تكابد ملايين الأسَر في مناطق اليمن الساحلية، مشقة المعيشة خلال فصل الصيف، الذي تجاوزت فيه درجات الحرارة هذا العام مستويات قياسية غير مسبوقة، كما هو حاصل في عدن، وسط غياب المعالجات الحكومية الجذرية وغياب الوعود التي قُطعت أمام الرأي العام تحت شعار "صيف بارد" عامًا تلو الآخر.
وتعتبر الحرارة العالية والجو الحار من المشاكل السنوية الكبيرة التي تواجه سكان عدن وشبوة والمهرة وحضرموت والحديدة، وجميعها تعاني من ظروف اقتصادية صعبة جراء الحرب والصراع منذ العام 2015، حيث يعجز غالبية سكان هذه المناطق عن تحمل تكاليف الإجراءات الوقائية اللازمة والتي تفوق قدرات الكثير منهم.
وتتفاقم المشاكل الصحية خلال الصيف، نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، وتتضمن هذه المشاكل الصحية آلامًا حادّة في العضلات والمفاصل، وصداعًا شديدًا، وإرهاقًا وتعبًا، ويشعر الكثير من الناس بالجفاف والعطش إلى جانب زيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض الموسمية والحمَّيات.
إضافة إلى انتشار الأمراض الشائعة، مثل الإصابة بالجلطات الدموية وارتفاع ضغط الدم، كما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض الصحية، مثل التهاب الأذن والجيوب الأنفية والتهابات الجلد، بحسب الدكتور أحمد سلطان الذي يعمل في مستشفى خاص بمدينة عدن (جنوب اليمن).
ويعاني الكثير من سكان عدن، خاصة الفئات المهمشة والفقيرة ومحدودي الدخل، من طوفان حرارة غير مسبوق، حيث تجدهم يبحثون عن ظل ومياه باردة للشرب، ويواجهون صعوبة في الحصول على الإمكانيات اللازمة للتحكم في حالة الطقس وتعزيز النظافة الشخصية، في حين يلجؤون إلى المبيت على الأرصفة في مختلف شوارع وأحياء المدينة.
يتزامن حلول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة مع أزمة سنوية متفاقمة تواجهها مدينة عدن والمحافظات الساحلية في اليمن، والمتمثلة بمشكلة الكهرباء وتردي الخدمة المقدمة، حيث يشكو السكان من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي لعدة ساعات في اليوم (تشغيل ساعتين مقابل 3 ساعات أو أكثر من الانطفاء)، وهذا يؤثر بشكل كبير على حياة الناس والصحة العامة.
كما يقاسي من هذا الجحيم العاملون بالأجر اليومي في عدن والمدن الساحلية، بسبب الظروف الجوية القاسية التي تسود المنطقة، إذ يوضح سلطان أنّ ذلك يؤثر بشكل كبير على صحة العمال وسلامتهم، ويزيد من خطر الإصابة بحروق الشمس والجفاف، بالإضافة إلى الإصابة بالإعياء والتعرض لأمراض القلب والجهاز التنفسي.
يضيف سلطان في حديثه لـ"خيوط"، أنّ كبار السن من أكثر الفئات التي تكابد ويلات هذا النوع خلال فصل الصيف، من ارتفاع درجات الحرارة الشديدة والرطوبة العالية، ممّا يؤثر بشكل كبير على صحتهم ويزيد من معاناتهم، لافتًا إلى أنّ الحرارة الشديدة تؤدي إلى الشعور بالإعياء والصداع والدوار، وتزيد من خطر الإصابة بالجفاف وتفاقم معاناة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والرئة.
الجميع وسط الجحيم
تمثل مدينة كريتر الواقعة بالقرب من مقر الحكومة في منطقة المعاشيق قلب مدينة عدن، مكانًا مليئًا بالجمال والثروة الثقافية، وهي واحدة من أهم المدن في التاريخ الثقافي. ومع ذلك، فإن الصيف يجلب معه العديد من المشاكل لسكان المدينة، حيث تتجاوز درجة الحرارة 40 درجة مئوية، وبسبب ارتفاع الرطوبة في المنطقة، يستمر الإحساس بالحرارة في الزيادة، مما يؤثر على السكان ويزيد من معاناتهم.
وتعاني الأسر الفقيرة خلال فصل الصيف من صعوبة الحصول على المياه النظيفة، وخاصة منطقة شِعب العيدروس التي تعاني من شح في الخدمات الأساسية منذ العام 2015، ما دفع أسر المنطقة لاستخدام الحمير لجلب المياه التي توفرها المنظمات وفاعلو الخير.
