يتكون الكتاب من ثلاثة مجلدات. يتناول المجلد الأول الدراسة، وجزءاً ضئيلاً من مخطوط الكتاب المحقق: «بهجة الزمن». تحتوي الدراسة على تمهيد، وفيه وصول الإمام المتوكل على الله إسماعيل إلى الإمامة، وذكر معارضيه.
والفصل الأول: وفيه سياسة المتوكل منذ توليه الإمامة وحتى وفاته، ويشمل توسيع حدود دولته، والاستيلاء على عدن ولحج وأبين، ومنطقة الشعيب، والاستيلاء على بني أرض، ويافع، ودخول حضرموت، ومرحلة الاستقرار التي شهدها حكمه، والازدهار الاقتصادي والثقافي في عصره.
ثم تتحدث الباحثة أمة الغفور الأمير، عن الصعوبات التي واجهها المتوكل في نهاية حكمه، وعن العلاقات الخارجية في عصره، وأنها كانت قوية بينه وبين أشراف الحجاز، ومع سلطان عمان، رغم الاعتداءات المتكررة من العمانيين على السواحل اليمنية، وقد كان التعاون بينهما مشتركاً إزاء "الفرنج" واعتداءاتهم، كما كانت العلاقات طيبة مع السلطان العثماني محمد بن إبراهيم (1058-1099هـ/ 1648-1688م)، وملوك الدولة المغولية بالهند، وبالأخص سلطانها (أورنجزيب)، والشاه عباس الصفوي (1052-1078هـ/1642-1667م)، ومع إمبراطور الحبشة فاسيلاداس (1078-1042هـ/ 1632- 1667م).
بالنسبة للسياسة الإدارية، فقد اتبع الإمامان المؤيد والمتوكل، التقسيمات الإدارية للعثمانيين بحسب الدارسة. وفي الوقت الذي اتخذ المؤيد "شهارة" (شمال صنعاء) عاصمة لحكمه، فقد اتخذ المتوكل "ضوران" (في محافظة ذمار) عاصمة لدولته لتوسطها.
في الفصل الثاني: تتعرض الباحثة لسياسة الجيل الثاني من أحفاد القاسم بن محمد، وهم المهدي أحمد بن الحسن، والمؤيد بن المتوكل المشهور بالورع والزهد والعدل، لكنه للأسف لم يكن له من الأمر شيء إزاء مراكز القوى من آل القاسم في عهده. وفي عصره شهدت السلطة المركزية تصدعاً، والمناطق الشرقية والجنوبية و"اليمن الأسفل" ثورات؛ بسبب ما كانت تعانيه من جور الولاة، وفرضها للمزيد من الضرائب.
ثم تتحدث أخيراً عن صاحب المنصورة الناصر محمد بن أحمد بن الحسن المشهور بالشجاعة والإقدام، مع خلوه عن العلم، واصطدامه بالكثير من أبناء عمومته، وغيرهم من غير أبناء القاسم الطامحين للإمامة.
في الفصل الثالث: وفيها ترجمة المؤلف مع ذكر أسرته وتعليمه، وتفرغه للعلم والتأليف، وإهمال بعض المؤرخين الترجمة له، واهتمام الكثير منهم بذلك، وذكر وفاته، وذكر التضارب الواقع في وفاته من قبل بعض المؤرخين، وترجيح الدارسة أنها كانت بعد سنة (1100هـ)، وفقاً لما ذكره زبارة عن حفيد المؤلف، وهو مطهر بن إسماعيل بن يحيى بن الحسين في كتابه "العطايا والمنن.. ذيل بهجة الزمن".
لقد غطت الباحثة الدراسة بصورة جيدة، وقامت بالتعليقات والشروحات اللازمة في عملية التحقيق بشكل يدعو للتقدير. هذا فيما يتعلق بالقضايا التاريخية، أو المصطلحات المتعددة مالية كانت أو إدارية أو عسكرية، أو الجغرافيا، أو التراجم المحلية والخارجية، وخاصة تراجم أعلام الزيدية وأئمتهم؛ حتى إنَّا لنراها تصحح للمؤرخ بعض الأخطاء التاريخية التي وقع فيها.
