اجتاح وباء "الكورونا" العالم، فحضر خوسيه ساراماغو، الكاتب والروائي البرتغالي الحاصل على جائزة نوبل للآداب 1998، والذي توفي في العام 2010.
تركز 4 من روايات ساراماغو على الأقل، على أحداث في المأزق العام للبشرية، حيث تصبح الكوارث الطبيعية وصمة، ومحلاً لممارسة السلطة بدلاً عن التضامن، ما يفرض التعاطي مع المصابين بالأوبئة، بصورة أنانية تفضح ادعاءات الحضارة الحديثة. رواية "العمى" واحدة من هذه الأمثولات، والتي "تجسد القسوة التي وجد عليها العالم".
تدور فكرة روايتي "العمى" و"انقطاعات الموت" عن وبائين يضربان البشرية، وإن كانت فكرة الوباء في الأولى أعمق، فيما تعالج الأخرى إشكالية "الخلود" على أنه يصير وباءً بفعل الأزمة التي يخلفها والنزاع البشري الذي يتولد معها.
نشرت "العمى" بلغتها الأصلية عام 1995، وتحكي عن إصابة طبيب ما، في منطقة ما، بالعمى الفجائي، أثناء انتظاره في سيارته لإشارة المرور، والذي يكون قد انتقل إليها بعد لقائه بمجموعة من الذين صدف مروره عليهم.
يقوم شخص محسن بإيصال الطبيب وسيارته إلى شقته، لكنه لم يفعل ذلك بدافع الإحسان وإنما طمعاً في سرقة السيارة. بعد ذلك ينقل الطبيب ومجموعة أخرى من المصابين إلى محجر صحي، فتتحول دراما الرواية إلى شكل من أشكال الممارسات السلطوية الحاطة بالكرامة الانسانية، من قبل السلطات المشرفة على الحجر، وبين المصابين المحجورين.
فمع انهيار النظام العام بفعل الوباء، يجد المصابون أنفسهم داخل سجن، وليس محجر، ثم يصل الأمر إلى حالة من التنازع على الطعام، ثم إلى إطلاق النار من قبل حراس المحجر على الذين يحاولون الاقتراب من المناطق المحظورة التي حددتها هذه السلطات.
وبالرغم من لا واقعية الفكرة وغرابتها، إلا أنها تقود القارئ إلى حالة من الانفعال الصادق، ذلك أن العمى الذي يصيب البشرية، ليس ذاته العمى الفسيولوجي: أي إعتام عدسة العين. يرى "عميان ساراماغو" العالم على أنه حالة من البياض الناصع (حليبي)، وعلى هذه الحالة يشهدون كيف يتداعي كل شيء بين أيديهم وتنهار القيم كاملة، ليبدو الكوكب وكما لو أنه خليق لحظته تلك.
وتستشرف الرواية، بحذاقة كاتبها، لحظة "الأنا" التي تبرز في لحظة الفزع والضعف البشري، على أنه لا معنى لقيم ادّعاء التفوق والحضارة بعد ذلك. ومثلما بدأ وباء "العمى الأبيض" غامضاً ينتهي كذلك، لكن الأمور تذهب مذهباً مختلفاً، فلا شيء قبل الوباء يبقى على حاله.
في لقاء له مع الصحفية دونزيلينا بارروسو شتاء العام 1998، الذي ترجمته لموقع الساقية هدى بادغيش، يقول ساراماغو إن "العمى" نِتاج لفكرة ظهرت فجأة في عقله:
"بينما كنت جالسًا في مطعمٍ ما، منتظرًا أن يُقدّم لي غذائي، فكرت فجأة، ماذا لو كانوا كلهم عميانًا؟ كما لو كنت أجيب سؤال نفسي، لكننا نحن بالفعل عميان".
