"القمندان " المتعدد

مبادرات عديدة تستلهم تراثه الأدبي والفني
فؤاد مسعد
September 6, 2024

"القمندان " المتعدد

مبادرات عديدة تستلهم تراثه الأدبي والفني
فؤاد مسعد
September 6, 2024
.

مجمل الصفات التي لازمت الأمير أحمد فضل العبدلي المعروف بـ"القمندان" (1881- 1943)، شاعرًا وملحنًا ومؤرخًا وقائدًا عسكريًّا، لا تزال تقدمه باعتباره حالة استثنائية في تاريخ اليمن المعاصر، وإن كانت شهرته المتصلة تختزله في كونه واحدًا من أبرز شعراء العامية في اليمن، وتحظى أشعاره بشعبية واسعة، خاصة في مسقط رأسه لحج، وبقية المحافظات.

وعلى الرغم من شهرته شاعرًا وملحنًا ومؤسسًا للغناء اللحجي المعاصر، فقد كان عسكريًّا بارزًا، تسلّم قيادة الجيش النظامي للسلطنة العبدلية، وهو في العشرين من عمره، عندما نصّبه عمه السلطان أحمد فضل محسن، وخلال هذه الفترة اشتهر بلقب (القمندان)، وهو تحريف لـكلمة كوماندر الإنجليزية (Commander)، ومعناها قائد عسكري. علاوة على أنه يعد رائدًا من رواد الإصلاح الزراعي، كما أنه مؤرخ وكاتب وفقيه وناقد، وله إسهام مشهود في النهضة الثقافية والفكرية والأدبية التي عرفتها عدن في النصف الأول من القرن العشرين، حيث شارك في تأسيس نادي الأدب العربي بعدن سنة 1925، وإنشاء العديد من المدارس والمنتديات الأدبية والثقافية.

لَحْج بطنٌ من بطون حِمْير، وقد كانت أحد مخاليف اليمن القديمة، وتنتشر قرى لحج في وادي تبن، ومن أهم قراها: الوهط، والمحلة، والمجحفة، وصبر، وبيت عياض، والهذابي أو (الزيادي).

حاضنة الأدب والإبداع

ينتمي القمندان إلى أسرة "العبدلي" التي حكمت سلطنة لحج مدة تزيد على مئتي سنة، وتضم عدن ولحج، بدأت السلطنة العبدلية تحكم منذ بداية القرن الثامن عشر عندما أعلنت انفصال لحج وعدن عن دولة الأئمة القاسميين، التي كان على رأسها في ذلك الوقت الإمام الحسين بن القاسم الملقب بـ"المنصور"، ووقّعت السلطنة العبدلية اتفاقية حماية مع الإمبراطورية منتصف القرن التاسع عشر، لتصبح ضمن "محمية عدن". واستمر هذا التحالف حتى قامت ثورة الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 1963، التي أجبرت الإنجليز على إنهاء احتلالهم، وتم إعلان استقلال جنوب اليمن أواخر العام 1967، وتم إنهاء جميع السلطنات والإمارات والمشيخات التي كانت قائمة ليصير اسم الدولة الوليدة التي قامت على أنقاض هذه الإمارات والسلطنات: جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، قبل أن يتغير اسمها بعد نحو عامين، ليصبح "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية".

أما لحج فهي بطنٌ من بطون حِمْير، وقد كانت أحد مخاليف اليمن القديمة، وتنتشر قرى لحج في وادي تبن، ومن أهم قراها: الوهط، والمحلة، والمجحفة، وصبر، وبيت عياض، والهذابي أو (الزيادي).

وقد عُرفت بارتباطها بالفن والأدب والثقافة والإبداع في جوانب عدة تميزت بها لحج، وبات لِلَحج في كثيرٍ منها لونٌ خاص؛ فهناك غناء لحجي، ورقص لحجي، وتراث لحجي، وأزياء لحجية أيضًا. 

في لحج التقى الإنسان بالأرض، فأنتجا الخير والجمال؛ خير الأرض بخصوبة تربتها ووفرة مائها، وإبداع الإنسان البسيط في مظهره لكنه الغني بنقاء جوهره، حيث يبدو اللحجي معطاء كأرضه، بشوشًا مثل أزهارها، طروبًا كأنه عصفور في رياضها.

يدرك أيُّ مهتم بالتراث اللحجي المكانةَ التي يمثّلها القمندان والدور الذي قام به، ومن هنا يأتي الاحتفاء بما قدّمه تعبيرًا عن وعي وإدراك، ونفض الغبار الذي تراكم فوق هذا التراث.

مبادرات لاستعادة المكانة

وقد أدّت ظروف وعوامل مختلفة إلى انحسار الحضور اللحجي في الجوانب الثقافية والإبداعية التي عُرفت بها في فترة زمنية سابقة، ومنها الغناء اللحجي، وهو ما دفع بعض أبنائها لإطلاق مبادرات وأنشطة وفعاليات تهدف لإعادة إحياء الثقافة والفنون بلونها اللحجي، بالتركيز على الأعلام والشخصيات التي كان لها دورٌ كبير في تجذير فنون لحج وتطويرها، من شعراء ومثقفين وفنانين وأدباء وملحنين، وفي المقدمة يأتي القمندان صاحب الدور البارز في ترسيخ اللون اللحجي خلال النصف الأول من القرن العشرين؛ ذلك أنه برز في الشعر الغنائي، واشتمل شعره على جوانب ومجالات وأغراض عدة، وتجلّى دور القمندان في محافظته على التراث الغنائي اللحجي، والعمل على تحديثه وتطويره لمواكبة العصر ومواجهة الفنون الغنائية التي كان لها حضور فاعل في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وفي طليعتها الغناء المصري والغناء الهندي الذي شاع في مدينة عدن وامتد تأثيره إلى لحج.

