تسبّب النزاع المحتدم في اليمن الذي دام عقدًا من الزمن، في عواقب وخيمة وبعيدة المدى على المهاجرين الأفارقة، الذين يهاجرون في رحلات محفوفة بالمخاطر بحثًا عن حياة رغدة وفرص اقتصادية في دول الخليج الغنية بالنفط. يتحدى هؤلاء المهاجرون المصاعب، ويركبون القوارب المكتظة وغير الآمنة، ويعبرون مياه خليج عدن الخطرة وفي ظروف طقس سيئة، مجازفين بحياتهم للوصول إلى الشواطئ اليمنية. ومع ذلك، وعند وصولهم، يواجهون بيئة تتسم بالعنف والاستغلال، ويجدون أنفسهم عالقين في بلد يعاني أزمة إنسانية حادّة. ونتيجة لذلك، اضطر العديد من المهاجرين إلى العودة إلى القرن الإفريقي بسبب المحنة الإنسانية التي تمر بها اليمن، وصعوبات الوصول إلى المملكة العربية السعودية.
ولسوء الأحوال، فإن رحلة العودة إلى الوطن تنطوي أيضًا على جملة من المخاطر، خاصة مع اندلاع الصراع المسلح في البحر الأحمر وخليج عدن، إلى جانب تعاظم الانتشار الأمني على طول الشريط الساحلي اليمني. وقد خلقت هذه الظروف الصعبة عقبات إضافية وفاقمت معاناة المهاجرين الأفارقة.
وشهدت هذه الفترة تصاعدًا ملحوظًا في التوتر الأمني وحضور قوات بحرية دولية كثيفة في البحر الأحمر وخليج عدن؛ بسبب العمليات العسكرية التي تنفذها جماعة الحوثي المدعومة من إيران والمعروفة باسم "أنصار الله"، والتي تستهدف سفن الشحن المتجهة إلى إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. وقد استلزم الانتشار العسكري المتزايد تسيير دوريات أمنية بواسطة البوارج والسفن الحربية، ممّا يجعل عودة المهاجرين الأفارقة عبر قوارب الصيد غايةً في الخطورة. ونتيجة لذلك، انخفض تدفق المهاجرين الأفارقة القادمين إلى اليمن، وقد وردت تقارير عن استهداف صيادين يمنيين في عرض البحر من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر، مما أدى إلى مقتل 8 صيادين.
اكتسبت منطقة رأس العارة في مديرية المضاربة بمحافظة لحج (جنوبي اليمن)، شهرةً واسعة باعتبارها بؤرة لعمليات التهريب والاتجار بالبشر. وارتكبت هذه العصابات المنفلتة اعتداءات وحشية ضد المهاجرين الأفارقة، واستهدفت النساء بشكل خاص.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وفقًا لسجلات فريق مصفوفة تتبع النزوح التابع لمنظمة الهجرة الدولية في جيبوتي، انطلق 505 مهاجرين (424 ذكرًا و81 أنثى) في رحلة العودة المحفوفة بالمخاطر إلى وطنهم على متن قارب من اليمن. بالإضافة إلى ذلك، تم تسجيل عودة 282 مهاجرًا (246 ذكرًا و36 أنثى) قاموا برحلة واحدة إلى جيبوتي من اليمن في يناير/ كانون الثاني 2024، بمعدل رحلة واحدة شهريًّا فقط، نتيجة الظروف الأمنية المتدهورة في المياه الدولية.
كما لاحظ كثيرٌ من مراقبي أوضاع المهاجرين في اليمن، وأفادت أيضًا منظمة الهجرة الدولية، فقد سُجِّل انخفاضٌ ملموس في عدد المهاجرين القادمين من جيبوتي إلى اليمن عبر طريق باب المندب. في يناير/ كانون الثاني 2024، وثقت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة في اليمن دخول 1,737 مهاجرًا، ويمثّل هذا انخفاضًا كبيرًا عن نفس الفترة من العام السابق عندما دخل قرابة عشرة أضعاف الرقم السابق، أي 10,707 مهاجرين دخلوا إلى اليمن في يناير/ كانون الثاني 2023.
وفي الفترات الماضية، يصل معظم المهاجرين الأفارقة إلى نقطة وصول رئيسية في منطقة رأس العارة، حيث تخضع المنطقة لسيطرة عصابات التهريب والاتجار بالبشر. وقد تم تسجيل أعلى رقم في مارس/ آذار 2023، حيث وصل 15,714 مهاجرًا. وخلال زيارتي للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة من عصابات التهريب ضمن بعثة ميدانية لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، لاحظتُ تدفقًا كبيرًا للمهاجرين الأفارقة إلى منطقة رأس العارة في شهر مايو/ أيار 2023، مقارنة بمحافظة شبوة الساحلية.
واكتسبت منطقة رأس العارة في مديرية المضاربة بمحافظة لحج (جنوبي اليمن)، شهرةً واسعة باعتبارها بؤرة لعمليات التهريب والاتجار بالبشر. وارتكبت هذه العصابات المنفلتة اعتداءات وحشية ضد المهاجرين الأفارقة، واستهدفت النساء بشكل خاص. لقد أنشَؤُوا مراكز اعتقال حيث يحتجزون المهاجرين ويبتزون الأموال من عائلاتهم. ومن المؤلم أنّ النساء المهاجرات تعرضن لاعتداءات جنسية يرقى بعضها إلى مستوى العبودية الجنسية، بحسب منظمات حقوقية.
