يعمل صدام الصلاحي في مجال تصميم وبرمجة المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف المحمولة منذُ سنوات، وهي المهنة التي لا يجيد غيرها ومصدر رزقه الرئيسي -حدّ وصفه- ولا يمكنه العمل بغيرها، إذ إنّه شغوف بهذا المجال، ويطمح إلى إحداث تغيير جذري في هذا المجال في اليمن؛ غير أنّ الإنترنت في اليمن يقف ضدّه في كل مرة.
بسبب طبيعة عمله، فهو بحاجة إلى استخدام شبكة الإنترنت بشكل متواصل، ولأنّه يعمل بهذا المجال بشكل مستقل -أي إنّه غير مرتبط بجهة عملٍ ما- فإنّه بحاجة إلى شبكة إنترنت قوية تتيح له العمل بكلِّ سهولة، وهو ما لم يستطع توفيره منذ سنوات، إذ يقول الصلاحي في حديثه لـ"خيوط"، أنّه عانى بشكلٍ كبير طوال السنوات السابقة في العمل بسبب رداءة الإنترنت وسرعته المحدودة، فذات السبب كان يجعله يستغرق أوقاتًا طويلة من أجل إنجاز أعمال بسيطة.
ويعاني مستخدمو الإنترنت من سوء الخدمة وتكلفتها الباهظة منذ سنوات، بالرغم من دخول الخدمة إلى اليمن في نهاية تسعينيات القرن الماضي، فإنّها ظلّت مهملة وتفتقر إلى أبسط مقوماتها، بالإضافة إلى احتكار الخدمة من قبل شركة تيليمن، وهي المزوّد الرئيسي لخدمة الاتصالات والإنترنت في البلاد.
وإلى وقتٍ قريب، كانت الشركة توزع الخدمة للمستخدمين عن طريق كابلات نحاسية ADSL، وهي تقنية قديمة أنشئت من أجل تقديم خدمة الاتصالات الأرضية قبل أن يتم إدخال DSL وتحويلها إلى نقل بيانات الإنترنت، وبسرعة لا تتجاوز 4 ميجا بايت، وفي وقتٍ لاحق تم تزويد شركات اتصالات الهاتف النقال بالإنترنت، بتقنية ضعيفة للغاية، وظلّت خدمة إنترنت البيانات للهاتف النقّال حكرًا على شركة يمن موبايل، وهي شركة عامة مساهمة من القطاعين العام والخاص، إذ كانت الشركة الوحيدة في اليمن التي تقدم خدمة الجيل الثالث 3G لسنوات طويلة.
بحسب موقع كابل، المختص برصد أسعار الإنترنت في العالم، فقد رصد تكلفة إنترنت الهاتف المحمول في العام 2021 في اليمن، بمعدل 16.58%، وهي أغلى دولة عربية من حيث الأسعار.
في العام 2018، أطلقت الحكومة المعترف بها دوليًّا شركة مزود إنترنت جديدة من فئة الجيل الرابع 4G تحت اسم (عدن نت)، وهي خطوة استهدفت سحب البساط من تحت شركة تيليمن الخاضعة حاليًّا لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، كما أنّها تقدّم خدمة إنترنت متوسطة السرعة وبأسعار أقل من السابقة.
في ذلك الحين، استبشر كثيرٌ من المستخدمين، لكن الواقع خيّب أملهم إذ إنّ الشركة لم تستطع حتى الآن التوسع والخروج من مدينة عدن، بالإضافة إلى انعدام شرائح الخدمة، التي أصبحت تباع في الأسواق السوداء وبأسعار تتجاوز ثلاثة آلاف ريال سعودي، حسب مواطنين هناك.
تنافس حادّ
في مطلع العام الماضي 2022، أعلنت شركة يمن موبايل تدشين خدمة إنترنت الجيل الرابع 4G، وتوجه الصلاحي للاشتراك في الخدمة أملًا أن تكون التجربة مُرْضية ومناسبة له ولعمله، إذ يقول في حديثه لـ"خيوط"، إنّ التكلفة في بداية الأمر، كانت مرتفعة ومبالغًا بها بشكل كبير، فضلًا عن سوء الخدمة في أوقات كثيرة، حسب قول الصلاحي.