لكن عندما يتعلق الأمر بالجوانب اللغوية والأدبية والشعرية، وكذلك بعض التراجم الخارجية، يبدو التقصير واضحاً، والكمال لله وحده، وهذا ما سنبينه في هذه القراءة.
ثم إن الباحثة يبدو-فيما يظهر لنا- لم تراجع النسخة الأخيرة من الكتاب قبل الشروع في الطبع، فوقعت النسخة المحققة في أغلاط طباعية ليست بالقليلة.
ومن طالع الكتاب بعناية، يعرف أن الدكتورة أمة الغفور الأمير، قامت بعمل لا يُنكر، والجهد الذي اضطلعت به من الواجب أن تشكر عليه، وتجزى عنه؛ فقد قامت بإخراج سِفْر نادر ما كان ليرى النور لولا همتها وشجاعتها التي جعلتها تمضي في عملية التحقيق، رغم كثرة العقبات والصعاب التي واجهتها، وقد وقفت الباحثة على مصادر ومراجع كثيرة ومتنوعة قلّما يقف عليها أو يظفر بها أحد.
هذه الملاحظات القليلة لا تنقص أو تقلل من قيمة التحقيق الذي قامت به الدكتورة أمة الغفور، وأرجو أن تكون مكمّلة له.
ورد في النص المحقق، المجلد الثاني، ص464 بيت المتنبي كالتالي:
عليم رست للعلم في جنب صدره جبال جبال الأرض في حسنها قف
والصواب: في جنبها قُفُّ.
وقال المؤرخ في مج2، ص564: "وذُكر في (شرح النبراس) هذا أن أهل البيت ليس كلهم على رأي المعتزلة، بل منهم شافعية كالشريف السمهودي والسيد شريف الحنفي".
وقالت المحققة في الهامش (2) في ترجمة السيد شريف الحنفي: "لم أجد له ترجمة في ما بين يدي من مصادر".
وأقول: السيد شريف الحنفي، هو الشريف الجرجاني، ترجمه السخاوي في "الضوء اللامع" فقال:
"علي بن محمد بن علي السيد الزين أبو الحسن الحسيني الجرجاني الحنفي عالم الشرق، ويعرف بالسيد الشريف".
وصفه العفيف الجرهي في مشيخته بـ"العلامة، فريد عصره، ووحيد دهره، سلطان العلماء العاملين، افتخار أعاظم المفسرين، ذي الخلق والخلق، والتواضع مع الفقراء".
وقال فيه البدر العيني: "كان عالم الشرق، علامة دهره، وكانت بينه وبين التفتازاني مباحثات ومحاورات في مجلس تمرلنك تكرر استظهار السيد فيها عليه غير مرة...، وله تصانيف يقال: إنها تزيد على الخمسين. توفي سنة ست عشرة بشيراز (=816هـ)"([1]).
وورد في النص المحقق، مج2، ص566: "ومنهم –أي من أهل السنة- من شرح بعض كتبهم -أي كتب المعتزلة- كما شرح السيد شريف كتاب "المغني" الذي لعبدالجبار من المعتزلة، شرح كله ردود عليه، وكذا الأصفهاني وغيره شرح "تجريد نصير الدين" الذي في الإمامية".
ذكرت الباحثة في الهامش (4) في ترجمة الأصفهاني بأنه: "أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأديب المشهور صاحب كتاب "الأغاني"، و"مقاتل الطالبيين" المتوفى سنة (356هـ)".
وهذه زلة من المحققة، فكيف يكون الأديب الأصفهاني المتوفى سنة (356هـ) يشرح كتاب "التجريد" للعلامة الفيلسوف نصير الدين الطوسي المتوفى سنة (672هـ). وقد سبق من الباحثة أن ترجمت للنصير الطوسي، وذكرت وفاته في سنة (672هـ) في الهامش (8)، مج1، ص370، وذكرت كتابه "التجريد" في الهامش (7)، نفس المجلد والصفحة.