ويضيف: "كانت هذه بذرة الرواية، بعد ذلك، كان عليّ فقط تصوّر الظروف الأساسية، والسماح للعواقب أن تكبر.. ليس هناك أي خيال جامح في "العمى"، هي فقط تطبيق منظم للسبب وما يترتب عليه".
ويرجع ساراماغو صعوبة لغة "العمى" إلى مفارقة عجيبة حدثت لحظة ترجمة العمل إلى الإنجليزية، يقول ساراماغو: "توفي جيوفاني بعد ترجمة "العمى" بفترة قصيرة، قبل وفاته أصابه العمى نتيجة للأدوية، وكان عليه أن يختار بين الالتزام بها، أو المحافظة على بصره، فاختار بصره، وترجم الرواية، هو مشهد محبط ومستفز جدًا".
من هو خوسيه؟
ولد خوسيه ساراماغو في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1922، في قرية برتغالية لأبوين من الفلاحين الفقراء، والذين لا يمتلكون أراضٍ. واكتسب كنية عائلته "ساراماغو"، والتي تعني الفجل البري، بالخطأ بعد أن دمجت مع اسمه عقب تسجيل ولادته.
في سن الثانية عشرة من عمره، عجز عن دفع تكاليف دراسته، فانتقل إلى مدرسة مهنية، وبعد تخرجه، عمل ميكانيكي سيارات لمدة عامين، ثم بعد ذلك أصبح مترجماً وصحفياً.
أثارت آراؤه الكثير من الجدل في البرتغال، بعد نشر روايته "الإنجيل كما يرويه المسيح" وقيام الحكومة البرتغالية المحافظة، بقيادة رئيس الوزراء آنذاك كافاكو سيلفا، بحظر أعماله عن المنافسة في جائزة مرموقة، بحجة إساءتها إلى مجتمع الكاثيوليك، ما اضطره إلى الانتقال إلى إحدى جزر الكناري الإسبانية. مع ذلك يصنف ساراماغو على أنه أكثر الروائيين العالميين التزاماً.
وبالرغم من أن ساراماغو حقق شهرته متأخراً، أي في سن الستين، إلا أنه كان قد نشر قبلها أربع روايات. وفي عام 1998 اختارته الأكاديمية السويدية للحصول على جائزة لـ"الأمثولات والحكايا الرمزية التي تفرضها مخيلته، بالإضافة إلى التعاطف والسخرية في أعماله".
توفى ساراماغو في الثامن عشر من يونيو/ حزيران 2010، عن عمر ناهز 88 عاماً، وأثنت عليه الصحافة العالمية، كما أعلنت بلده البرتغال الحداد لمدة يومين.
ما الذي يذكرنا بساراماغو؟
في الفيلم الوثائقي "خوسيه وبيلار" الذي أعده ميغيل غونزاليس عام 2010، يبدأ ساراماغو بالقول:
"عبر التاريخ، كانت هناك أزمنة جيدة وأزمنة سيئة. لكن كمجتمعات، يظل البشر هم المصيبة الأكبر. ولذا من الصعب القول أن الماضي أفضل".
نحن الآن مغشيون بوباء العمى الأبيض. العمى هو ترميز لعمى العقلانية البشرية" خوسيه ساراماغو
اشتهر نرسيس، في المثيولوجيا اليونانية، وهو ابن الإله كيفيسيا والحورية ليريوبي، بالجمال والغرور والفخر بنفسه لدرجة تجاهله وإعراضه عن كل من يحبه، لاحظت الإلهة نمسيس تصرفه ذاك وأخذته إلى بحيرة، حيث رأى انعكاس صورته في الماء فوقع في حب نفسه، دون أن يدرك أنها صورته، إلى الدرجة التي عجز فيها عن مغادرة المكان، وانتهى به المطاف في عزوف عن العيش والاكتفاء بالتحديق في سطح الماء، إلى أن مات.
يقول ساراماغو في الوثائقي:
"نرسيس اليوم الذي يتأمل صورته على صفحة الماء سيدمر غداً صورة انعكاسه بيديه هاتين".