وفي وقتٍ لاحق من العام ذاته، أعلنت الشركة اليمنية العُمانية للاتصالات (يو) -MTN سابقًا- عن تشغيل خدمة إنترنت الجيل الرابع، واستطاعت أن تدخل إلى السوق بأسعار منافسة جدًّا، ما جبر شركة يمن موبايل على تعديل الأسعار إلى نصف المبلغ المقرر سابقًا، ومرة أخرى قرر الصلاحي تجربة إنترنت (يو) بدلًا من السابقة.
وبحلول نهاية العام الماضي 2022، كانت قد قامت شركة الاتصالات اليمنية في مناطق سيطرة أنصارالله (الحوثيين) بالتحول إلى نظام الجيل الرابع، بالإضافة إلى أنّ المؤسسة العامة للاتصالات، قامت بإنشاء خدمة إنترنت جديدة من خلال تقديمها الخدمة عبر رسيفرات خاصة بها، مدعومة بشريحة اتصال، وتوفر خدمة الإنترنت بتقنية الجيل الرابع وبأسعار أفضل من الشركات الأخرى، غير أنّ أسعار إدخال الخدمة كانت كبيرة ومبالغًا بها، بالإضافة إلى أنّها حتى الآن لا تزال تعاني من ضعف شديد بالشبكة، ولا تصل إلى جميع المناطق.
يقول فادي العديني، في حديثه لـ"خيوط"، أنّه من أوائل الأشخاص الذين قاموا بالاشتراك بخدمة الإنترنت المقدمة من قبل المؤسسة العامة للاتصالات، وذلك من أجل استخدام إنترنت عالي الجودة يُمكّنه من الوصول إلى منصات التعليم الإلكتروني المسجل بها، لكنه تفاجأ بأنّ الخدمة ليست بذلك القدر الذي روّجت له الشركة، بالإضافة إلى أنّ رصيد الإنترنت ينفد بسرعة كبيرة؛ إذ إنّه يستخدم بمفرده ثلاث باقات شهريًّا تحتوي الباقة على 25 جيجا، ما جعله يشكّك بمصداقية الشركة.
أسعار باهظة وخدمة رديئة
خلال الفترة السابقة، قام الصلاحي بتجربة الإنترنت من جميع مزوّدي الخدمة؛ ففي بداية الأمر، كانت تصل سرعة الإنترنت إلى 20 ميجا في الثانية، وفي بعض الأوقات أكثر بقليل من ذلك، لكن الوضع اختلف مع مرور الوقت، ولم تعد تصل السرعة في الوقت الحالي إلى 10 ميجا إلا في حالات نادرة جدًّا، وبحسب الصلاحي فإنّ الخدمة تزداد سُوءًا يومًا بعد آخر، فضلًا عن أسعار الخدمة المرتفعة.
ويظهر مؤشر سبيد تيست لسرعة الإنترنت حول العالم، الذي تُصدره شركة "أوكلا" الأمريكية، تقدُّمًا لافتًا لمعدل سرعة التنزيل عبر شبكة الإنترنت للهواتف المحمولة في اليمن للعامين الماضين 2021 و2022، إذ أصبحت السرعة تصل إلى 9.76 ميجا بايت في الثانية، بعد أن كانت السرعة في السنوات السابقة لا تتعدى 2 ميجا بايت في الثانية، وتأتي اليمن في المرتبة الـ134 من أصل 141 دولة من حيث ترتيب سرعة الإنترنت عالميًا، وتأتي أيضًا في المرتبة قبل الأخيرة، تليها سوريا من حيث ترتيب سرعة الإنترنت في الدول العربية.
