماليات، في تقليل الوقت المتاح للرضاعة الطبيعية، بالإضافة إلى سلوك بعض الأمهات المرضعات لعادة مضغ القات والتدخين، ومن ثم عدم الاهتمام بتغذية نفسها وتغذية طفلها الرضيع، إلى جانب بعض الاعتقادات والمعلومات الخاطئة، لا سيما لدى الأمهات صغيرات السن، المتعلقة بأن إرضاع الطفل قد يؤثر على شكلهن وقوامهن".

مشكلة الولادات القيصرية

من جانبها، تورد سحر القاضي، اختصاصية أمراض وجراحة التوليد والعقم، أسبابًا إضافية لانخفاض معدل الرضاعة الطبيعية في اليمن، متمثلة بقلة التوعية بأهمية الرضاعة الطبيعية، إلى جانب توفر البديل، المتمثل بالحليب الصناعي، متعدّد الأنواع والأسعار في الأسواق.

وتؤكد القاضي في حديث لـ"خيوط"، بقولها: "إنّ لزيادة الولادات القيصرية دور أيضًا في الإضرار بصحة الأم وفي مدى قدرتها على الرضاعة الطبيعية، إذ تواجه الأمهات اللواتي لا يرضعن أطفالهن في الساعات الأولى بعد الولادة، صعوبةً في الرضاعة الطبيعية؛ وذلك لأن الطفل حديث الولادة يفقد القدرة على المصّ بعد مرور فترة، لا سيما عندما يعتاد على سهولة وتوفر زجاجة الحليب الصناعي".

وتتابع القاضي: "هناك أسباب وتحديات أخرى قد تواجه الأم المرضعة، مثل صعوبة الاستيقاظ للرضاعة الطبيعية، خاصة في الأسابيع الأولى بعد الولادة، وشعور بعض الأمهات بألم في حلمة الثدي، أو حدوث احتقان والتهاب في الثدي، بالإضافة إلى فصل الطفل عن أمه بعد الولادة مباشرة لتلقي العلاج في بعض الحالات المرَضية، وهي جميعها أسبابٌ تؤثر سلبًا على ممارسة الأم للرضاعة الطبيعية".

الرضاعة الطبيعية واحدة من طرق تنظيم الأسرة والمباعدة بين إنجاب الأطفال، وتقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبايض، بحسب الدراسات والأبحاث العلمية.

فوائد غير مدركة 

ربما لا تعلم كثيرٌ من الأمّهات فوائد الرضاعة الطبيعية على صحتها وصحة طفلها، وهذا ما تؤكّده العريفي بالقول: "بالنسبة للأم، فإنّ الرضاعة الطبيعية تقلّل من نزيف ما بعد الولادة، وتساعد في أن يعود الرحم إلى وضعه الطبيعي بشكل أسرع، كما تساعد في استعادة الأم لوزنها السابق قبل الولادة؛ لما يحدث خلال عملية الرضاعة من حرق للسعرات الحرارية، للأم بعكس الرضاعة الصناعية".

وتضيف العريفي: "يتم اعتماد الرضاعة الطبيعية واحدةً من طرق تنظيم الأسرة والمباعدة بين إنجاب الأطفال، كما أنّها تقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبايض، بحسب الدراسات والأبحاث العلمية".

وتتابع: "أمّا بالنسبة للطفل، فإنّ الرضاعة الطبيعية تعمل على نموه بشكل سليم، لما يحتويه حليب الأم من عناصر غذائية كاملة وكافية لاحتياجات الطفل، خصوصًا خلال الستة الأشهر الأولى، فيما تساهم الرضاعة الصناعية في إكساب الطفل وزنًا زائدًا".

وتشير العريفي إلى أنّ الرضاعة الطبيعية، تقلل من إصابة الطفل بالأمراض، مثل الإسهالات والاضطرابات الهضمية، كما تقلل من معدل إصابته بمرض السكري بنوعيه الأول والثاني، مستقبلًا.