وفي فقرة من العمل، الذي تتبع الأيام الأخيرة للروائي وزوجته بيلار، تسأل بيلار زوجها: "خوسيه، هل قرأت الأخبار؟ عن رغبتهم في خلق كوكب مواز في سويسرا؟"
يرد عليها وهو مستلقٍ على الأريكة:
"لا أدري ما الذي سينتج عن هذه التجربة؟ آمل ألا يوجدوا كوكبا مجنونا كالذي نعيش فيه. نحن نرى الهاوية أمامنا، وما زلنا نتجه مباشرة إليها كمجموعة انتحارية من القوارض. مع الاختلاف الكبير في الطريقة التي بموجبها نستمتع بذبح بعضنا".
وفي حواره مع دونزيلينا، يقول ساراماغو: "أنا لا أطمح لأن أكون المنقذ لهذا العالم، لكنني أعيش يإيمان بسيط هو أن العالم من الممكن أن يضحي مكانًا أفضل بسهولة".
ويضيف: "أتحدث عن القسوة الحاصلة في هذا العالم، ونحن الآن مغشيون بوباء العمى الأبيض. العمى هو ترميز لعمى العقلانية البشرية. هذا العمى الذي يسمح لنا بإرسال مكوك إلى المريخ لفحص مكوناته، وفي الوقت ذاته نسمح لملايين البشر أن يتضوروا جوعًا على هذا الكوكب. إما أننا عميٌ أو مجانين".
ويتابع: "إذا كنا نحن المخلوقات القاسية الوحيدة في هذا العالم، كيف نقول بأننا مخلوقات منطقية؟ لأننا نتكلم؟ نفكر؟ لقدرتنا على الابتكار؟ حتى مع كل هذه القدرات فإننا لا نتوقف عن كل أفعالنا السلبية والعنيفة التي نتشاركها. هذه هي المشكلة الأخلاقية التي علينا أن نتحدث عنها".
ويختتم بالقول: "أتمنى ألا يكون بمقدورنا مغادرة هذا الكوكب، لأننا إذا انتشرنا في العالم، فعلى الأرجح لن نتصرف بطريقة مختلفة في أي مكان آخر.. نحن على الأرجح فيروس من نوع آخر، ومن سوء الحظ أننا نعتقد بأننا مركز الكون".
يذكر أنه وفي آخر فعالياته، أحجم ساراماغو عن الحديث في قضايا الأدب، وقال لضيوفه إنه سيتحدث عن العالم، لأنه بحاجة للحديث عنه.
جزء من أدب ساراماغو يطرق مسألة غياب التضامن في الأوقات الحالكة للعالم، ويفضح حالة الهشاشة التي تشوب العلاقات العامة بين الإنسان ومجتمعه.
اختبار أدب ساراماغو
أعلن في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019، عن إصابة مواطنين صينيين بفيروس "كورونا" في مدينة ووهان، قبل أن ينتشر في العالم ويتحوّل إلى وباء، ليصيب ما يزهو عن ثلاثة مليون إنسان، ويقتل أكثر من 200 ألف آخرين.
وبما أن جزءاً من أدب ساراماغو، يطرق مسألة غياب التضامن في الأوقات الحالكة للعالم، ويفضح حالة الهشاشة التي تشوب العلاقات العامة بين الإنسان ومجتمعه، نحاول هنا أن نعيد ترتيب صور الأحداث التي انتقلت من "الفنتازيا" إلى الواقع، بتعامل السلطات (اجتماعية/ سياسية)، أياً كان نوعها، مع ضحايا الإصابة بفيروس كورونا.
إيطاليا: الأولوية للأحدث سناً
في مارس/ أذار 2020، تخبطت إيطاليا، في ذروة انتشار فيروس كورونا، ومع انهيار القطاع الصحي، لجأت السلطات الطبية هناك إلى التعامل بتمييز مع الضحايا، وبما يعطي الأولوية لصغار السن، وترك كبار السن لمصائرهم.
