عن دار عناوين بوكس بالقاهرة، صدرت للكاتبة اليمنية (ليلى السياغي) مؤخرًا، روايةُ "رحلة مليون شلن.. خمسين دولارًا"(*).
وفي مراجعة للرواية، يقول الدكتور فارس البيل:
«هذه الرواية بتناولاتها الجريئة هي صرخة نسوية مهمة، تريد أن تعيد ترتيب الفكر والتأويل، وتسعى لأن تعالج هذه الموضوعات...، وتحمل الكثير من الدلالات رغم وضوح وسهولة السرد، فالقارئ يتوقع الأحداث تباعًا، ويدرك إلى أين ستصير الأنثى بطبيعة الحال، لأنّ الرواية تقترب من الواقع، وكأنّها تحاكي الواقع وتحاكي التجربة بقالب فنّي وأسلوب سرديّ مهمّ حسّاس.
الجسد هو الحدث البارز في الرواية، باعتباره مقاومًا للحرب النفسية وللقدر وللفكرة وللاعتداء الذكوري غير الواعي، ومساحة الرواية هي الحرب، لكنّها حالة من الحرب الداخلية الموجودة في الرواية، والقارئ سيلاحظ ما تعانيه "رحمة" بطلة هذه الرواية من صراع مرير، والانتقال من تشرُّد إلى تشرُّد آخر، ومن اعتداء لاعتداء آخر، ومن اغتصاب لاغتصاب آخر، وهي حالة من المعاناة المستمرة، كالدائرة العنيفة التي تتقاطع فيها الذكورة والأنوثة بلا نهاية.
عنوان الرواية: "رحلة مليون شلن.. خمسين دولارًا". (الشلن) وهو عملة الصومال، حيث بدأت بها الكاتبة قبل 8 سنوات قبل الحرب على اليمن. ولماذا (خمسين دولارًا)؟ وكأنّ هذه الخمسين هي سقف المعاناة والعذاب والمستوى المادي التعس الذي تعيشه هذه الطبقة، فالطموح يقف عند هذا الحدّ المتدنِّي، واختزال العنوان بهذا الشكل أسهم في وضع سقف للقارئ منذ البداية، فالخمسين دولارًا لا تعني شيئًا، والبطلة لا تحصل على خمسين دولارًا منذ خروجها من الصومال حتى وصولها إلى صنعاء مرورًا بعدن، إذ ليس هذا دليل معاناة فحسب، بل هي معاناة نفسية قبل أن تكون مادية. الإنسان وعقوباته على الإنسان الآخر لا تتخذ شكلًا نفسيًّا بل ماديًّا في أسوأ الأحوال.
أمّا عن شخصيات الرواية، فـ"رحمة" بطلة الرواية التي تحكي قصتها، والكاتبة في بداية الرواية قفزت إلى النص لتعلن عن نفسها ثم انسحبت قليلًا وسمحت للبطلة أن تحكي قصتها، ثم تأخذ منها الصوت في مقاطع عديدة ثم تعود إليها.
أمّا عن زمان الرواية، فالزمان الفعلي: في بداية الحرب الصومالية في التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، لكن زمانها الافتراضيّ وفضاؤها كلُّ زمنٍ ومكانٍ يشهد هذه المأساة وتجري فيه هذه الآلام.
والمكان: من القرن الإفريقي إلى اليمن، ما بين عدن وصنعاء وبعض المناطق. وهو مكان يجسد حزام المعاناة، وبؤرة جغرافية تشهد هذه المواجع، ويعيها القارئ البعيد، بَيْدَ أنّ المكان الافتراضي هو النفس التي تجول داخلها هذه المعاناة...
اللُّغة جيّدة في الرواية، وقد ساعدت بسهولتها السردَ في الوصف باستثناء بعض الهنات هنا وهناكَ، وفي مجملها الرواية حافظت على نسق واحد من اللغة، أسهمت في تقريب المعاناة ونقل العذاب الأنثوي بشكل أو بآخر يلمسه القارئ بوضوح. ويلاحظ أنّ ضمائر الوصل في بعض المواضع تحتاج لمراجعة حتى لا يتوه القارئ في انتقاله من مشهد إلى آخر، واستكمال الجمل المشهدية.
إنّها رواية الصوت النافر من التصور الخاطئ لطبيعة العلاقة. وهي محاكمة للذكورة؛ للرجل سواء كان متدينًا، صوفيًّا، مثقّفًا، عاملًا، عاديًّا، سكّيرًا، إلخ الذين لا ينظرون للمرأة إلا من هذه الزاوية، وهذه النظرة لا يمكن إنكارها ولا تخضع للنسبية. صحيحٌ أنّ القيم نسبيّة، لكن الأمثولة غالبًا ما تصوّر المعاناة ولا يمكن إخضاع هذا الحكم للتحقيق، ولكنه حكم فنّي ينطلق من قاعدة قيمية موجودة في الواقع بشكل أو بآخر.
تحاكم الرواية موجّهي الخطاب الديني في أنّهم متناقضون، فهناك شخصيات دينية يلتحفون الدين مظهرًا وسلوكًا وخطابًا لكنّهم سرعان ما يعتدون على الأنثى طالما كانت أمامهم متاحة، أو حتى وإن كانت غير متاحة، إنّما لا بُدّ أن يكسروا كل الحواجز كي تكون الأنثى متاحة لهم».
____________________________
(*) رحلة مليون شلن.. خمسين دولارًا؛ رواية، ليلى السياغي – دار عناوين بوكس، الطبعة الأولى 2022، عدد الصفحات (243).