"غسلة في البلدة، بحجامة سنة"؛ مقولةٌ شائعة تناقلتها الأجيال حول تلك الظاهرة الفلكية الفريدة التي تمتاز بها سواحل حضرموت التي تبدأ في منتصف شهر يوليو (تمّوز) إلى أواخر ذلك الشهر، حيثُ تبرد مياه البحر بشكل ملموس جدًّا وتتكون تيارات صاعدة مع زخات من الرياح الباردة المنعشة التي تجذب آلافًا من السياح من المحافظات المجاورة لزيارة تلك السواحل، والاغتسال في مياه البحر الذي كثُرت فيه الأقاويل حول قدراته العجيبة على شفاء بعض الأمراض. فهل هذا صحيح فعلًا؟ الأمر قد لا يكون أكثر من مجرد خرافة، لكن هناك دراسات وأبحاث جعلت جزءًا من ذلك يحمل بعض المصداقية.
يعتبر نجم البلدة جزءًا من التقويم النجمي، حيث تحمله التيارات المائية القادمة من أعماق البحار، التي تبدأ بالتدفق من مطلع مايو، فتحدث تيارات مائية تتحرك من جنوب خط الاستواء -المعروف ببرودة مياهه- لتنتقل كتيارات غائصة في الأسفل.
وبفعل رياح "موسون"، بحسب فلكيون تحدثوا سابقًا لـ"خيوط"، التي تشتد على السواحل من بداية منطقة "بئر علي" بمحافظة شبوة غربًا إلى مديرية "قصيعر" بحضرموت شرقًا؛ تندفع كتل المياه للساحل، في عملية متكررة تؤدّي إلى ارتفاع وهيجان البحر ليرفع معه التيارات الغائصة الباردة إلى أعلى، فيبرد البحر، حيث قد تصل درجة حرارته إلى 13 درجة مئوية، أما بقية المناطق التي تتجه نحوها التيارات فتبقى هذه الكتل الباردة في الأسفل، ولا تتسبّب في برودة مياه السطح؛ بسبب عدم هبوب الرياح؛ وهكذا يأتي نجم البلدة الذي ارتبط بشكل كبير بحياة الناس.
الاكتئاب وجهاز المناعة
أثبتت دراسة قام بها علماء في هولندا عام 2016، أنّ السباحة في مياه باردة مدة دقيقتين فقط، لديها تأثير هائل على صحة جهاز المناعة، حيث تحفز خلايا الدم لمحاربة الفيروسات والعدوى leukocytes))؛ إذ وجدوا في تجربتهم أنّ الاغتسال مدة ثلاثين يومًا بالمياه الباردة، قلّل من نسبة الإصابة بالمرض والعدوى بـ29% مقارنة مع المجموعة التي لم تفعل ذلك.
كما يقول الأجداد وكبار السن هنا: "غُسلة في البلدة ترجع العجوز ولدة"؛ أي تُرجعها شابة صغيرة في السن بدون آلام الجسد المصاحبة للعمر؛ ويبدو أن تلك المقولة فيها جزء كبير من الصحة، حيث إنّ المياه الباردة تقوم بعملية تضييق للأوعية الدموية.
لا يختلف أحد بشأن البهجة والفرحة التي تُخيّم على أجواء الموسم الذي يَسعد فيه الناس بالتغيير والذهاب برحلات إلى السواحل صُحبة الأهل والأصدقاء، والمتعة المرافقة لذلك. وعلميًّا أيضًا، أثبتت دراسة قام بهاNicolai shevchuk عام 2008 على مجموعة من المشاركين، أنّ الاغتسال بالماء البارد فترة معينة، قد قام بتقليل أعراض الاكتئاب بشكل ملحوظ على تلك المجموعة، إضافةً إلى دراسات أُخرى رجّحت أنه يقلل التوتر ويُحسِّن المزاج.
آلام العضلات والمفاصل أيضًا!
وكما يقول الأجداد وكبار السن هنا: "غُسلة في البلدة ترجع العجوز ولدة"؛ أي تُرجعها شابة صغيرة في السنّ بدون آلام الجسد المصاحبة للعمر؛ ويبدو أن تلك المقولة فيها جزء كبير من الصحة، حيث إن المياه الباردة تقوم بعملية تضييق للأوعية الدموية، التي تُسمى بالـ((Vasoconstriction، والذي يحدث عندها هو أنّ الدماء تمشي بشكل أسرع إلى أجزاء الجسد ويتم تنشيط الدورة الدموية، وتندفع الدماء إلى الأعضاء المهمة، ويُنقل الأوكسجين والمغذيات إليها بشكل أفضل، وحين يدفأ الجسم تبدأ عملية توسع الأوعية الدموية وتعود تلك الدماء بشكل طبيعي وأفضل، وتدفع تلك الالتهابات بعيدًا عن تلك الأنسجة.
مُسكّن آلام طبيعي
دائمًا ما يقول مُرتادُو سواحل البحر في موسم البلدة؛ إنّ الاغتسال بتلك المياه الباردة جدًّا يمنحهم راحة بشكل تام من أي إصابات وآلام قديمة، حسنًا هناك دراسة نُشرت عام 2014 في الهند، للعالم A. Mooventhanمفادها أنّ الاغتسال في مياه البحر الباردة يحفز بما يسمى استجابة الألم اللاإراديSIA) )، التي بدورها تقوم بعمل مسكّن ألم استجابة لمحفزات تلك المياه الباردة من خلال تقليل كيفية انتقال الألم عبر تلك الأعصاب.
مفيدة لخسارة الوزن
يقوم جسمك بالعمل بشكل أكبر، ويقوم القلب بضخ كميات أكثر من الدماء عبر الجسم؛ لكي يُبقي على جسدك دافئًا أثناء اغتسالك في المياه الباردة؛ وبذلك سُعرات حرارية أكثر بكثير يتم حرقها خلال السباحة في المياه الباردة أكثر من المياه الحارة. والفكرة العامة لذلك؛ أنّ الجو إذا قلّت حرارته يجب أن يعمل الجسم بجهد ونشاط أكبر.
وخلال الأعوام الماضية، أضحى نجم البلدة ظاهرة يتم الاعتناء بها بشكل أفضل من الماضي من خلال المهرجانات والفعاليات التي تجتذب عددًا كبيرًا من السياح الذي يُنعشون اقتصاد مدينة المكلا بشكل خاص. والفوائد الصحية والاجتماعية والترفيهية لهذه النعمة أمرٌ مفروغ منه، حتى قبل اكتشاف الأدلة العلمية الحديثة حوله، وسواء كنت من محبِّي المياه الباردة أم الدافئة، الاغتسال في بحر البلدة تجربة لن تندم عليها بالتأكيد.