تأسست في العام 2002، تكريمًا للشاعر اليمني الراحل عبدالله البردّوني، منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، ما تزال تؤدي دورها في تمهيد طريق الغد لفاقدي البصر؛ تلك هي مدرسة الأديب البردّوني للمكفوفين بذمار.
في الجزء الشمالي من مدرسة الميثاق للبنات بمدينة ذمار، تقع مدرسة الأديب البردّوني للمكفوفين بعد أن استُقطِع منها مبنى وجزءٌ من الساحة، لتنتقل إليها مدرسة الأديب البردّوني في العام 2018، بعد سنوات التنقل في مبانٍ كان يتم استئجارها، ويتكفل بها صندوق رعاية المعاقين.
ليكون حصول المدرسة على مبنى خاص وحكومي "إنجازًا لا يضاهيه إنجاز آخر"؛ كما تؤكد ستر الشوكاني، وهي شابة كفيفة تدرجت في العمل بالمدرسة من متطوعة إلى معلمة، وحاليًّا مديرة للمدرسة، غير أنّ الدعم الذي يصل المدرسة من الجهات الرسمية –صندوق المعاقين- شحيح، وبالكاد يسيّر شؤون التعليم فقط في المدرسة.
يدرس في المدرسة أكثر من 100 طالب وطالبة من فئتي: "المكفوفين" و"ضعاف البصر"، ينخرطون في فصول المدرسة حتى الصف الثامن (الثاني الإعدادي)، ويُطلق على هذه الرحلة –وفق الشوكاني– مرحلة التهيئة قبل الدمج، ثم ينتقل الطالب أو الطالبة إلى المدارس العادية، وتسمى هذه المرحلة بمرحلة "الدمج".
الصعوبة داخل الفصل هي الفروق الفردية بين الطلاب، وتحتاج إلى تركيز واهتمام من المعلم، لأن الطلاب مستوياتهم متفاوتة بين جيد ومتوسط وضعيف؛ لذا من الأهمية أن تصل الجميع المعلومةُ بشكل متساوٍ، وأن نعمل بشكل جيد داخل الفصل، خاصة أن التعليم يكون عبر حاستي "اللمس والسمع" فقط.
وتوضح مديرة المدرسة لـ"خيوط"، أن هذه العملية خطوة مهمة لدمج الطالب مع أقرانه من الطلاب في المدارس العادية، ضمن خطوات دمج الكفيف بشكل أوسع مع المحيط المجتمعي.
تملك ستر محمد الشوكاني، تجربة استثنائية في المسار التعليمي والأكاديمي، عندما حصلت عام 2022، على درجة الماجستير في تخصص (علم النفس)، وهي أول كفيفة تحصل على هذه الدرجة العلمية من جامعة ذمار.
كانت تتلمس ستر الشوكاني بعضَ الكتب التي كُتبت بطريقة "برايل"، المخصصة لطلاب وطالبات المدرسة من المكفوفين، وهي تتحدث إلى "خيوط" عن تجربة المدرسة، وكيف استطاعت أن تخلق واقعًا جيدًا للمكفوفين في ذمار، وساهمت في تعليم الآلاف منهم منذ إنشائها، ودفعت بهم ليكونوا فئةً فاعلة في المجتمع.
التهيئة لمرحلة الدمج
يوجد في مدرسة الأديب البردّوني للمكفوفين، أكثر من 30 معلمًا ومعلمة، جزءٌ كبير منهم مكفوفون، والجزء الآخر من المبصرين، بسبب احتياج الطلاب والطالبات إلى تعلم المنهج الدراسي بطريقة "برايل"، وكذلك بالطريقة العادية.
تقول الشوكاني إنّ في كلِّ فصلٍ دراسيّ هناك معلمون، مكفوفون لتعليم المكفوفين، وآخرون مبصرون لتعليم ضعاف البصر؛ وذلك لوجود فروق فردية بين الطلاب، وضرورة أن يتم تهيئة الطالب لمرحلة الدمج.
في تقدير الشوكاني، أنّ شحة الدعم الرسمي والمخصص فقط لمسار التعليم، غير كافٍ، لأهمية أن ترتبط العملية التعليمية بأنشطة وبرامج ومستلزمات ضرورية يحتاجها الكفيف، لتنمية قدراته وتوسعة مداركه. وتابعت حديثها، بالقول: "ذهبنا إلى تجار ورجال أعمال ومؤسسات تجارية في محاولة لتوفير دعم لبرامج المدرسة، لكن لم نجد أي تفاعل"، قالت عبارتها تلك بحسرة.
تفاوت وفروق فردية
تلخص غرام محمد الشوكاني وهي كفيفة تعمل معلمة لغة إنجليزية في المدرسة، الصعوبات التي يواجهها المعلم الكفيف بـ"الفروق الفردية بين الطلاب، وعدم الاهتمام الكافي بهذه الشريحة".
موضحة أنّ الصعوبة داخل الفصل هي الفروق الفردية بين الطلاب، حيث تحتاج إلى تركيز واهتمام من المعلم، لأن الطلاب مستوياتهم متفاوتة بين جيد ومتوسط وضعيف؛ لذا من الأهمية أن تصل الجميعَ المعلومةُ بشكل متساوٍ، وأن نعمل بشكل جيد داخل الفصل، خاصة أن التعليم يكون عبر حاستي "اللمس والسمع" فقط.