وبحسب موقع كابل، المختص برصد أسعار الإنترنت في العالم، فقد رصد تكلفة إنترنت الهاتف المحمول في العام 2021 في اليمن، بمعدل 16.58%، وهي أغلى دولة عربية من حيث الأسعار، وقد كان هذا الرصد قبل دخول تقنية الجيل الرابع 4G -أي إنّ الأسعار تم قياسها وَفقَ أسعار الإنترنت المقدمة بتقنية 3G و1X، فيما تشير بيانات شركة يمن موبايل المنشورة على موقع الشركة إلى أنّ سعر 1 جيجا بايت نحو 6 دولارات في إنترنت الجيل الثالث 3G، وتشير بيانات الشركات الأخرى، والتي كانت تزوّد العملاء بخدمة إنترنت 1X إلى نفس السعر بفارق بسيط عن السابق.
وبعد أن قدّمت شركات الاتصالات إنترنت الجيل الرابع 4G للمستخدمين، تراجعت أسعار الخدمات بشكلٍ ملحوظ؛ إذ أصبح سعر 1 جيجا بايت نحو دولار واحد فقط، غير أنّ أسعار الإنترنت المقدمة بتقنية الجيل الثالث والأولى المقدمة من الشركات ذاتها، ظلّ سعرها كما هو دون تغيير وَفقَ مستخدمين.
مشاكل متراكمة
ويشكو مستخدمو الإنترنت من مشاكل كثيرة تتعلّق بالخدمة وجودتها، إذ يشهد قطاع الاتصالات والإنترنت بشكل عام، الكثيرَ من الصعوبات والتحديات، منها: الانقطاع المتكرر للخدمة، و"ممارسات الاختراقات"، والحجب المتواصل لمواقع الإنترنت، وتكلفته الباهظة، وتسبّبت الحرب أيضًا بتدمير قطاع الاتصالات والإنترنت بشكل كبير إذ تسبّبت الاستهدافات المتكررة لقطاع الاتصالات بتدمير آلاف الأبراج والمنشآت الخاصة بالقطاع، كما وصلت خسائر القطاع إلى نحو 6.7 مليارات دولار منذ بداية الحرب، وفق تقارير وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في صنعاء.
وأدّت الحرب الدائرة في اليمن إلى توقف تطوير البنية التحتية المتهالكة للقطاع، كما دمّرت منافذ الإنترنت الرئيسية للبلاد، إذ تم تدمير وتعطيل 4 منافذ إنترنت من أصل 6 تمتلكها اليمن، في حين أصبح الاعتماد في الوقت الحالي على منفذ فالكون في مدينة الحُديدة، والذي يغطي حوالي 80% من المناطق في البلاد، إلى جانب منفذ الغيضة، وهو منفذ بحريّ آخر مرتبط بالكابل البحري فالكون.
إضافة إلى هذه المنافذ، تمتلك اليمن أيضًا منفذ عدن نت، والذي كان من المقرر دخوله إلى الخدمة في العام 2017، غير أنّ الحرب أجّلته إلى وقتٍ غير معلوم.
ويرى محمد الكوكباني، وهو مهندس مختص في مجال الاتصالات، أنّ مشكلة سوء خدمة الإنترنت في اليمن، تعود إلى اعتماد اليمن على الكابل البحري فالكون بشكل كامل، إذ إنّه قديم للغاية ومكلف، كما أنّ سَعته لا تكفي لسدّ احتياجات البلاد.
ويضيف في حديثه لـ"خيوط"، أنّ البنية التحتية المتهالكة في القطاع غير مؤهلة، من أجل التحول إلى تقنية الجيل الرابع، وإن كان قد تم التحويل بالفعل، فستظل الخدمة سيئة وتزداد سوءًا يومًا بعد آخر، مشيرًا إلى ضرورة استقرار الوضع في اليمن، وتحييد قطاع الاتصالات عن أدوات الصراع، والعمل على تشغيل بوابة عدن للاتصالات، وهي الحل الأمثل من أجل حلّ مشكلة سوء خدمة الإنترنت في اليمن.