والصواب أن شارح التجريد هو العلامة شمس الدين محمود بن عبدالرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي الأصفهاني الشافعي المتوفى في (749هـ)، وله ترجمة في "الدرر الكامنة" لابن حجر و"طبقات الشافعية" للأسنوي، وقد كان بارعاً في العقليات. سمع كلامه الشيخ تقي الدين ابن تيمية؛ فبالغ في تعظيمه. قال مرة: اسكتوا حتى نسمع كلام هذا الفاضل الذي ما دخل البلاد مثله. وذكر ابن حجر في "الدرر الكامنة" أنه شرح "تجريد" النصير الطوسي([2]).
ورد في النص المحقق مج2، ص506: "وفيها اتفق لرجل من صنعاء في سن الشباب تسودن فطفر (= وثب) من رأس بير السيد قاسم إلى قعرها؛ فغرق في الماء، ومات في الحال وطفا".
قالت في الهامش (6): "تسودن: لم أتمكن من معرفة معناها". ووردت هذه الكلمة في سياق آخر في مج3، ص1243.
أقول: لعل الكلمة "تسودن" من اشتقاق المؤلف، ويعني المؤرخ بـ "تسودن": أنه غلبت عليه السوداء؛ والسوداء من مصطلحات الطب في العصور القديمة والوسيطة؛ فجالينوس وأبقراط يقولان: إن بدن الحي مركب من الأخلاط المختلفة، وهي أربعة: البلغم، والدم، والمرة الصفراء، والمرة السوداء، ومن عناصر خارجية يقال لها الأمزجة، وهي: الحرارة، والرطوبة، والبرودة، واليبوسة. فصاحب المزاج السوداوي طبعه ماليخولي) سوداوي متشائم)؛ يغلب عليه الوسواس، والتعب العقلي.
قال المؤرخ في مج2، ص 534: "وظهر على الهندي آلات الملاهي والشراب والقبوس وما يتبعه كما تهواه النفوس" .
قالت الباحثة في الهامش(2): "لم أجد معناها".
أقول: الصواب: القمبوس، وهي آلة يمنية من آلات الطرب تشبه العود مصنوعة محلياً تسمى "طرب" أو "طُربي"، وانتشرت هذه الآلة من عدن إلى مدغشقر وجزر القمر وأندنوسيا([3]).
ظنت المحققة في الهامش(4)، مج2، ص721: أن حاشية سراج الدين على الكشاف أنها للعلامة محمد بن عبدالله بن محمد المخزومي الرفاعي الحسيني سراج الدين المتوفى سنة (885هـ). ولم يُذكر في ترجمته -كما ورد في الهامش- أن له حاشية على الكشاف، وإنما له تفسير للقرآن بعنوان "البيان في تفسير القرآن".
والصواب أن صاحب حاشية "الكشف على الكشاف" هو: سراج الدين عمر بن عبدالرحمن بن عمر البهبهائي الفارسي أبو حفص القزويني المتوفى سنة (745هـ).
ترجمه الزركلي في "الأعلام"، وذكر حاشيته على الكشاف المسماة: "الكشف على الكشاف"([4]).
ذكرت الباحثة في الهامش(1)، مج2، ص737: "سهيل من النجوم الزراعية، والمراد به أحد منازل فصل الخريف، وليس المراد به النجم اليماني المعروف".
أقول: هذا الكلام مجانب للصواب، وقد سألت من له دراية بالفلك عن مدى صحة ذلك؛ فقال لي: هذا الكلام غير دقيق؛ فسهيل، النجم المعروف، إذا طلع بعد الفجر في فصل الخريف دل على هطول الأمطار.
وورد في النص مج2، ص802 : "وإن أمكن الدخول بجردة".
قالت المحققة في الهامش (1): "بجردة، هكذا وردت، ولم يتضح معناها".
