لم يسبق أن عرفت اليمن هذا التراجع المخيف للعملية التعليمية في البلاد، خاصة قطاع التعليم العام. فخلال السنوات الست الأخيرة الممتدة منذ بداية الحرب، تسارع الانحدار الكارثي لقطاع التعليم الحكومي، ما خلق سوقًا مزدهراً للتعليم الأهلي، وهو ما يراه غالبية المستثمرين في قطاع التعليم الأهلي، موردًا للربح لا أكثر.
لم يأبه كثيرون ممن خاضوا غمار الاستثمار في هذا القطاع، لتقديم تعليم نوعي وذي جدوى للطلاب، بما يعزز تنشئة جيل الحرب على قدر مناسب من التعليم والتأهيل، بالنظر لما يتم دفعه من رسوم باهظة، في ظل وضع معيشي صعب.
منذ وقت مبكر يشهد التعليم تدميرًا ممنهجًا، إذ نخر الفساد جسد التعليم في اليمن، وتم التركيز على إفشال العملية، حتى وصلت لما هي عليه الآن، وكأنها مؤامرة كبرى على التعليم الذي يعد أساس نهضة الأمم، وتقدم الشعوب، فيما تتوسع عمليات الاستثمار في التعليم الأهلي "التجاري"، حيث تزداد أعداد المدارس الأهلية عامًا بعد آخر بشكل مخيف، وكأن التعليم يتجه نحو الخصخصة.
وبالنظر إلى المعايير التي من المفترض أن تلتزم بها المدارس الأهلية وتحددها وزارة التربية والتعليم، هناك مدارس كثيرة لم تلتزم بتلك المعايير، وهو ما يجعل مخرجات تلك المدارس فاقدة التأهيل والكفاءة.
رسوم تفوق قدرات الناس
شكّل التدهور المريع وتراجع مستوى التعليم العام في البلاد، سوقًا كبيرًا للتعليم الأهلي، الذي رغم انتشاره وتوسعه طوال السنوات القليلة الماضية، نجد أن قلةً فقط من تلك المدارس تميزت بتقديم خدمة تعليمية ذات جودة رفيعة إلى حدٍّ ما، ولذاك التميز ثمناً باهضاً من الرسوم الدراسية.
أولياء أمور يَشْكُون زيادة الرسوم في المدارس الخاصة، بينما هذه المدارس ترجعها لأسباب منها ما تتعرض له من جبايات متواصلة من قبل السلطات الرسمية
المدارس الأهلية تزداد من عام لآخر، خاصة في العاصمة صنعاء، إذ يقدر عددها قبل عامين، حسب مصادر في وزارة التربية والتعليم، حوالي (694) مدرسة أهلية، ويرجح وصولها هذه السنة، إلى ما يقارب (800) مدرسة.
وتعمل بعض من المدارس على السمعة الطيبة التي اكتسبتها خلال الأعوام السابقة، حيث تتفاوت فوارق الأسعار من مدرسة إلى أخرى، حيث تكون تلك الفوارق كبيرة جدًّا في بعض المدارس.
يحيى عبدالله (50 سنة)، وهو أحد أولياء الأمور، يقول لـ"خيوط" إنه تفاجأ من زيادة الرسوم في المدرسة التي يلتحق فيها أولاده هذا العام، خلافًا للعام السابق.
عبدالله لا يحمّل تلك المدارس السبب في الارتفاع، إذ تتحمل -كما يؤكد- السلطاتُ التي تفرض جبايات على تلك المدارس هذا الأمرَ، ويضيف أن الإجراء الجديد يضاعف أعباء الوضع المعيشي على أولياء الأمور.
وفي إطار زيارة "خيوط" لبعض المدارس الأهلية للتعرف على الأمر عن كثب، رفضت مديرات تلك المدارس الإدلاء بأي حديث حول الموضوع دون إبداء الأسباب. فيما تحدثت لـ"خيوط" إحدى موظفات مدرسة أهلية، وطلبت عدم ذكر اسمها أو اسم المدرسة، أن السلطات في صنعاء فرضت رسوم جباية كبيرة على جميع المدارس الأهلية، دون مراعاة للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون، ما ضاعف من سوء الوضع.
وتضيف أنه نتيجة لهذا الإجراء الجديد، يحدث أن يتم التركيز على معلمين ذوي خبرة وتأهيل أقل، نظرًا للزيادة الكبيرة في نسبة الضرائب المفروضة من قبل السلطات المعنية على المدارس الأهلية.
