اللغة العربية.. عالم زاخر بالتنوع

ثراء وحيوية في اللهجات اليمنية
خيوط
December 18, 2021

اللغة العربية.. عالم زاخر بالتنوع

ثراء وحيوية في اللهجات اليمنية
خيوط
December 18, 2021

يتفق لغويون وأكاديميون على أهمية اللغة العربية والحاجة الماسة إلى إبرازها والسعي ما أمكن في تعلم لغة الآخر، وحين تكون هذه الأخيرة هي مجال اهتمامنا، فإنه لا بد أن يؤسس هذا الاهتمام على فهم اللغة الأمّ والإلمام بها.

تعتبر اللغة العربية ركنًا من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم، إذ يتكلمها يوميًّا ما يزيد عن 400 مليون نسمة من سكان المعمورة.

ويرى الدكتور نجيب الورافي، وهو ناقد وأكاديمي وأستاذ اللغة العربية في جامعة ذمار، أن كل لغة -مهما كانت- تواجه صعوبات جمة، وهي بحاجة إلى البحث المتجرد والتعلم الخلاق الذي يقيل كبواتها ويمنح خطابها البعد المعرفي والقيمي والإنساني، ويفتح أفقها باتجاه التفاعل والتواصل مع لغات الأمم وآدابها. نحن نتعلم اللغة العربية لنجيد التحدث بخطابها كما يجب، ونبحث في نقاط قوتها وضعفها معًا لنجد سبل النهوض المعرفي لعلومها والاتساع في الفهم وفي وجهات النظر حولها، حتى تحقق أهدافها في التقدم والمواكبة.

ويتوزع متحدثو العربية بين المنطقة العربية وعديدٍ من المناطق الأخرى المجاورة، كالأهوازية، تركيا وتشاد ومالي والسنغال وإريتريا، حيث إن للعربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعضٍ من كلماتها. كما أن العربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية، حيث كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.

التواصل الحضاري

موضوعُ اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام (2021)، هو "اللغة العربية والتواصل الحضاري"، ويُعتبر بمثابة نداء للتأكيد مجدّدًا على الدور المهمّ الذي تؤدّيه اللغة العربية في مدّ جسور الوصال بين الناس على صهوة الثقافة والعلم والأدب وغيرها من المجالات الكثيرة جدًّا.

تتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات واللهجات، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب.

وتتمثّل الغاية من هذا الموضوع في إبراز الدور التاريخي الذي تضطلع به اللغة العربية كأداة لاستحداث المعارف وتناقلها، فضلًا عن كونها وسيلة للارتقاء بالحوار وإرساء أسس السلام. وكانت اللغة العربية على مرّ القرون الركيزة المشتركة وحلقة الوصل التي تجسّد ثراء الوجود الإنساني وتتيح الانتفاع بالعديد من الموارد. ويكتسي موضوع عام 2021، أهميّة بالغة في كنف المجتمعات التي تتعاظم فيها العولمة والرقمنة والتعددية اللغوية، إذ يُسلّم بالطبيعة المتغيّرة للعالم والحاجة الماسة لتعزيز الحوار بين الأمم والشعوب.

آيات جمالية غاية في الإبداع

في اليمن، يضفي تعدد اللهجات، التي تصل إلى مستوى كل منطقة وعزلة، طابعًا جماليًّا غاية في الإبداع، على تنوع وثراء وحيوية اللغة العربية، وما تمثله من أهمية في التعايش والتواصل الثقافي والاجتماعي والمعرفي.

في هذا الصدد، هناك من يسبر أغوار اللغة العربية من ناحية تقعيد وقومسة الملفوظات الشعبية، والبحث عن مصادر كلماتها ونظائرها في المعاجم والقواميس العربية، وغير العربية، إذ تدخل في السياق الدرسي للمدونات الشفهية للتراث اللامادي، ودراسات البنى الثقافية ومنظوماتها التفاعلية في المجتمعات المحلية ذات الخصوصيات المتفردة، لتشكل في نهاية المطاف إضافة للتنوع الثقافي في أوطان وجغرافيات متعددة الأعراق والمعتقدات.

ألهم المؤرخ والشاعر مطهر الإرياني كتابًا وأدباءً في الإبحار في مكنونات اللغة العربية من ناحية اللهجات الشعبية المتعددة والزاخرة في اليمن، مسترشدين بمعجمه المسمى "المعجم اليمني في اللغة والتراث"، الذي صدر حتى الآن بطبعتين؛ والذي يعتبره كثيرون إضافة نوعية؛ لكونه مساهمة أصيلة في عملية إعادة النظر بالتراث اليمني الفني وإعادة ربطه بالتراث العربي.

هذا المعجم يعد مرجعًا لا غنى عنه. وقد أورد المؤلف تسلسل الكلمات بحسب أوائل حروفها وبحسب الترتيب العربي لحروف الهجاء. حيث استهدف إثبات ما في اللهجة اليمنية من أصالة وعراقة عن طريق ما تحويه من مفردات لم توردها القواميس ولا اهتمّ بها اللغويون لسبب ما.

كما قام المؤرخ مطهر الإرياني في هذا المعجم الثري، بإبراز الدلالات الخاصة لبعض المفردات العربية في اللهجة اليمنية، وهي دلالات لا توجد في القواميس، ولها خصوصية دلالة لا خصوصية صيغة. وقد تم تدوين المفردات في هذا المعجم على أساس جذرها الثلاثي المجرد من الزيادات.

وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات واللهجات، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة، تضم على سبيل المثال لا الحصر، الهندسة والشعر والفلسفة والغناء.

وسادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية، وبعض اللغات الأفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحلية، وبعض اللغات الأوروبية، وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.