ويدرك أيُّ مهتم بالتراث اللحجي المكانة التي يمثّلها القمندان والدور الذي قام به، ومن هنا يأتي الاحتفاء بما قدّمه تعبيرًا عن وعي وإدراك، ويعدّ ذلك جزءًا من إعادة إحياء التراث اللحجي، ونفض الغبار الذي تراكم فوق هذا التراث سنوات طويلة من الزمن، ولقد كان القمندان وآثاره محورَ كثيرٍ من محاولات الإحياء، ومنها جهود ومحاولات مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة، منها: "مهرجان القمندان" الذي نظّمه بمدينة الحوطة أواخر العام 1988، اتحادُ الأدباء والكتّاب اليمنيين، بعد ما يقارب 45 سنة على وفاته، وصدرت وثائقه بكتاب من إعداد الصحَفية سلوى صنعاني.

وفي الآونة الأخيرة دأبت محاولات إحياء التراث اللحجي على الاهتمام بالقمندان ودوره ومآثره، وبرزت مبادرات ومنتديات وفعاليات ومؤسسات حملت على كاهلها مهمة تسليط الضوء على حضور لحج في التاريخ الحديث والمعاصر، ذلك الحضور الذي تجلى في تشكّل ألوان لحجية متميزة في الغناء والشعر والرقص، بما حملت هذه الألوان من تنوع وثراء، وما حفلت به من حيوية تعبر عن رؤية واعية للفن والحياة.

تُعنى مؤسسة سطور -منظمة غير حكومية- بالشؤون الثقافية، وتسعى لإحياء التراث الفني والفولكلور الشعبي، ويديرها كوكبة من شباب لحج الناشطين في مجالات الثقافة والأدب والإبداع.

سطور متعددة للإضاءة 

بَيْد أنّ جهود إعادة إحياء تراث لحج وفنونها لم تقتصر على الفعاليات والملتقيات ذات الأداء والمشاركة الجماعية، فثمة جهود حملت الطابع الشخصي، منها مدونة الأديب والأكاديمي اللحجي الدكتور/ جمال السيد، وهي مدونة موجودة على الإنترنت، باسم (وادي المعرفة)، وتُعدّ واحة غناء وارفة الظلال، تضمّنت الكثير من روائع الغناء والطرب اللحجي الأصيل.

وفي هذا السياق، أقامت مؤسسة سطور الثقافية، أواخر الشهر الماضي، ندوة فنية بعنوان "الأغنية اللحجية بين الحضور والغياب"، بالتزامن مع فعاليات "يوم الأغنية اليمنية"، الذي يوافق بداية شهر يوليو/ تموز.

وقُدّمت في الندوة التي احتضنتها حوطة لحج، ورقةٌ للباحث في الفنّ الغنائي غاطس بامسلم، تناولت تاريخ الأغنية اليمنية ومراحل تطورها، والغناء اللحجي بشكل خاص ودوره في تشكيل الهوية اللحجية. وتطرق الباحث إلى بدايات الأغنية اليمنية التي ترجع إلى ممالك قديمة في شبه الجزيرة العربية، مشيرًا إلى مكانة لحج في أيّ حديث عن الفن، وخصوصية الغناء اللحجي، ودور جيل الروّاد خلال العصر الذهبي للأغنية اللحجية، في عهد السلطنة العبدلية.

وفي الورقة الثانية قدّم الباحث والأكاديمي هشام محسن السقاف– أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عدن، إحاطة حول الدور المحوري الذي قام به الشاعر والملحن "القمندان"، المصنف عرّاب الأغنية اللحجية ومجدّدها، وأحد كبار أساطين الأغنية اليمنية في وقت لاحق، مشيرًا إلى أن العصر الذهبي للأغنية اللحجية ارتكز على جوانب عدة؛ أهمّها الوضعُ الاقتصادي المزدهر للسلطنة العبدلية، واهتمام رجال الدولة حينها بالجانب الفني واحتضان المواهب الشابة وتقديمها للساحة الفنية.

أما الورقة الثالثة والأخيرة فقدّمتها الأديبة شيماء باسيد- وهي ضمن مجموعة من الشباب المهتمين بالجوانب الثقافية والإبداعية، وتتركز جهودهم على إعادة إحياء الفن والتراث اللحجي، واشتملت الورقة على لمحة عن حياة الفنان سعودي أحمد صالح في ذكرى تأبينه الأولى وإسهاماته في الأغنية اللحجية.

وتُعنى مؤسسة سطور -منظمة غير حكومية- بالشؤون الثقافية، وتسعى لإحياء التراث الفني والفولكلور الشعبي بمحافظة لحج، ويديرها كوكبة من شباب لحج الناشطين في مجالات الثقافة والأدب والإبداع.

وتضم لحج مؤسسات وفعاليات عدة، تؤكد حضور لحج وأبنائها في المشهد الثقافي والإبداعي، وإمكانية استئناف اللون اللحجي تصدُّرَهُ وريادتَه؛ كما كان في عصره الذهبي قبل عقود من الزمن.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English