ويبدو أنّ الاهتمام بالانتهاكات الجسيمة ضد المهاجرين في منطقة رأس العارة، دفع القوات الأمنية المدعومة من التحالف بقيادة السعودية والإمارات إلى اتخاذ إجراءات أمنية ضد عصابات التهريب هذه. وتشير التقارير إلى انتشار قوات عسكرية على طول الشريط الساحلي، لملاحقة القوارب التي تستخدمها عصابات التهريب، وما تزال هذه الحملة مستمرّة في محافظة لحج، وأفادت قوات الردع لألوية عمالقة الجنوبية، أنّ الحملة أنجزت بنجاح عدة مهام في الشريط الساحلي، من بينها عمليات تمشيط ومداهمة أحواش المهربين، أسفرت عن إلقاء القبض على 52 مهرّبًا ومطلوبًا أمنيًّا، وإيداعهم لاحقًا في السجون.
وبحسب معلومات منظمة الهجرة الدولية، فقد لوحظ انخفاض كبير في أنشطة الاتجار بالبشر منذ أغسطس وسبتمبر 2023. وفي الربع الأخير من عام 2023، استمر المهاجرون من القرن الإفريقي في الوصول إلى اليمن، حيث يواجهون العديدَ من مخاطر الحماية في كل خطوة من رحلتهم. وفقًا لمصفوفة تتبع النزوح (DTM)، وصل ما مجموعه 4,313 مهاجرًا إلى اليمن بين أكتوبر وديسمبر 2023. وعلى الرغم من انخفاض عدد المهاجرين الوافدين شهريًّا بشكل ملحوظ بَدءًا من أغسطس، فقد وصل أكثر من 97,000 مهاجر إلى اليمن. في عام 2023، بزيادة تبلغ 20.000 مقارنة بإجمالي الوافدين في عام 2022 وعددهم نحو 73.000 وافد.
تحولت نتيجةً لهذه الظروف، الوجهةُ الرئيسية للمهاجرين الذين يدخلون اليمن إلى ساحل محافظة شبوة، وباتت عصابات التهريب التي تنقل المهاجرين من جيبوتي، تستخدم هذا الطريق أيضًا، حسبما أكّدت منظمة الهجرة الدولية. وذكر تقريرها أنّ العدد الإجمالي للمهاجرين الذين وصلوا في يناير/ كانون الثاني 2024، يتألف من 1,736 وافدًا، حيث جاء منهم 1,526 مهاجرًا من باري بالصومال، و210 مهاجرين من أوبوك بجيبوتي. ومن الجدير بالذكر أنّ كل قارب تديره عصابات التهريب، يحمل على متنه أكثر من 200 مهاجر، بينهم نساء وأطفال.
يكافح المهاجرون من أجل الوصول إلى الضروريات الأساسية، مثل الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، وكثيرًا ما يواجهون التمييز عند التماس احتياجاتهم.
وفيما يخص الفظائع التي ترتكب ضد المهاجرين الأفارقة في اليمن، أصدرت مواطنة لحقوق الإنسان في ديسمبر/ كانون الأول 2023، تقريرًا حقوقيًّا شاملًا تحت عنوان "ترانزيت الجحيم"، يسلط الضوء على أوضاع المهاجرين الأفارقة في اليمن والانتهاكات والاعتداءات الجسيمة التي ترتكبها أطراف النزاع وعصابات التهريب والاتجار بالبشر، إضافة إلى صور خرائط ومعلومات هامّة حول طريق عبور المهاجرين ونقاط التجمع بمختلف المناطق اليمنية. حيث وثقت مواطنة لحقوق الإنسان 112 واقعة انتهاكات ضد المهاجرين الأفارقة، شملت هذه الوقائع القتلَ والتشويه، والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والترحيل القسري، والتعذيب والابتزاز، وغيرها من الانتهاكات.
وفي ظل التصعيد العسكري في البحر الأحمر، تواجه اليمن تحديات إنسانية طارئة، من ضمنها وجود حاجة ملحّة للعمل الإنساني المكثّف لمعالجة أوضاع المهاجرين الأفارقة. يكافح المهاجرون من أجل الوصول إلى الضروريات الأساسية، مثل الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، وكثيرًا ما يواجهون التمييز عند التماس احتياجاتهم. إنّ محنة المهاجرين الأفارقة في اليمن، أزمةٌ إنسانية إضافية تتطلّب اهتمامًا عاجلًا، لا سيما أولــئك الذين يأملون العودة إلى ديارهم، وتواجه هذه الفئة الأكثر هشاشةً صعوبات لا يمكن تصورها، ومن الضروري أن يقوم المجتمع الدولي وأصحاب المصلحة المعنيّون بتوفير الحماية والمساعدة والحلول طويلة الأجل لهم، ومن خلال إعطاء الأولوية لحقوقهم واحتياجاتهم، يمكننا أن نخطو خطوة مهمّة نحو خلق عالمٍ أكثر عدلًا ورحمة.