يشير الدكتور نجيب الورافي إلى اللغة العربية وكيف أصبحت لغة رقمية محوسبة، وهو ما يعني قابليتها الذاتية المرنة -كأي لغة- لاستيعاب متغيرات العصر ومواكبة قفزاته الهائلة في مجال التقنية والذكاء الاصطناعي، ومن ثم أصبح من اللازم توسيع مجال البحث العلمي في اللغة وآدابها في هذا الاتجاه، وربط مخرجاته بحقول معرفية أخرى كعلم النفس المعرفي والحاسوب والبرمجة الإلكترونية.

وفضلًا عن ذلك، مثلت حافزًا إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.

لغة عالمية رسمية

في إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي -عُرفت سابقًا باسم إدارة شؤون الإعلام- قرارًا عشية الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم بالاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. وبناء عليه، تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 كانون الأول/ ديسمبر، كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة 3190 (د-28) المؤرخ بـ18 كانون الأول/ ديسمبر 1973، المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.

والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.

وفي سنة 2011، صنفت بلومبيرغ بيزنس ويك اللغة العربية في المرتبة الرابعة من حيث اللغات الأكثر فائدة في الأعمال التجارية على مستوى العالم. "وفي 2013، نشر المجلس الثقافي البريطاني تقريرًا مفصلًا عن اللغات الأكثر طلبًا في المملكة المتحدة تحت عنوان "لغات المستقبل"، وتبين أن العربية تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم، وفي 2017 احتلت المرتبة الرابعة. فيما يخص اللغات الأكثر جنيًا للأرباح في بريطانيا تأتي العربية في المرتبة الثانية، وفقًا للمنظمة.

وتعتبر اللغة العربية من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية؛ فعلى سبيل المثال يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر، أكثر من 80 ألف مادة، بينما في اللغة الإنجليزية فإن قاموس صموئيل جونسون -وهو من أوائل من وضع قاموسًا إنجليزيًّا من القرن الثامن عشر- يحتوي على 42 ألف كلمة.

تحتوي اللغة العربية 28 حرفًا مكتوبًا. ويرى بعضُ اللغويين أنه يجب إضافة حرف الهمزة إلى حروف العربية، ليصبحَ عدد الحروف 29. تُكتب العربية من اليمين إلى اليسار -ومثلها اللغة الفارسية والعبرية على عكس كثير من اللغات العالمية- ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها.

ما لا يقل عن 43% من اللغات المحكية حاليًّا في العالم والبالغ عددها 6000 لغة معرضة للاندثار؛ أما اللغات التي تعطى لها بالفعل أهمية في نظام التعليم والملك العام، فلا يزيد عددها عن بضع مئات، ويقل المستخدم منها في العالم الرقمي عن مئة لغة.

أدوات التنوع

تحظى اللغات بثقل استراتيجي مهمّ في حياة البشر والكوكب، بوصفها من المقومات الجوهرية اللهوية وركيزة أساسية في الاتصال والاندماج الاجتماعي والتعليم والتنمية. مع ذلك، فهي تتعرض جراء العولمة إلى تهديد متزايد أو إلى الاندثار كليًّا. وحين تضمحل اللغات يخبو كذلك ألق التنوع الثقافي وتبهت ألوانه الزاهية. ويؤدي ذلك أيضًا إلى ضياع الفرص والتقاليد والذاكرة والأنماط الفريدة في التفكير والتعبير، أي الموارد الثمينة لتأمين مستقبل أفضل.

كما تعد اللغات الأدوات الأقوى التي تحفظ وتطور تراثنا الملموس وغير الملموس. لن تساعد فقط كافة التحركات الرامية إلى تعزيز نشر الألسن الأمّ على تشجيع التعدد اللغوي وثقافة تعدد اللغات، وإنما ستشجع أيضًا على تطوير وعي أكمل للتقاليد اللغوية والثقافية في كافة أنحاء العالم، كما ستلهم إلى تحقيق التضامن المبني على التفاهم والتسامح والحوار.

وما لا يقل عن 43% من اللغات المحكية حاليًّا في العالم، والبالغ عددها 6000 لغة، معرضة للاندثار. أما اللغات التي تعطى لها بالفعل أهمية في نظام التعليم والملك العام فلا يزيد عددها عن بضع مئات، ويقل المستخدم منها في العالم الرقمي عن مئة لغة.

ومن المعلوم أن قضايا التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات وتعزيز التعليم للجميع وتنمية مجتمعات المعرفة تمثل محاور مركزية في عمل اليونسكو، ولكن يستحيل السير قدمًا في هذه المجالات بدون توفير التزام واسع ودولي بتعزيز التعدد اللغوي والتنوع اللغوي، بما في ذلك صون اللغات المهددة.

أُعلن الاحتفال باليوم الدولي للغة الأمّ في مشروع القرار (30 C/DR.35) المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1999.

وفي يناير/ كانون الأول 2006، وضعت اليونسكو هيئة للرصد الاستراتيجي (فرقة العمل المعنية باللغات والتعدد اللغوي، التي يرأسها المدير التنفيذي وهيكل رصد تنفيذي (شبكة نقاط الاتصال للغات) لضمان التآزر بين جميع القطاعات والخدمات المعنية باللغات. وتعمل المنظمة، من خلال ذلك التركيب المصمم جيدًا، الذي عززه ونشطه -منذ فبراير/ شباط 2008- إيجادُ منهاج مشترك بين القطاعات المعنية باللغات والتعدد اللغوي، على الصعيد العالمي لتعزيز المبادئ المكرسة أو المستمدة من الأدوات المحددة للمعايير المتصلة باللغات والتعدد اللغوي، كما تعمل على الصعيد المحلي لتطوير سياسات لغوية وطنية وإقليمية منسجمة، وفقًا لاستراتيجيتها متوسطة الأجل.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English