تنص القوانين الدولية على الحرية الشخصية وحرية التعبير، بما في ذلك الملابس، فكيف بألوانها؟! لكن صوت القوانين، التي ما هي إلا نتاج المنطق البشري، المتناغم مع التعاليم السماوية، يتم تمويه بعضه بالتقاليد السيئة في اليمن، التي تُدثّر المرأة اليمنية بكثير منها، مثل ظاهرة تفشي ارتداء اللون الأسود بين شريحة كبيرة من نساء المجتمع. فالمرأة من الصفقات الأكثر رواجًا في أجندة تهميش الحقوق الشخصية؛ بسبب ما تم استغلاله بطبيعتها البيولوجية والنفسية في ذاكرة التاريخ، الذي تم وراثته إلى الحاضر الخصب للعادات السيئة، التي يتوجب معالجتها.
يختزل الظلام والعدم
كأي شيء في هذا الوجود، تحمل الألوان دلالتها السلبية والإيجابية، ولكن اللون الأسود تغلب دلالته السلبية على الإيجابية في الفلسفة والتأريخ وعلم النفس، فهو يعني الظلام والموت والعدم والجدلية والصراع، الشر والشيطان، تمييز الخبيث من الجيد، التمرد والعصيان، لون الحداد والاكتئاب؛ كالحزن، الخوف، الغضب، الموت، الوحشة؛ وفي هوية العلَم اليمني يعني الرمز إلى عهد الظلام والحكم الرجعي الاستبدادي؛ وفي بعض الديانات يعني الخطيئة والشيطان، الموت والدمار؛ أما في الدين الإسلامي، الذي يُفترض أن يستمد المجتمعُ اليمني منه التعاليم؛ كونه يدعي بأنه مجتمع مسلم، فالسواد يرمز إلى الكآبة والخطيئة. والمشكلة ليست في ارتداء اللون الأسود في بعض الحالات الخاصة، أو نوعًا من الاختلاف دلالة على التنوع، وتناغمًا مع سنة الحياة الملونة، لكن المشكلة تكمن في تعميم اللون الأسود بين شريحة كبيرة من النساء اليمنيات عندما يخرجن إلى المجتمع، بل وإجبارهن على ارتدائه في حالات عديدة، كما نشاهد كثيرًا في المدن والقرى.
هكذا يعلو صوت الشيطان بجرأته الفارغة حتى تظن المرأة نفسها بأنها هو، وعندما تريد تجاوزه فإنه يزيد قرع طبوله بالضوضاء المجتمعية التي تنتقد وتهاجم الحياة بالألوان في لباس المرأة، بدون أن يعي الذين يهاجمون أحقيتها بارتداء الألوان المختلفة، بأنهم يهاجمون تلون الحياة وتدفقها، حتى يزيدَ الجدب بداخلهم. لذا، فإن الضرورة تقتضي معالجة التعدي على الحقوق الإنسانية لينعم المجتمع بالسلام.
فمشكلة تفشي اللون الأسود بين النساء اليمنيات، إضافة إلى شعور الإجبار الذي يتشكل عند المرأة، سيزيد الجمود لدى شخصيتها، فاللون الأسود يمتص الأكثر من طيف الضوء المرئي، ويؤدي إلى انحسار التدفق بالتعبير عن الحياة بالألوان، التي ما هي إلا انعكاس لبيئتها الداخلية، ويؤثّر ذلك على الجنسين معًا في قلة الإنتاجية وعلى المدى البعيد؛ حيث يمكن أن يكون عاملًا محفزًا للحرب بأوجهها المختلفة، كرفرفة الفراشة التي تؤدي في النهاية إلى إعصار.
التعدي على الحقوق
خطة الشيطان هي واحدة في إحداث الخلل في المجتمعات، كالحرب على الجنس الإنساني الذي كانت وما زالت فيه المرأة الهدفَ الأبرز، وقد تعمق الغزو على المرأة حتى وصل إلى تفاصيل صغيرة؛ فانتشار اللون الأسود بين النساء عند خروجهن إلى المجتمع، يوحي بالتوجه نحو طمس هُوية المرأة؛ بمحاولة إلغاء حقّها في حرية اختيار الألوان، بل وإجبارها على لبس أكثر الألوان التي تدل على الأحداث المُظلِمة.
وربما يرتبط ذلك بالمعتقدات التي يتم تلفيقها على المرأة، وهكذا يجب أن تصبغ المرأة على نفسها لون الحداد الذي يستر خطيئتها الوجودية، وكأنها خلقت نفسها دون تصريح أو كأنها هي الشر الذي تحدَّى الإله وأوجد ذاته؛ ولذلك يجب معاقبتها من كهنة السلطة العليا، لا سيما باللون الأسود، الذي يستمد ضرورة تلازمه مع المرأة بتحريفات دينية، كبعض الأحاديث المكذوبة، التي لم يُذكر وجوبها قطّ في القرآن، بالإضافة إلى تدعيمه بالتقاليد والعادات السيئة، التي تأخذ المجتمعات الأقل وعيًا، حظَّ الأسد منها، لا سيما اليمن.
هكذا يعلو صوت الشيطان بجرأته الفارغة حتى تظن المرأة نفسها بأنها هو، وعندما تريد تجاوزه فإنه يزيد قرع طبوله بالضوضاء المجتمعية التي تنتقد وتهاجم الحياة بالألوان في لباس المرأة، بدون أن يعي الذين يهاجمون أحقية المرأة بارتداء الألوان المختلفة، بأنهم يهاجمون تلون الحياة وتدفقها، حتى يزيدَ الجدب بداخلهم.
الدوران في ذاكرة سوداء
يجب معالجة التعدي على الحقوق الإنسانية لينعم المجتمع بالسلام؛ ولأجل ذلك، الأمر يتطلب الوعيَ الذي يتحقق بالمضي قُدمًا نحو أكثر من اتجاه، مثل التعليم والعمل والفنون والرياضة، للرجل والمرأة على السواء، وسيؤدّي ذلك إلى ولادة ذوات داخلية، أولًا في شخصية المرأة، أكثر إدراكًا لحقوقها، وإن مكث اللون الأسود زمنًا أطول من المفترض تقليصه، وشخصية أكثر اتزانًا وتناغمًا مع قانون النمو الكوني (التدرج)، الذي ينطبق على منظومة المجتمع في تغييره للعادات، وبدون شك، في الوقت ذاته، سيولد الرجل الأكثر ثباتًا واحترامًا للإنسانية.
تنص جميع القوانين الدولية على معاقبة المرأة والرجل على السواء، ولذا فحرية الفرد تنطبق على كليهما، لكن ما في جوف النصوص المقدسة لا يُطبق كثيرًا على المجتمعات، كالمجتمع اليمني الذي لديه ذاكرة سوداء نتاج الحروب، لا سيما الفكرية، التي أقفلت كثيرًا من مداخل التفكير والتواصل، وتجلت بعدة زوايا، مثل عادة اللون الأسود الذي ترتديه المرأة عندما تخرج إلى المجتمع، إذ تتناسب مع الشعور بالعار الذي تم تسويقه باطلًا بارتباطه مع وجودية الأنوثة؛ ولأنّ من سنن الكون التطور والدوران نحو البقاء للأصلح، فلا بُدّ من التعبير عن الحياة التي تسكن النساء بالألوان، كتلك المنقوشة على زيٍّ صَبِريّ من "حق تعز".