غرام الشوكاني حصلت على شهادة البكالوريوس من جامعة ذمار، وتعمل منذ عامين في المدرسة، تشير خلال حديثها، إلى ضرورة بذل جهدٍ مضاعف في العملية التعليمية للمكفوفين؛ لأنّها "الضامن الوحيد لخروجهم إلى العالم".
نسخ متعددة للقرآن
تمتلك المدرسة مكتبة يوجد بها المئات من الكتب التي كُتبت بطريقة "برايل"، منها نسخ متعددة من القرآن الكريم، وكل نسخة من النسخ الموجودة بها اختلافات متعددة ومميزات كثيرة.
تفسر سارة الفطيم، وهي معلمة في المدرسة، ذلك الاختلاف لـ"خيوط"، بالقول: "هناك عدة نسخ من القرآن الكريم كُتبت بطريقة برايل، مصرية وكويتية وسعودية ويمنية وغيرها، وكل نسخة تتميز عن غيرها، مثلًا: النسخ الكويتية والسعودية يأتي الحرف وبعده حركة، أما النسخ اليمنية، فالسطر الأول حركات والسطر الثاني النصوص (الآيات)".
جمعية المكفوفين
تأسّست جمعية المكفوفين عام 2000، وهي أول كيان مؤسسي يهتم برعاية شريحة المكفوفين بمحافظة ذمار، حيث ساهمت -كما يؤكّد القائمون عليها- في رعاية وتأهيل المكفوفين، وتوجيه الجهد الرسمي والمجتمعي نحو الالتفات إلى المشكلات والهموم التي يشكو منها الكفيف.
ويوضح مسؤول العلاقات العامة بالجمعية، أحمد حسين المصقري، لـ"خيوط"، أنّ الجمعية تأسّست من المكفوفين من أصحاب المواهب الكبيرة والمتعددة؛ منهم حفظة القرآن الكريم، ومنهم الشعراء، ومنهم المبدعون في شتى المجالات، وينقصهم الاهتمام والرعاية ليَظهَر إبداعهم.
بوجه باسمٍ وعيونٍ منطفئة، يسير محمد جهلان بخطوات ثابتة في طريق التميز، ليكون نموذجًا للإبداع رغم إعاقته البصرية. تعلم العزف قبل ثلاث سنوات على يد عازفين من ذمار، مدة أسبوع واحد، استطاع خلاله أن يتعرف على "آلة الأورج" ويفكك أسرارها. محمد دليلٌ حيّ على قدرة الكفيف على تجاوز التحديات وتحقيق الأحلام.
لكن المصقري في الوقت نفسه، يرى أنّ الصعوبات في الواقع الحالي، تنعكس على الكفيف وشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل أكبر وأعمق، وتساهم في تردي أوضاعهم الحياتية.
ليعرج بحديثه إلى المدرسة، بالإشارة إلى أنّ الاحتياجات التعليمية شحيحة؛ بسبب الوضع القائم، والأنشطة بالمقارنة مع السابق هي قليلة جدًّا، والطالب والمعلمون والقائمون على الجمعية أو المدرسة يحتاجون إلى دعم ليؤدّوا واجبهم بأكمل وجه.
كفيف وعازف
كان يتجمع حوله عددٌ من طلاب المدرسة لترديد إحدى الأناشيد الوطنية، استعدادًا للمشاركة في إحدى المناسبات العامة، كانوا جميعهم مكفوفين، ويتفجر من أصواتهم الحماس والجمال معًا، كان يقودهم محمد نبيل جهلان من خلال آلة الأورج التي يتحسس أزرارها ليصنع نغمات ومقاطع موسيقية جميلة، للوهلة الأولى التي دلفت فيها إلى المكان كان يبدو لي أنه "غير كفيف"، فكيف لكفيف أن يتواءم مع أصوات الموسيقى ويبدع في تراكيبها العميقة والصعبة.
بوجهٍ باسم وعيون منطفئة، يسير محمد جهلان بخطوات ثابتة في طريق التميز، ليكون نموذجًا للإبداع رغم إعاقته البصرية. تعلم العزف قبل ثلاث سنوات على يد عازفين من ذمار، خلال أسبوع واحد، استطاع أن يتعرف على "آلة الأورج" ويفكك أسرارها.
تقول ستر الشوكاني: "محمد دليلٌ حيٌّ على قدرة الكفيف على تجاوز التحديات وتحقيق الأحلام رغم كل الظروف التي تحيط به من كل الاتجاه، لم يسمح محمد للإعاقة بأن تكون عائقًا أمام شغفه بالموسيقى، بل دافعٌ مهمّ له".
بدأ محمد رحلته في العزف على "آلة الأورج"، وهي آلة موسيقية تتطلب حسًّا فنيًّا عاليًا ودقة وتمكُّنًا، واستطاع بفضل إصراره أن يُتقن هذه الآلة، بل ويحضر المناسبات العامة التي تُنظّم باسم جمعية المكفوفين أو اتحاد جمعيات المعاقين أو مدرسة الأديب البردّوني بذمار.
محمد جهلان، كان يومًا أحد طلاب مدرسة الأديب البردّوني، يدرس حاليًّا في سنته الثانية بجامعة ذمار، واستطاع أن يخلق فرقًا في حياة بعض المكفوفين الصغار من خلال تدريبهم على الإنشاد بالتزامن مع العزف، ليكون مصدر إلهامٍ لزملائه.