وخلصت دراسة أجريت في جامعة أكسفورد إلى أن إيطاليا هي ثاني أكبر بلد في العالم من حيث كبار السن. ويمثل من هم في سن 65 سنة في إيطاليا نسبة 23 في المئة من السكان.
وقالت كريستيان سالارولي، رئيس وحدة الرعاية المركزة في مستشفى في بيرغامو، الواقعة في المنطقة الشمالية من مدينة لومباردي، لصحيفة "كورييري ديلا سيرا": "إذا كان عمر الشخص بين 80 و95 عاماً ويعاني من ضيق تنفسي شديد، فمن غير المحتمل أن يحصل على العلاج، إنها كلمات بالغة الصعوبة، لكنها للأسف حقيقة. لسنا في وضع يسمح لنا بتجربة ما يسمى معجزات".
فنانة كويتية: إرموهم في الصحراء
في الأول من أبريل/ نيسان 2020، طالبت الممثلة الكويتية المعروفة حياة الفهد بإلقاء العمالة الوافدة في الكويت والمصابين بكورونا في الصحراء.
وأشارت الفهد في مداخلة هاتفية مع برنامج "أزمة وتعدي" التلفزيوني إلى أن "الكويت غير قادرة على احتمال الضغط على المشافي في ظل أزمة كورونا".
وتابعت بلهجة يشوبها الغضب، مشيرة إلى العمالة الوافدة في بلادها: "لماذا بلادهم لا تريدهم ونبتلى نحن بهم، لقد مللنا، لنرميهم في الخارج.. نرميهم في الصحراء، أكلوا الخير ولعبوا وارتاحوا دعوهم يذهبون".
من دول عظمى إلى "قراصنة"
اتُّهمت الولايات المتحدة، باعتراض مسار شحنة تحمل 200 ألف كمامة، كانت متجهة إلى ألمانيا وتحويلها لاستخدامها الخاص، في خطوة أدينت بوصفها قرصنة حديثة.
وأشعلت "كورونا" حرب كمامات، بين دول "متقدمة"، ففي أوائل مارس/ أذار 2020، صادرت التشيك 110 آلاف كمامة كانت قد اشترتها إيطاليا، وتم حل المشكلة عبر القنوات الدبلوماسية.
وواجهت روما مشكلة مماثلة مع باريس، حيث احتجزت السلطات الفرنسية كمامات اشترتها شركة الرعاية الصحية السويدية "مولنكيكه" في الثالث من مارس الماضي لصالح كل من إيطاليا وإسبانيا.
ودفعت عمليات "القرصنة" التي شهدها العالم لمستلزمات الوقاية من فيروس كورونا إلى تدخل الجيش الجزائري، في 6 أبريل/ نيسان، لحماية طلبية من الصين، حيث أرسل الرئيس عبد المجيد تبون طائرات عسكرية إلى شانغهاي لشحن معدات طبية ووسائل وقاية في غضون 48 ساعة ذهاباً وإياباً.
مصريون يرفضون دفن طبيبة
اعترض عدد من سكان قرية تابعة لمحافظة الدقهلية بمصر، في الحادي عشر من أبريل/ نيسان المنصرم، على دفن جثمان طبيبة توفيت متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا داخل مقابر القرية، بعد أن وصلت بسيارة إسعاف قادمة من مستشفى العزل في الإسماعيلية.
ونشب خلاف بين السكان وأسرة الطبيبة على دفنها بالقرية، وطالبوا بنقلها إلى قرية ميت العامل المجاورة لهم، لكونها هي مسقط رأسها، ورفضوا استكمال إجراءات الدفن.
وبقيت الطبيبة داخل سيارة الإسعاف في محاولة لإقناع السكان بعدم خطورة الموقف، حتى تدخلت السلطات الأمنية، وقامت باعتقال بعض المعترضين.