الحديث عن أوضاع المرأة بشكل عام في هذا العالم يجب أن يؤخذ بالارتباط بالنظام السياسي في البلاد التي تجري الكتابة عنها. كما ينبغي البحث من خلال ذلك عن مكانة المرأة في ذلك النظام، واعتماد هذه الآلية في الكتابة عن المرأة تكشف لنا أين تقع المرأة في فكر النظام السياسي.
وعندما يكون الحديث عن المرأة في عدن يتوجب علينا تفنيد الحديث عنها وفقا للمراحل التاريخية لهذه المدينة أو الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكمها وإدارتها. ووفقا لهذا النهج فإن التاريخ الحديث لعدن قد شهد تحديث مدينة عدن في فترة الإدارة البريطانية لهذه المدينة والممتدة من ١٨٣٩ حتى ١٩٦٧. فقد شهدت هذه المدينة أنماطاً مختلفة في حكم عدن وإدارتها. لكن هذه الأنماط تلتقي جميعها على قاعدة واحدة تتمثل بتحديث المدينة وعصرنتها لتتواكب مع التوجهات الإنجليزية لتنشيط المصالح الحيوية لبريطانيا في عدن المستهدفة بالأساس خدمة للتاج البريطاني. وتضمن ذلك التوجه تطوير المدينة في كل المجالات، مما جعل منها مدينة لها سبق الريادة في نشر التعليم والتخطيط المدني للبلاد وتوفير الخدمات العامة، وتنشيط العمل الاجتماعي وتأسيس وسائل الإعلام المختلفة. وهيأ هذا التوجه للمرأة والرجل فرص التمتع بالفرص المتاحة، مما أسس للمواطن في عدن سبق التعلم والوظيفة الرسمية والنشاط المدني السياسي والاجتماعي، والتمتع باستثمار منظومة القوانين والضوابط الإدارية في إدارة الحياة العامة في البلاد الضابطة للمرأة والرجل فرص التمتع بذلك.
وعلى قاعدة ذلك استقام الحق العام للمرأة العدنية على نفس الأسس الممنوحة للرجل إلّا فيما يرتبط بممارسة حق الانتخاب والترشيح. فقد ظلت المرأة حتى عام 1966 محرومة من التمتع بالحق السياسي. واستند حرمان المرأة من ذلك الحق على حرص الإدارة البريطانية عدم تهييج المشاعر الإسلامية المتزمتة من المساواة الكاملة بين المرأة والرجل. وظل الوضع كذلك حتى عام ١٩٦٦ قبل عام واحد من رحيل بريطانيا عن عدن. وفي إطار السياسة المؤيدة للحق العام للمرأة فتحت خطة “العدننة” التي رسمتها الإدارة البريطانية في عام 1956 للمرأة والرجل مجالاً واسعاً لفرص التعليم والتأهل الفني والجامعي في الداخل والخارج.
يعتبر الضرر الاقتصادي الأكبر الذي ما زالت ملامحه مستقرة في حياة الأسرة الجنوبية قد تمثل بدخول اليمن اقتصاد السوق المفتوحة وما ترتب عليه من خصخصة المؤسسات الاقتصادية الكثيرة التي أسسها النظام الوطني في عدن
وفي مرحلة النظام الوطني الديموقراطي الممتد من 1967-١٩٩٠ فإن الموروث المدني للمرأة العدنية المؤسس من مرحلة الإدارة البريطانية قد تعزز في المرحلة اللاحقة من التاريخ الحديث لعدن. فقد كانت المرأة مثل الرجل شريكين أساسيين في بناء النظام الوطني في هذه المرحلة. وشكل هذا النهج للنظام الوطني بالتوازي التام الذي سارت عليه كل الأنظمة الوطنية العربية التي تأسست منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. واستقام نهجها على قاعدة المساواة بين المرأة والرجل وتعزيز دورهما في بناء الأنظمة الوطنية في بلدانهما.