من جانبها تحدثت لـ"خيوط"، شيرين، وهي أم لطفلين تريد أن تلحقهما بإحدى المدارس الأهلية هذا العام، مشيرة إلى أنها تبحث عن مدرسة قريبة من سكنها بحيث تكون رسومها مناسبة لوضعها المعيشي ومعدل دخلها الشهري. وتأمل شيرين بأن يتم تخفيض نسبة الضرائب المفروضة من السلطات، حتى تتمكن المدارس الأهلية من تخفيض الرسوم، وبالتالي يتمكن أولياء الأمور من إلحاق أبنائهم في العام الدراسي الذي أوشك على الحلول.
فرص عمل موسمية
وتشهد اليمن حربًا شاملة منذ ستة أعوام، ألقت بكل نتائجها السلبية على مختلف شرائح المجتمع والقطاعات، خاصةً قطاع التعليم. وفي ظل التدهور الكبير لقطاع التعليم العام في البلاد، وازدهار سوق التعليم الأهلي، ثمة حسنة وحيدة تحسب لهذا السوق، حيث استوعب عددا كبيرا من حديثي التخرج، وبالأخص من النساء، للعمل في المدارس الأهلية، الأمر الذي حملهن مسؤولية مساعدة أسرهن في مصاريف المعيشية.
تقول ملاك لـ"خيوط"، وهي معلمة بإحدى المدارس الأهلية، إن ما تتقاضاه لقاء عملها ضئيل جدًّا بالنظر للواقع المعيشي الصعب في البلاد، كما أن عدم توفر البدائل من فرص عمل جعلها وغيرها من العاملات في حقل التعليم تقبل بهذا الوضع. لكن هذه المعلمة تشكو من ساعات العمل المرهقة، وكذلك من المبلغ الزهيد لقاء عملها في التدريس الأهلي.
بدوره يقول محسن سيف، في معرض حديثه لـ"خيوط"، وهو معلم في مدرسة أهلية، إن الأجور التي يتقاضونها لم تكن مجزية، بحكم أن التعليم موسمي، حيث تتراوح فترة عملهم ما بين 7 إلى 8 أشهر، بعدها وفق حديث محسن، «نظلُّ عاطلين عن العمل بدون مرتب بقية أشهر السنة».
ويعاني العاملون في هذا القطاع من عدم وجود نقابة خاصة بالمعلمين في التعليم الأهلي الخاص تهتم بشؤونهم، إذ إنهم -حسب محسن- يقومون بجهد جبار ومتواصل خلال أوقات دوامهم، وتختلف باختلاف المواد، كمادة الرياضيات التي تدرس بما يقارب (30) حصة في الأسبوع، والفيزياء (16) حصة أسبوعيًّا. ويتمنى محسن أن يتم إعادة النظر في تحسين أجورهم، وتأسيس نقابة للعاملين في هذا القطاع لتهتم بكل شؤونهم، وتعمل على تنظيم أمور كثيرة، وبالأخص تحسين مستوى دخل أولئك المعلمين.
تعميم وزاري يلزم المدارس الأهلية منح المعلمين في هذا القطاع عقود عمل بمبلغ 30 ألف ريال لكل شهر، لمدة ثمانية أشهر، والتوقف عن التسجيل حتى إصدار التقويم المدرسي
دور السلطات الرسمية
وفقاً للمعايير المنظمة للتعليم في اليمن بشأن منح التراخيص الخاصة بإنشاء المدارس الأهلية، أصدرت وزارة التربية والتعليم في صنعاء، الخاضعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، تعميمًا للمدارس الأهلية في نطاق سيطرتها، لتحديد الرسوم الدراسية في الترخيص الذي تمنحه الوزارة للمدرسة.
بحسب التعميم الذي اطلعت عليه "خيوط"، أصبح لزامًا على المدارس الأهلية منح المعلمين في هذا القطاع عقود عمل، بمبلغ 30 ألف ريال شهرياً، ولمدة ثمانية أشهر، والتوقف عن التسجيل حتى إصدار التقويم المدرسي.
ووصلت نسبة الزيادة في الرسوم الدراسية للعام الدراسي 2020 - 2021، نحو 30%، تختلف حسب موقع المدرسة ومستوى الإقبال عليها.
ويؤكد مسؤول في مدرسة أهلية، فضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"خيوط"، أن تلك الزيادة تأتي لتحسين مرتبات المعلمين نظرًا لسوء الوضع المعيشي، ولمواجهة الالتزامات الضرورية لكثير من المدارس التي غالبية مقراتها بالإيجار، حيث طرأت زيادة في أسعار إيجارات المباني مؤخرًا، ووجود فوارق في أجور المعلمين خلال الأعوام السابقة، إذ يتقاضى معلمي المرحلة الثانوية ما يقارب 70 ألف ريال، والمرحلة الأساسية ما بين 40 و50 ألف ريال، إضافة إلى أن هناك مدارس تدفع مرتبات عالية، ولكنها قليلة جدًّا وتحظى بشهرة، ورسومها الدراسية مرتفعة جدًّا- حسب تعبيره.
تحرير "خيوط"