ويفيد بعض السكان في هذه المنطقة لـ"خيوط"، أن صعوبة الحصول على المياه وعملية نقلها وتوصيلها إلى المنازل، تسبب العديد من المخاطر، كما حدث مؤخرًا؛ حيث تُوفِّي شابان بينما كانا يحاولان توصيل المياه إلى منازلهما في أعلى الجبل عبر مضخة كهربائية "دينامو".
وفي الوقت الذي تشتد فيه معاناة الأهالي في المنازل من الحرارة وسوء الأحوال المناخية، يواجه العمال في مناطق عدن مثل "كريتر" مشاكل أكثر خطورة، حيث يعمل العديد منهم في وظائف شاقة في البناء والنظافة والصيانة، مما يجعلهم عرضة لخطر الإصابة بالإعياء والحرارة المفرطة، بالإضافة إلى الإصابة بحروق الشمس.
أحمد الشيباني، طباخ في أحد المطاعم بمدينة كريتر، سقط على الأرض بينما كان يمارس عمله بعد يوم واحد من حالة إغماء لعامل آخر في المطعم ذاته، إذ يقول مالك المطعم لـ"خيوط"، إنه تم نقل أحمد على الفور إلى أحد المرافق الصحية في المدينة، ودخل في حالة حرجة بسبب توقف الدم في جسمه نتيجة ارتفاع درجة الحرارة.
ويلاحظ عدم توفر أيّ وسائل تكييف وتبريد في غالبية المطاعم بمدينة عدن، في الوقت الذي تصل درجة الحرارة في بعض المناطق إلى مستويات خطيرة تتجاوز 40 درجة مئوية.
مشكلة الكهرباء المزمنة
يتزامن حلول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة مع أزمة سنوية متفاقمة تواجهها مدينة عدن والمحافظات الساحلية في اليمن، والمتمثلة بمشكلة الكهرباء وتردي الخدمة المقدمة، حيث يشكو السكان من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي لعدة ساعات في اليوم (تشغيل ساعتين مقابل 3 ساعات أو أكثر من الانطفاء)، وهذا يؤثر بشكل كبير على حياة الناس والصحة العامة.
وعلى الرغم من وجود العديد من المشاريع والمبادرات الحكومية والدولية لتحسين وتطوير مصادر الكهرباء والبنية التحتية في تلك المناطق، فإن الواقع يظهر عكس ذلك مع تفاقم الأزمة بشكل كبير بالرغم من الموارد المالية الهائلة التي تخصص لتحسين قدرة الشبكة الكهربائية في المناطق الساحلية وزيادة وتحسين إنتاج الطاقة الكهربائية.
ويرى مشتاق عامر، مهندس كهربائي، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ المناطق الساحلية التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًّا تعاني من خلل في إدارة المشاريع الكهربائية، وتفويض أعمال الصيانة والتشغيل لشركات محلية غير مؤهلة وغير قادرة على القيام بمهامها بكفاءة؛ الأمر الذي يتسبّب في تردّي حالة النظام الكهربائي بشكل عام.
فيما يرى البعض الآخر أنّ النظام الكهربائي في نطاق مناطق الحكومة، يعاني من نقص في الموارد الاقتصادية والتكنولوجية، وعدم القدرة على تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص، مما يمنع إنشاء محطات توليد الكهرباء الحديثة التي تستخدم التكنولوجيا الأكثر تطورًا.
وترصد "خيوط"، تبعات عدّة للانقطاع المتواصل للكهرباء، الذي يشمل أغلب فترات اليوم في مدينة تكتوي بصيف ساخن ودرجة حرارة غير مسبوقة، والتي لا تتوقف عند حدود معاناة المواطنين في منازلهم، إذ تطال تبعات ذلك الأنشطة الاقتصادية، حيث تضطر المحال التجارية إلى الإغلاق في حالة انقطاع التيار الكهربائي وأثناء فترة الظهيرة، ممّا يؤدّي إلى خسارة العملاء وتراجع الأرباح، ويؤثر ذلك على الاقتصاد المحلي في كل منطقة.
إضافة إلى تأثيرها على مياه الشرب، حيث تعتمد عملية تحلية مياه البحر في الكثير من المناطق على الكهرباء مع انعدام الكفاءة الإنتاجية والراحة في العمل، ما يؤدّي إلى تراجع الإنتاجية العامة والخدمات المقدمة في المدينة، إلى جانب توقف بعض الأعمال المنزلية اليومية بسبب غياب الخدمة.
