في أواخر العام 2007، كان الحاخام يسرائيل مئير غباي، رئيس مؤسسة أوهالي صادكيم التي تعمل على الحفاظ على المقابر اليهودية في جميع أنحاء العالم، يضع شاهد قبر جديد على قبر "سالم الشبزي"، الحاخام والشاعر اليمني الذي يقع قبره وقبته البيضاء المعروفة باسم "قبة الشبزي" إلى الشرق من قلعة القاهرة بمدينة تعز اليمنية.
لاحقًا كشفت مواقع عبرية عن تفاصيل تلك الزيارة إلى اليمن، قالت إن "يسرائيل غباي" استخدم جواز سفر أجنبيّ لدخول البلاد، وأنّه أثار شكوك السلطات اليمنية؛ نظرًا لأنّ الإسرائيليين غير مسموح لهم بزيارة اليمن، لكنه تمكّن بطريقةٍ ما من دخول الأراضي اليمنية، وتحمّل رحلة صعبة للغاية، فضلًا عن الخطورة، ليصل إلى تعز، حيث قبر "شبازي" الذي وصفه "غباي" بأنه يحظى بالاحترام من اليهود والمسلمين على حدٍّ سواء.
في نهاية المطاف، وعند وصول الحاخام غباي إلى القبر، اشترى الأسمنت وأعاد ترميم الضريح ووضع عليه لافتة كتب عليها، "هنا يرقد رجل الله، نور يهود اليمن، أبا شالوم شابازي".
صانع معجزات
يعتبر الموري سالم الشبزي -أو كما يطلق عليه يهود الأشكِناز: "شالوم شبازي"- من أكثر الشخصيات إثارة للإعجاب والاحترام والتقدير بين اليمنيين، وغالبًا ما يطلق يهود اليمن على قادتهم الروحيين "موري"، وتعني: "سيدي" أو "أستاذي" بدلًا عن "حاخام".
عُرف الشبزي واحدًا من أبرز رجال الدين اليهود في اليمن، كما عدّه النقّاد والباحثون واحدًا من مؤسسي مدرسة الشعر الحميني، فهو الحبر والحاخام والشاعر والمؤرخ سالم بن يوسف الشبزي المولود في قرية "نجد الوليد" بشرعب السلام، بالقرب من مدينة تعز في العام 1619. عمل في بداية حياته خياطًا في تعز، التي قضى فيها معظم حياته حتى وفاته عام 1720، ورغم أنّ الكثير من سيرة حياته غير معروف، فإنّ كثيرًا من الحكايات والأساطير نُسجت عن كراماته بصفته واحدًا من الأولياء، حيث اعتُبر صانع معجزات وهو على قيد الحياة، وأصبح قبره بعد وفاته مزارًا لأولئك الذين يريدون الشفاء من الأمراض أو نيل البركة الروحية.
تولى مهمة إقناع الإمام بالعفو عن اليهود وإعادتهم إلى صنعاء، وقد أثمرت وساطة الشبزي عن العفو عن اليهود، وضمان عودة آمنة لهم إلى صنعاء، حيث عاشوا في حيهم الجديد (القاع) الذي تم إنشاؤه لهم، بعد مصادرة بيوتهم.
اضطهاد ونفي
كان اليهود في اليمن خلال القرن السابع عشر، يعانون أوضاعًا صعبة للغاية، تعرضوا خلالها للاضطهاد، حيث كانوا هدفًا للأئمة، تنكل بهم وتعتقلهم وتصادر أموالهم وممتلكاتهم، وما بين عامي 1679 و1680، تعرض اليهود لأبشع صنوف الاضطهاد الطائفي في اليمن؛ إذ تم نفي وتهجير أغلب اليهود من صنعاء ومن بعض المدن والقرى اليمنية بأمر من الإمام المهدي أحمد بن الحسين بن القاسم إلى منطقة موزع بالقرب من مدينة المخا، وظلّوا منفيين هناك ما يقارب العامين.
ولِمَا كان يحظى به الشبزي من مكانة دينية وأدبية واجتماعية في عصره، فقد تولى مهمة إقناع الإمام بالعفو عن اليهود وإعادتهم الى صنعاء، وقد أثمرت وساطة الشبزي عن العفو عن اليهود وضمان عودة آمنة لهم إلى صنعاء، حيث عاشوا في حيهم الجديد (القاع) الذي تم إنشاؤه لهم، بعد مصادرة بيوتهم في مدينة صنعاء القديمة.