وعلى أساس قاعدة المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في مرحلة النظام الوطني فإن الدستور الوطني لليمن الديموقراطية والقوانين المستندة على قاعدته ضمنت للمرأة والرجل حقوق المواطنة المتساوية في تقاسم الفرص العامة والتمتع المتساوي بحصة التعليم المجاني حتى أعلى درجاته العليا، وحق العمل والسكن وممارسة الحقوق السياسية. وفتح ذلك النظام أمام المرأة فرص الاستحقاق الوظيفي كاملة في كل القطاعات الإدارية والأمنية والعسكرية. وتساوت مع الرجل في الفرص الوظيفية حتى أعلى درجاتها. ولم تعِق القوانين المرأة من المشاركة المتساوية في المجالات الرياضية والثقافية والإعلامية على نفس قاعدة التمتع بالحق الوطني العام. ونظراً للنظرة الإيجابية للمجتمع تجاه هذه المشاركة فقد فتحت أمام المرأة كل التخصصات العلمية الجامعية، وبالمقابل اقتحمت النساء كل مجالات العمل ابتداء من شغل وظيفة مدرّسة، مروراً بمهنة مظلية في القوى الجوية، وسائقة مركبات زراعية، انتهاء بوظيفة مهندس ميكانيكي ومهندس طيران. وأزاح النظام الوطني عن وجه المرأة كل مظاهر الفصل والتمييز في حقل التعليم والعمل والنشاط الاجتماعي والسياسي.
وفي مرحلة الوحدة اليمنية حملت المرأة العدنية ملامح الرضا والتكافؤ إلى المرحلة الجديدة لتصطدم بأنماط اجتماعية وسياسية وإدارية وعقائدية تستقيم على قاعدة العرف والتقاليد أولاً وأخيراً. وتسبب ذلك في عرقلة العمل بالنظام والقانون الضامنين للحق الوطني العام للمرأة والرجل. وشكل ذلك الواقع دوراً ملحوظاً في سياسة التمييز، الأمر الذي كبح عجلة المساواة في الحقوق والواجبات للمواطن اليمني ذكراً وأنثى.
ولعل أبرز مظاهر التراجع في الحقوق المكتسبة للمرأة الجنوبية التي يلمسها الإنسان ببساطة تتمثل بالفصل القسري بين الإناث والذكور في مقاعد الدراسة، وما تبع ذلك من فصل مماثل حتى في الجلوس العام حيثما يتواجد الجنسان في الجامعات والاجتماعات ومجالات العمل، وتقلص مشاركات المرأة في المناصب القيادية بسبب تعود الرجال على إدارة الاجتماعات في مجالس القات. وسادت الحياة العامة الرسمية وغير الرسمية ثقافة العيب بدلاً من النظام والقانون. واحتكم المجتمع إلى سلوكيات لا تمتّ للدولة المدنية بصلة. وخسرت المرأة الجنوبية حقوقها القانونية القائمة على مضمون قانون الأسرة وتهدد الأمن العائلي بوجوب الزواج من ثانية ورابعة. وخسرت المرأة المطلقة حق امتلاك مسكن بوصفها الحاضنة.
ويعتبر الضرر الاقتصادي الأكبر الذي ما زالت ملامحه مستقرة في حياة الأسرة الجنوبية قد تمثل بدخول اليمن اقتصاد السوق المفتوحة وما ترتب عليه من خصخصة المؤسسات الاقتصادية الكثيرة التي أسسها النظام الوطني في عدن. ونتج عن هذه الخصخصة تسريح كامل للقوى الوظيفية النسائية في الجنوب. وتهديد الأمن الأسري العام لهؤلاء النساء اللواتي شكلن قوى اقتصادية مؤثرة في اقتصاد عدن قبل الوحدة اليمنية. ونتج عن ذلك ما يعرف بظهور مصطلح تأنيث الفقر في عدن لأول مرة.