أقول لعل المراد: بجريدة؛ والجريدة: الجماعة من الخيل. وخيل جريدة لا رجّالة فيها، ويقال: ندب القائد جريدة من الخيل إذا لم ينهض معهم راجلاً ([5]).
ذكر المؤرخ في مج2، ص803 أثناء تعرضه لوفاة العلامة إبراهيم بن محمد المؤيدي الذي عارض الإمام المتوكل في الإمامة، أن له شرحاً على "الهداية" لابن الوزير. فنسبت الباحثة في الهامش (1): الكتاب المذكور للعلامة محمد بن إبراهيم الوزير. والصواب أن كتاب "هداية الراغبين إلى مذهب أهل البيت الطاهرين" لأخيه العلامة الهادي بن إبراهيم الوزير([6]).
قال المؤرخ مج2، ص 863: "ولم يحصل من ذلك انتباه بإنصاف الشكاة في تخفيف المطالب التي زادت في اليمن الأسفل، وهي: «مطلبة التبن لمن شرم أو لم يشرم»، و«مطلبة الصلاة لمن صلى أو لم يصلِّ»، و«مطلبة الرياح»... إلخ.
قالت الباحثة في الهامش (3): "الرياح: لعلها طبول كانت تستعمل في المناسبات، وفي الأغلب كانت الدولة تستعملها، وكذلك القبائل".
وأقول: الظاهر أن المقصود بالرياح، الأبواق التي كانت تستخدم في المناسبات الجمعية، ومنها النفير للحرب.
قال الخزرجي في "العقود اللؤلؤية"، أثناء ذكره لمعركة عصر بين الأمير بدر الدين حسن بن علي بن رسول وأخيه نور الدين عمر بن علي بن رسول، وبين عز الدين الأمير محمد بن عبد الله بن حمزة: "فخرجت الرتبة ومن معها من همدان، ووقع بينهم الطراد بكرة يوم الأربعاء السادس والعشرين من رجب المذكور؛ فاقتتلوا إلى وقت الغداة، وبينا هم في القتال، إذ وصل الأمير بدر الدين وأخوه نور الدين ومن معهما، والناس متلازمون في القتال، وقد وقع القتل في الفريقين، وكل حافظ لأصحابه، فدخل الأميران القصر، وتغدى الناس على السماط، ثم قال الأمير بدر الدين: نستريح أولاً ثم ندخل الحمام إن شاء الله، ثم نخرج، فوقفوا في القصر قليلاً، ثم دخلوا الحمام، فلما خرجوا منه حرك الرياح، واجتمع العسكر الذين وصلوا معهما"([7]).
والذي يترجح لي في سبب تسمية الأبواق رياحاً أنها لا تصدر أصواتها إلا برياح -هواء- تُنفخ فيها. ومنه: النفخ في الصور -البوق- إعلاماً بيوم المحشر.
أما الطبل، فيقال له: "طبلخانة". قال الخزرجي في "العقود": "وفي غرة ذي الحجة حُمل كتاب "التفقيه في شرح التنبيه" تصنيف القاضي الأجل جمال الدين محمد بن عبدالله الريمي على رؤوس المتفقهة من بيت المصنف إلى بيت السلطان مرفوعاً بالطبلخانة، وكان أربعة وعشرين جزءاً؛ فحباه السلطان بثمانية وأربعين ألف درهم إعظاماً للعلم، ورفعاً لدرجته"([8]).
الهوامش:
________________________________________
([1]) الضوء اللامع، جزء5، ص328.
([2]) ج6،ص86.
([3]) انظر: طب النفوس، لجان لامبير، ترجمة علي محمد زيد، ص80-81.
([4]) ج5،ص49.
([5]) انظر: لسان العرب لابن منظور:ج3،ص118.
([6]) انظر مصادر الفكر الإسلامي، للحبشي، جزء1، ص347.
([7]) ج 1 ، ص34- 35.
([8]) ج 2 ، ص188.