ينهض الشاب الأربعيني الكفيف محمد يحيى الريمي، كل صباح ليحمل فوق ظهره علب المناديل الورقية وعلى عاتقه مسؤولية إعالة 10 أفراد؛ والديه المسنين وولديه الصغيرين وأخواته الست. مسؤولية ليست بالبسيطة على رجل يمني في ظروف عادية فكيف برجل كفيف، يصارع الحياة بدون أن ينظر حتى إليها، لأجل أسرته وأولاده.
تلك هي قصة الشاب المكافح محمد الريمي، الذي يبتسم للحياة راضيًا بأقدار الله، يتوجه بسعادة ورضا صباح كل يوم إلى شارع "حدة-المدينة" جنوب العاصمة صنعاء، ليبيع المناديل الورقية أملًا في كسب ما استطاع جمعه من الرزق يعينه ويعين أسرته الكبيرة على توفير ما أمكن من متطلبات الحياة المعيشية اليومية.
يقول محمد لـ"خيوط"، إنه لم يكن كفيفًا، لكن بصره ضعف مع الأيام حتى فقده، حيث لم تسمح لوالديه بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة القيام بمعالجته وإجراء التدخلات الجراحية اللازمة لعينيه والتي كان بحاجة لها في صغره ولم يكن الطب قد تطور في اليمن بعد، وكانوا يقطنون في ريف ريمة، لذا مع مرور الأيام فقد بصره كليًّا.
ويتحدث محمد، الذي لا تفارق الابتسامة شفتيه وملامح وجهه النابض بالحياة والأمل، بلهجته الريفية العفوية، بأن والديه لم يتوانيا في تربيتهم وتعليمهم أساسيات الحياة، لكنهما الآن مسنان ولا يقويان على صعوبات الحياة ليخرج هو، رغم إعاقته ويحاول العمل ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
الإصرار على الحياة رغم الرفض
لم يحصل محمد على فرصة ليكمل تعليمه، لكنه لا يريد لولديه إلا أن يتعلما ويصبحا أفضل منه كما يقول، ليعيناه عند كبره، ويتمنى أن يجد مكانًا يتم قبوله للعمل فيه، حيث لا يعطي له عمله في بيع المناديل الورقية إلا بما يعادل ألف ريال أو أقل في اليوم.
يبلغ عدد المكفوفين في اليمن -بحسب ما هو متوفر من بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتخطيط، نحو 76 ألف كفيف، لا يستفيد من الجمعيات سوى 2000 كفيف فقط، منهم 900 عضو في جمعية الأمانة لرعاية الكفيفات يستفيدون من الخدمات والأنشطة المقدمة والتي تتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم
محمد الريمي مستعد كما يؤكد، أن يبذل كل الجهد في أي مكان حسب استطاعته، لكن الكثير من الأعمال ترفض؛ كونه لم يكمل تعليمه ويعاني من الإعاقة البصرية.
حتى من يتخرجون من التعليم، ولا يجدون وظائف تتناسب وإعاقتهم، يرى مختصون ضرورة تأهيلهم مهنيًّا ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع. كما يعاني من يحصلون على أعمال من عدة إشكاليات، خصوصًا الكفيفات، إذ وضعت أمامهن عراقيل تمثلت في عدم مراعاة إعاقتهن، حيث كلفت بعضهن بالعمل على كمبيوتر لا يتناسب وإعاقتها (كمبيوتر غير ناطق)، وأخرى بالعمل في مجال الأرشفة، وهو ما يصعب على الكفيفة تنفيذه، برغم أن القانون أكد حق المعاق بالحصول على فرصة عمل، وبما يتناسب وإمكانياته.
حال محمد كحال العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة في اليمن، فقر وبطالة وجهل وإعاقة، وربما زاد عليهم
محمد في كونه رب أسرته والقائم عليها.
وتعاني هذه الشريحة من هضم كبير لأبسط حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية، وكذا في الأعمال والتوظيف. إضافة إلى عدد من الإشكاليات التي تواجه المكفوفين كالتنقل غير الآمن، وهو ما يعرض المكفوفين أثناء عبور الشوارع للخطر والحوادث المرورية.
يتحدث المحيطون بالأماكن القريبة من محمد بأنه ذكي جدًّا، ولا يستطيع أحدٌ خداعه فهو يستطيع تمييز العملات فئة ألف ريال عن فئة الخمس مئة ريال، والجميع يحاول التعاون معه وحمايته، فهو بسيط وبشوش ويبهج من حوله ببراءته وطيبته.
الإدماج في المجتمع
يبلغ عدد المكفوفين في اليمن -بحسب ما هو متوفر من بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتخطيط، نحو 76 ألف كفيف، لا يستفيد من الجمعيات سوى 2000 كفيف فقط، منهم 900 عضو في جمعية الأمانة لرعاية الكفيفات يستفيدون من الخدمات والأنشطة المقدمة والتي تتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم، بينما بقية المكفوفين لا يعلم أحد بظروفهم وأحوالهم. ناهيك عن تضاعفهم ربما بمثل ذلك الرقم وأكثر، جراء الأوضاع والحرب التي تعيشها البلاد منذ نحو ستة أعوام.
يتمنى محمد الريمي أن يجد عمل، فهو يرى في نفسه القدرة والطموح والأمل فمن لهذه الشريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة إلا تكاتف مجتمعي، فلا يكاد يخلو بيت من كل عشرة بيوت يمنية إلا وهو يحوي واحدًا أو أكثر منهم، ولو وجد التكافل المجتمعي لأصبح الكثير منهم معيلون ومنتجون بعد أن كانوا عالة على أسرهم وعلى مجتمعاتهم.