الحاخام شاعرًا
لم يكن الشبزي رجل دين وحاخامًا مشهورًا فحسب، بل كان أيضًا شاعرًا بارعًا للغاية. كتب عددًا لا يحصى من القصائد ذات الدلالات العميقة والمعاني البديعة خلال حياته، فصار شعره جزءًا أساسيًّا من الحياة الروحية والثقافية ليهود اليمن.
كتب الشبزي الشعر باللغتين العبرية والعربية (بحروف عبرية)، وكان حظ الثانية أوفر من سابقتها، وألّف كتاب "الديوان" الذي احتوى على 550 قصيدة، فصّل فيها عادات وتقاليد وأعراف وسلوكيات المجتمع اليمني، ونُشِر هذا الديوان الفريد لأول مرة عام 1977، من قبل معهد بن زيفي، وتشمل كتابات الشبزي الأخرى أطروحة عن علم التنجيم وتعليقات على التوراة بعنوان "حمدت يميم" أو بهجة الأيام -طبعة ر. هاليفي (1998)- تضم أكثر من 200 قصيدة طقسية منسوبة إلى الشبزي، مكتوب معظمها بالعربية بأحرف عبرية، وقد أعادت "مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر" في القاهرة، بالتعاون مع "بيت الموروث الشعبي" في صنعاء، في العام 2021، طباعةَ مخطوطة لهذا الكتاب، صدرت بعنوان "ديوان شعر يهود اليمن"، في جزأين ونحو 600 صفحة، نقله عن الأبجدية العبرية وقدّم له: عبدالكريم المذحجي، واشتمل على دليل من 75 صفحة للكلمات والعبارات الدارجة وأسماء الأشخاص والأماكن.
لم يكن الشبزي رجل دين وحاخامًا مشهورًا فحسب، بل كان أيضًا شاعرًا بارعًا للغاية. كتب عددًا لا يحصى من القصائد ذات الدلالات العميقة والمعاني البديعة خلال حياته، فصار شعره جزءًا أساسيًّا من الحياة الروحية والثقافية ليهود اليمن.
قصيدة عبرية
تعتبر قصيدة "إم ننعلو" (إذا أغلقت) إحدى قصائد الشبزي العبرية الأكثر شهرة والتي لحّنها وغنّاها عددٌ من المغنّين اليهود اليمنيين، من بينهم: عوفرا هزاع، ونيسيم جارامي، وغيرهما. ينص مقطعها الأول ببساطة على أنّ الأغنياء لو أغلقوا أبوابهم فإنّ أبواب الله تظل مفتوحة ولا تغلق أبدًا.
لو أغلقت أبواب الأغنياء
أبواب السماء أبدًا لا تغلق
الحي العلي فوق الملائكة
جميعهم بروحه يعلون
يسبحون باسمه ويقدسون
ومن حسن كرامته يلبسون
وبستة أجنحة حوله
يطيرون ويحلقون
قصائد حمينية
وتتطرق قصائد الشبزي الحمينية التي تضمنها كتاب "الديوان" الصادر في إسرائيل، إلى الموضوعات ذاتها التي يطرقها عادة الشعر الحميني، ويغلب على معظمها النفَس الصوفي واللغة الحاخامية، كالتغزل بالحبيب أو الطبيعة أو المناجاة الروحية أو قصائد المناسبات الاجتماعية.
شابدع بك ادعيك يا الرحمن
يا مرتجى يا عظيم الشان
سلي على قلبي التعبان
أشكي عليك من قلبي المظلوم
* *
شجاني بارق القبلة
مع أول صباح
ونبهني من الغفلة
وأفناني طراح
ونلنا العز والحفلة
مع من استراح
تجلت الهموم عني
بأفكاري وسرّ ظني
وحيا من ينادمني
بعلمه كالمزاح
* *
يا ساقي الروح المعتق
ذي يبري الضيق والحراوق
هات اسقني بالكاس الأزرق
يجلي همومي والقلاوق
هات اسقنا صافي القناني
نسمر معك يا فاتني
* *
حُبيبي حبّيتني وقّفيت
خليتني مثل الحجر قفا البيت
مسافرين تبلغوا سلامي
على الذي حرّم عليّ منامي
سمّعتني صوتك يا ذا المغني
صوتك قريب وانته بعيد عني
* *
رفات الحاخام
ومنذ سنوات، تسعى منظمات وجمعيات إسرائيلية الى نقل رفات الشبزي من اليمن إلى إسرائيل، وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت في العام 2008، النقاب عن بذل جهود جبارة لنقل رفات الشبزي إلى إسرائيل، والجدير بالذكر أنه يوجد شارع صغير في حي ناحلوت في مدينة القدس أطلق عليه اسم "شالوم شبازي".