وتسبّبت الحرب في دمار واسع للبنية التحتية في اليمن بشكل عام، بما في ذلك شبكات الصرف الصحي والطرق والجسور، وكذلك في تدهور حالة الخدمات العامة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
نتائج العشوائية المعمارية
تواجه مدينة عدن مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالتصميم المعماري والبناء العشوائي خلال فصل الصيف، خاصة أنّ المدينة تتميز بارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الرطوبة التي تصل في بعض الأحيان إلى 10% فقط.
ويتسبّب البناء العشوائي في المدينة بتأثيرات سلبية كبيرة على السكان خلال الصيف. فعلى سبيل المثال، تحجب البنايات العالية أشعة الشمس والرياح والنسيم، وتزيد من درجة الحرارة داخل المنازل والمباني، مما يزيد من الاحتكاك الحراري في البيئة المحيطة ويجعل الطقس غير مريح خلال فترة الصيف؛ بحسب المهندس المدني عمر القاضي.
ويؤكد القاضي في حديثه لـ"خيوط"، على ضرورة العمل على تصميم مبانٍ معمارية ملائمة لمناخ عدن وشروطه، بما يتضمن تخفيض درجة الحرارة داخل المباني وتوفير بيئة مريحة للسكن.
يواجه النازحون صعوبات جمة في مواجهة الحر الشديد، فالصيف يجعل العيش في الخيام والمآوي البدائية صعبًا جدًّا، ويدفع البعض إلى بيع ما لديهم، والتسول والعمل في مهن شاقة بعائد ضئيل لتوفير ما أمكن من الاحتياجات الضرورية كشراء جهاز تكييف.
ويعد الازدحام السكاني والازدحام المروري من أصعب المشاكل في المناطق الحارة، حيث تصبح هذه المناطق مزدحمة بالسكان والسيارات خلال فصل الصيف، ويصبح من الصعب التنقّل مشيًا على الأقدام، ممّا يتسبب في زيادة إصابات الجهاز التنفسي والصداع وإرهاق الجسد.
كما يتسبّب في زيادة مستويات التلوث، حيث يؤدّي التصاعد الكثيف للغازات الضارة والروائح الكريهة إلى تلوث الهواء، ممّا يزيد من انتشار الأمراض ويؤثر على صحة الأفراد بشكل سلبي بالتزامن مع انعدام الخدمات الصحية.
الصيف يوحد المعاناة
تتسع رقعة معاناة النازحين خلال فترة الصيف في عدن وغيرها من المحافظات الساحلية، حيث تعيش آلاف الأسَر النازحة أوضاعًا إنسانية صعبة جراء انعدام الخدمات الأساسية، وعدم توفر مساكن مناسبة ومياه صالحة للشرب والغذاء، ممّا يزيد من معاناتهم في فصل الصيف؛ ما يؤدّي لارتفاع أعداد الأمراض الناتجة عن الجفاف وانتشار أمراض الصيف.
ويواجه النازحون صعوبات جمة في مواجهة الحر الشديد، فالصيف يجعل العيش في الخيام والمآوي البدائية صعبًا جدًّا، ويدفع البعض إلى بيع ما لديهم والتسول والعمل في مهن شاقة بعائد ضئيل لتوفير ما أمكن من الاحتياجات الضرورية كشراء جهاز تكييف.
وتؤثّر هذه الظروف الصعبة في قدرتهم على العمل وكسب لقمة العيش، حيث يتركز جلّ اهتمامهم على التغلب على المشاكل اليومية وتلبية حاجيات أساسية مثل الطعام والماء والمأوى.
ومثل النازحين، تواجه الأسر ذات الدخل المحدود في هذه المناطق صعوبات كثيرة، أبرزها عدم القدرة على توفير وسائل التكييف والتبريد، إلى جانب مجابهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في ظل اتساع الفجوة الاقتصادية بين المدن والمناطق اليمنية.
يجد الكثير من المهاجرين الأفارقة في عدن أنفسهم أمام معاناة كبيرة خلال الصيف، نظرًا للظروف الصعبة التي يعيشونها ولعدم وجود مرافق أساسية لضمان راحتهم وسلامتهم خلال موسم الصيف الحار.
ويتعرض الكثيرون منهم -أغلبيتهم يقطنون الشوارع العامة- للاستغلال حيث يعيشون في مناطق وتجمعات تفتقر إلى أدنى الخدمات الأساسية للحياة الكريمة، ولا يوجد في تلك الأحياء أية تدابير للحفاظ على راحتهم خلال الصيف الحار.