أمهات أقل وعيًا 

يشهد الوعي بأهمية الرضاعة الطبيعية تحوّلًا بين الأجيال في المجتمع اليمني، وفي هذا الصدد، تقول الاختصاصية الاجتماعية الحميدي: "كانت الأمهات من الجيل السابق يدركن جيدًا فوائد حليب الأم في تقوية مناعة الطفل وصحته؛ لما فيه من فيتامينات طبيعية مضمونة، بينما تواجه أمهات الجيل الحالي عقبات عدة، نتيجة قلة الوعي بأهمية حليب الأم في النمو الطبيعي للطفل، مما يؤثر على استعدادهن وقبولهن لإرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية". 

من جانبها، تنوه القاضي إلى أنّ هناك جهلًا كبيرًا لدى الأمهات، حيث تعتقد الغالبية منهن، أنّ الرضاعة الصناعية كافية للطفل، بينما هناك من يرى أنّ الرضاعة الطبيعية خلال الأسبوع الأول أو الستة الأشهر الأولى كافية لاكتساب الطفل المناعة والعناصر الغذائية.

نصائح لازمة للمرضعات

لا يقتصر دور التوعية بأهمية الرضاعة الطبيعية على جهة محدّدة بل هي مسؤولية مجتمعية، وفي هذا السياق، تبرز الدكتورة القاضي نموذجًا لكثير من الطبيبات اليمنيات اللاتي يعملن على نشر الوعي بأهمية الرضاعة الطبيعية بين الأمهات من خلال عملها اليومي في عيادتها، إذ تقدم القاضي التوعية والنصائح اللازمة للأمهات حول فوائد الرضاعة الطبيعية لصحة الطفل والأم، وتعمل على مساعدتهن لتجاوز العقبات التي قد تواجههن في إرضاع أطفالهن.

تقول القاضي: "أعمل على توعية الأمهات بأهمية الرضاعة الطبيعية منذ بداية الحمل، وذلك بتوضيح فوائدها التي قد يغفلن عنها، ومنها أنّ حليب الأم يتجدّد يومًا بعد يوم مع تركيبة المخ عند الطفل، بينما الحليب الصناعي تركيبته ثابتة، بالإضافة إلى إبراز أهمية العلاقة العاطفية التي تحدث أثناء إرضاع الأم لطفلها".

كما تقوم القاضي بشرح طريقة الرضاعة بشكلها الصحيح للأمهات، فالكثير منهن تجد صعوبة في ذلك، وتحتاج وقتًا أطول لتتمرن على ممارسة الرضاعة؛ حدّ تأكيدها.

وعن الجهود والبرامج المحلية الخاصة بتوعية المجتمع بأهمية الرضاعة الطبيعية، يتحدث النظاري عن دور مكتب الصحة العامة بتعز، الذي يعمل على تعزيز قسم المشورة في المراكز الصحية لحماية الرضع والأمهات الحوامل، مؤكدًا أنّ العمل قائم على رفع نسبة زوايا المشورة، بحيث يحتوي كل مرفق صحي خلال السنة القادمة على زاوية مشورة تستهدف هذه الفئات، وتعزز لدى الأمهات أهمية الرضاعة الطبيعية الخالصة خلال الستة الأشهر الأولى.

ويستطرد النظاري: "يعمل مكتب الصحة أيضًا على تعزيز دور عمل متطوعات صحة وتغذية المجتمع، اللاتي يطلق عليهن (الزمام الثاني والثالث) بعيدًا عن المرافق الصحية، لاستهداف الأمهات والأطفال الصغار بهدف التوعية بأهمية الرضاعة الطبيعية والتغذية الجيدة".

وينهي النظاري حديثه بالإشارة إلى أنّ جهودهم في التوعية تتضمن أيضًا تصحيح التصورات الخاطئة لدى بعض النساء حول أن الرضاعة قد تؤثّر على الشكل الجمالي للثدي وتزيد من ترهله.

•••
نورا فهد

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English